السياق والقوة.. أسس المفارقة بين “طالبان” و”تحرير الشام”

camera iconزعيم حركة طالبان "هبة الله آخوند زاده" وقائد تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" - (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

مع تراجع قوة وسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” في معقلَيه الأساسيَّين، سوريا والعراق، تنامت قوة جماعات “جهادية” في المنطقة، لكن ليس بعقلية التنظيم التي تعتمد على القتال الإقليمي دون وضع حدود للانتشار والسيطرة.

تنامت قوة حركة “طالبان” في أفغانستان لتسيطر مؤخرًا على البلاد، بينما تتمترس “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، لتتشابه الجماعتان بنوعية الأهداف وتتباينا في أن السياقات المحلية والإقليمية اختلفت بين القوتين.

سيطرت “طالبان” على أفغانستان، وأصدرت قرارات متتالية وتصريحات حول آلية تعاملها مع أعداء الأمس، اختلفت عن أسلوب “طالبان” وطريقة إدارتها للبلاد في فترة السيطرة الأولى بين عامي 1996 و2001.

بينما تغيّر “هيئة تحرير الشام” في أيديولوجيتها المستمدة من تنظيم “القاعدة” أو تنظيم “الدولة” التي خرجت من رحمهما، والمعتمدة على “الجهاد العالمي” وعدم الاقتصار على “الجهاد” ضمن دولة واحدة، ومعاداة الدول الغربية.

إذ حاولت “تحرير الشام” على لسان قيادتها بثّ رسائل للدول الغربية مفادها أن “الهيئة” لا تعادي الغرب، وتقتصر في أعمالها العسكرية على الداخل السوري وإسقاط النظام السوري.

طرح ذلك أسئلة عن حصول تغيير فعلي أو تطوير في عقلية “طالبان” و”تحرير الشام” السياسية، ونظرة الجماعات “الجهادية” في سوريا إلى التغيير في أفغانسان، وكيف سينعكس ذلك في خطابها على الحاضنة الشعبية.

السياقات هي الأهم.. نظرة براغماتية لهذه الجماعات

الباحث في الجماعات “الجهادية” حسن أبو هنية، قال إن سيطرة “طالبان” أثارت أسئلة كثيرة خاصة حول سلوك الحركة، فمواقفها السياسية والاجتماعية والعلاقات الدولية وفتح علاقات جيدة هي تطور في العقلية السياسية، و”هذا شاهدناه نوعًا ما عند (تحرير الشام)”.

وأوضح أبو هنية، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما حصل يشير إلى تأثير سياقات مواقف الحركتين السياسية والاجتماعية وفتح العلاقات، فهذه الحركات “عادة تُدرس من باب العقائد والأيديولوجيات، لكن تُهمل من منظور مقاربة ثقافية واستشراقية (مواقفها الداخلية والدولية وخبراتها المتراكمة)، وكأن ما يحرّك هذه الجماعات النصوص أو الأيديولوجيات أو التقاليد الخطابية (الكتاب والسنة)”.

و”لكن نعلم أن التأويلات لهذه المقولات هي الأهم، وبالتالي السياقات (الأحداث) هي أهم من النصوص”،  بحسب هنية، الذي يستدل على ذلك بتحول سلوك هذه الحركات، فمن ينظر إلى “طالبان” اليوم يلحظ تغييرًا واضحًا عن فترة الحكم الأولى بين 1996 و2001، أو “تحرير الشام” عندما كانت في بداياتها بين عامي 2012 و2013.

ويوضح ذلك أن “طالبان” و”تحرير الشام” “حركات سياقية إلى درجة كبيرة”، وتطورتا نتيجة “خبراتهما المتراكمة” واحتكاكهما بالواقع الداخلي والإقليمي والدولي، حسب أبو هنية.

وأصبحت “طالبان” و”تحرير الشام” تنظران بنوع من البراغماتية، لكن “براغماتية في حدود الشريعة”، إذ ستبقى هذه الجماعات دينية سلفية، وهي تحاول إعادة قراءة الشريعة من خلال قراءة براغماتية تسمح بها التقاليد الخطابية، أي ما تسمح به السياسة الشرعية بحسب منظور الحركتين، وهو ما يوضح السياقات الحالية أصلًا.

اعتراف واقعي بـ”طالبان”.. “الهيئة” واقع مختلف

تضمّن بيان دول “مجموعة السبع”، بعد اجتماع عُقد في 24 من آب الحالي، فيما يخص الاعتراف بحركة “طالبان” من عدمه، أن تقييم الحركة سيكون وفق أفعالها لا أقوالها، مشيرًا إلى أن “شرعية الحكومة التي سيتم تشكيلها في أفغانستان تعتمد على نهجها في الوفاء بالتزاماتها الدولية”.

ودعا البيان الحكومة المستقبلية إلى ضمان “ألا تعود أفغانستان مجددًا ملاذًا آمنًا للإرهاب، أو مصدرًا للهجمات الإرهابية ضد الآخرين”، مؤكدًا ضرورة عمل جميع الأطراف في أفغانستان بحسن نية “لتأسيس حكومة شاملة وتمثيلية، تشمل مشاركة فعالة للنساء والأقليات”.

أشار الباحث حسن أبو هنية إلى أن هناك اعترافًا واقعيًا من الجميع بـ”طالبان”، لكن حالة “تحرير الشام” مختلفة، لأنه في سوريا لا يزال “النظام يتمتع بالشرعية وسند له قوة (الروس)”.

ويمكن أن نقارن “تحرير الشام” بـ”طالبان” لو انسحبت إيران وروسيا من سوريا، لكن المقارنات اليوم تنحصر بـ”الخطابات والممارسات”، أي كيف تطور هذا الخطاب، فخطاب “(تحرير الشام) ليّن جدًا تجاه أمريكا وأوروبا، في حين لا يزال معاديًا جدًا لروسيا وإيران”.

دفعت “طالبان” الجميع للتعامل معها كقوة وحيدة، بينما “تحرير الشام” محاصرة ضمن ترتيبات دولية وإقليمية، ولا توجد لديها هذه القوة التي تستطيع فرضها.

ورغم محاولات “تحرير الشام” فتح قنوات تواصل مع الغرب، تصر واشنطن باستمرار على أن “الهيئة” مصنفة “إرهابية” بغض النظر عن مسماها ومن يندمج معها.

وأجرى زعيم “تحرير الشام” في شباط الماضي لقاء مع الصحفي الأمريكي مارتن سميث في معقل سيطرة “تحرير الشام”، محافظة إدلب شمال غربي سوريا، ركز خلاله على السجون، وتصنيف الولايات المتحدة لـ”الهيئة”.

ونقلت صحيفة “لو تمبس” السويسرية، في 4 من أيلول 2020، مقابلة مع الشرعي العام في “هيئة تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون، الملقب بـ”أبو عبد الله الشامي”، تحدث فيها عن “تطبيع العلاقات مع الدول الغربية”.

وقال عطون للصحيفة، “نحن آخر من قاتل النظام وحلفاءه، لكننا لن نتمكن من القضاء عليه دون مساعدة”، في إشارة منه إلى طلب المساعدة من الدول للقضاء على النظام، فـ”تحرير الشام” والمنطقة لا تستطيع الاستمرار دون مساعدة الدول الغربية.

وأكد أن فصيله يريد “الخروج من القائمة السوداء (…) وعندها فقط ستتمكن المنطقة من التعافي”، حسب عطون.

تنافس بين الحركات “الجهادية”.. القوة هي الأساس

يوضح ما يحدث مع “طالبان” و”تحرير الشام”، أن هناك جدلًا داخل الحركات “الجهادية” المتنافسة سواء كان تنظيم “الدولة” أو “القاعدة” أو الجماعات المحلية، حسب أبو هنية.

وصحيح أن ما يحدث مع “طالبان” أشار إلى البراغماتية، لكنه أشار إلى دور القوة، “بأنك لا تحصل على ما تريد من خلال المفاوضات وتقديم التنازلات، إنما عن طريق القوة”، وهو على عكس ما تفعله “تحرير الشام” التي تقدم تنازلات، دون أي مردود إيجابي في المقابل، ما يقوي أحيانًا من النزعة الأكثر راديكالية.

ومن المبكر الحديث عن نجاح أو فشل تجربة “طالبان”، فهي نجحت في شن حرب والسيطرة، لكنها أمام تحدي بناء الدولة، ولا نعرف إن كان سيحصل انشقاقات مستقبلية، لكن يمكن فقط الحكم من زاوية أن القوة هي الناجعة في فرض الشروط، حسب الباحث حسن أبو هنية.

وأضاف الباحث أنه إن كان من درس لحركة “طالبان” فهو درس أن القوة هي التي تصنع الاحترام والاعتراف، وليس التنازلات”، فـ”طالبان” لم تفاوض الأمريكيين إلا على الانسحاب، ولم تقدم تنازلات كثيرة، ولم تقل إنها ستحكم بالديمقراطية والانتخابات، إنما قالت إنها ستعود إلى نظام الإمارة والشريعة، وهذا مختلف نوعًا ما عن “تحرير الشام”، أو الحركات الإسلامية الأخرى.

وفي 19 من آب الحالي، أعلنت “طالبان” عن تشكيل “إمارة أفغانستان الإسلامية”، بعد أقل من أسبوع على دخولها العاصمة الأفغانية، كابل، إثر فرار الرئيس الأفغاني، محمد أشرف غني، إلى طاجكستان، لينتقل بعدها إلى الإمارات في 18 من آب.

أما الحركات الأكثر ليونة كحركة “النهضة” في تونس، وعلى الرغم من كل التنازلات التي قدمتها لم تفلح في شيء.

وفي العملية الأخيرة لتنظيم “الدولة” باستهداف مطار “كابل”، بعث برسالة أخرى، حسب الباحث حسن أبو هنية، أننا لسنا مضطرين لتقديم تنازلات إلى من كان في الحكم سابقًا أو إلى المتعاونين مع ما يسمى الاحتلال أو الاحتلال نفسه، وهذا يحرج الحركات التي تريد أن تدخل في تسوية وبراغماتية كـ”تحرير الشام” و”طالبان”.

وكان فرع تنظيم “الدولة” المسمى “ولاية خراسان”، أعلن مسؤوليته عن الهجوم المزدوج على مطار “كابل” الذي أدى إلى مقتل 170 شخصًا الأسبوع الماضي.

ويرى أبو هنية أنه في المرحلة المقبلة “سيشتد التنافس، ويكاد يكون هذا إلغاء أو إبعادًا ربما يشير إلى نهاية فترة تنظيم (القاعدة)”، وسيصبح الجدل بين تنظيم “الدولة” الذي يدمج الأبعاد المحلية والخارجية، والحركات التي تذهب للاعتماد على النهج المحلي كـ”تحرير الشام” وطالبان” وغيرهما.

فرح لـ”الجهاديين”.. لكن التجربتين مختلفتان

في النهاية، فإن “وصول (طالبان) إلى السلطة أفرح (الجهاديين) جميعًا باستثناء تنظيم (الدولة)، وشاهدنا هذا بشكل واضح في سوريا”، حسب أبو هنية.

وسيطرة “طالبان” لها تداعياتها، وستزيد التنافس بين “الجهاديين” على فرض مكانتهم وسيطرتهم.

لكن الأهم، حسب أبو هنية، “أن نعلم أن السياقات أهم من الأيديولوجيات، وهذا يوضح ما يحدث مع (تحرير الشام)، وهي لا تستطيع فرض شروطها على أحد، إنما تستجدي أوروبا وأمريكا وتركيا لمساعدتها لمواجهة عدو آخر ضمن اللعبة الدولية، وهذا الأمر غير ممكن وحالة مغايرة لسلوك (طالبان)، يقودنا إلى فوارق عميقة جدًا بين التجربتين”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.



English version of the article


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة