“جسور الحقيقة”.. مشروع جديد لرفع أصوات المعتقلين السوريين أكثر
عنب بلدي- صالح ملص
يوقف رجال الأمن عددًا من الأشخاص على الحاجز العسكري، في أي مدينة أو بلدة، حاملين السلاح دائمًا، لا يصرحون عن هويتهم أو الجهة التي يأتمرون بأوامرها، ومن دون أي مذكرة قضائية بالقبض على أي شخص، يعتقلون فردًا أو أكثر من الناس مستخدمين العنف في هذه العملية.
يتكرر هذا المشهد في دولة مثل سوريا، ليكون الفصل الأول من فصول احتجاز قد يطول لسنوات طويلة داخل أقبية السجون دون أن يعرف المعتقل سبب اعتقاله.
يتحول الشخص الذي يعيش مأساة هذه التجربة من معتقل إلى مختفٍ قسرًا، ويكون معرضًا للتعذيب والإهانة وفقدان حياته في أي لحظة.
ولا تزال الانتهاكات ضد المدنيين تتراكم داخل ملف حقوق المعتقلين السوريين، دون وجود أي جهة دولية تردع هذه الممارسات سياسيًا أو قانونيًا، أو وجود نية حقيقية على صعيد الأمم المتحدة لمحاسبة الجهات التي ترتكب هذه الانتهاكات، أبرزها حكومة النظام السوري.
وما يزيد آلام الاعتقال في سوريا، بالنسبة للمعتقلين أو عائلاتهم، بقاء مصير المعقتلين مجهولًا، والعيش في حالة ترقب لسنوات، أحيانًا للحصول على أي معلومة دقيقة تؤكد أو تنفي بقاءهم على قيد الحياة، أو مكان وجودهم، مع احتمالية ضئيلة لوجود جهات تساعدهم في الاطمئنان على ذويهم وتدعم قضيتهم.
وبمقابل استمرارية تلك الانتهاكات، تستمر جهود منظمات سورية بتسليط الضوء أكثر على قضية المعتقلين السوريين، إذ بدأ، في 23 من حزيران الماضي، مشروع “جسور الحقيقة” من قبل ثماني منظمات سورية وواحدة دولية.
الإصرار على إظهار الحقيقة
تعمل مجموعة المنظمات المدنية منذ أربع سنوات على الدفع باتجاه تحقيق العدالة الكاملة والهادفة لعدد لا يُحصى من ضحايا النزاع والقمع على يد السلطة في سوريا، وفق ما قاله منسق مشروع “جسور الحقيقة” في منظمة “اليوم التالي”، عباس الموسى، في حديث إلى عنب بلدي.
”هدفنا هو دعم الضحايا ورفع أصواتهم ونقل القصص التي يجب أن يسمعها العالم بأسره، ونحن نؤمن بأن السبيل الوحيد لإرساء السلام في سوريا يكمن في استعادة حقوق المعتقلين والمختفين وذويهم بالكامل”، وفق ما قاله الموسى، وتحاول المنظمات المشرفة على هذا المشروع الالتزام بالتضامن مع عائلات هذه القضية، لأنها قضية جميع المنظمات المشاركة في هذا المشروع.
والمنظمات التي تشارك في تنفيذ هذا المشروع هي: “بدائل”، و”مركز المجتمع المدني والديمقراطية”، و”دولتي”، و”محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان”، و”المعهد السوري للعدالة”، و”اليوم التالي لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا”، و”مركز توثيق الانتهاكات في سوريا”، و”النساء الآن من أجل التنمية”.
وانتهجت هذه المنظمات في مشروع “جسور الحقيقة” نهجًا مختلفًا ومباشرًا، وفق ما يراه الموسى، إذ طالبت القرّاء بأن يضعوا أنفسهم مكان الضحايا وذويهم ليشعروا بمعاناتهم وبالألم الشديد والتحديات المروعة التي تواجهها عائلات المعتقلين ويواجهها الضحايا يومًا بعد يوم.
وينصبّ تركيز المنظمات المتعاونة في تنفيذ المشروع على العقبات التي تعترض سبيل عائلات ضحايا الاعتقال، عندما يحاولون إعادة بناء حياتهم والحصول على الوثائق المدنية الأساسية التي تعتبر ضرورية لضمان حق العيش الكريم كأشخاص وأُسَر وأعضاء في المجتمع.
ويجب على الناس أن يروا صعوبة العراقيل التي يصادفه مجتمع عائلات ضحايا الاعتقال، وأن يدرك المجتمع السوري عدم توفر أي حلول جاهزة أو آمنة لتلك العائلات.
ويرى الموسى أن هذا النهج قد يكون الطريقة الوحيدة لممارسة ضغوط جديدة في هذا الصدد، لأن أطراف النزاع في سوريا يصرون على إخفاء الحقيقة حول مكان ومصير الضحايا، ولأن المنظمات تخشى أن يكون كثيرون من أعضاء المجتمع الدولي قد اعتادوا هذا الواقع أو حتى صاروا متساهلين إزاءه.
ما أنشطة المشروع
سينتج هذا المشروع كُتيبًا “يروي رحلة الألم التي يعانيها الضحايا وذووهم مستشهدًا بروايات بعضهم التي قدموها في أثناء مقابلتهم خلال فترة المشروع”، وفق ما أوضحه الموسى، كذلك سيكون هناك فيلم يروي قصة لاجئة سورية تسعى جاهدة لمعرفة مصير زوجها الذي اعتُقل من قبل السلطات السورية.
مناصرة قضية المعتقلين السوريين في هذا المشروع ستكون من خلال نشر الكتيب والفيلم و”إيصاله إلى صنّاع القرار والمنظمات المحلية والدولية والمؤثرين”، ومن خلال النشر على مواقع التواصل الاجتماعي وإقامة مناسبات في عدة بلدان لنشر القضية لأكبر عدد ممكن من الجمهور، لجعلها من الأولويات في سوريا.
جهود مستمرة وخيبات أمل
في حزيران الماضي، أفرج النظام السوري عن مجموعة ضئيلة من المعتقلين، ما قابله أهالي المعتقلين بردود فعل يملؤها الإحباط.
ففي كل مرة يعلن النظام عن إطلاق سراح معتقلين، يتوقع الأهالي أن يكون أحبتهم بينهم، لذلك يشعرون بالانكسار وخيبة الأمل مع عدم الإفراج عن أقاربهم، وفق ما عبر عنه الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري في حديث إلى عنب بلدي.
“لا أرى أن هناك أملًا في الحديث عن قضية المعتقلين بالتزامن مع إصرار السلطة في سوريا على الاستمرار بالانتهاكات، فهي لا تزال تعتقل الناس وتزج بهم في السجون وتخضعهم للتعذيب”، قال العمري.
وأوضح الحقوقي أن الإنصاف القضائي السريع والفعّال، بوصفه وسيلة لتحديد مكان وجود الأشخاص المحرومين من حريتهم أو للوقوف على حالتهم الصحية وتحديد السلطة التي أصدرت الأمر بحرمانهم من الحرية أو نفذته، هو حق ضروري لمنع وقوع حالات الاختفاء القسري في جميع الظروف بما فيها ظروف حالة النزاع أو عدم الاستقرار السياسي الداخلي أو أي حالة استثنائية أخرى.
ووفقًا لـ”الإعلان الدولي لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري“، لا تعتبر حالات عدم الاستقرار السياسي الداخلي في دولة ما ذريعة لتبرير أعمال الاعتقال والاختفاء القسري.
ويكون للجهات الحقوقية المختصة، بموجب “الإعلان”، الحق في الدخول إلى جميع الأماكن التي يحتجز فيها الأشخاص المحرومون من حريتهم وكل جزء من أجزائها، فضلًا عن أي مكان يكون ثمة ما يدعو فيه إلى الاعتقاد باحتمال العثور على هؤلاء الأشخاص المعتقلين.
أين جهود المعارضة السياسية؟
يعتبر ملف المعتقلين والمغيبين قسرًا الملف الأكثر تهميشًا في التسويات السياسية في سوريا، واستخدم النظام السوري الاعتقال كسلاح لقمع الاحتجاجات منذ 2011.
وتهتم “هيئة التفاوض السورية” بملف المعتقلين السوريين، كما توجد في “الهيئة” لجنة خاصة لمتابعة هذا الموضوع، وفق ما قاله عضو “هيئة التفاوض السورية”، وعضو “اللجنة الدستورية المصغرة”، المحامي طارق الكردي، في حديث إلى عنب بلدي.
وملف المعتقلين والمغيبين موجود دائمًا كبند رئيس على جدول أعمال اجتماعات “الهيئة”، بالإضافة إلى جدول أعمال رئيسها مع كل الوفود والأطراف والشخصيات، وفق ما قاله الكردي.
كما أن “لجنة صياغة الدستور” تتعامل مع هذه القضية ضمن أعمال “اللجنة” من حيث إيجاد المضمون الدستوري الخاص بهذا الأمر.
وتشرف “لجنة المعتقلين” في “هيئة التفاوض” على الكثير من الفعاليات من لقاءات وندوات كي تبقى قضية المعتقلين قضية حية حتى كشف مصير المغيبين قسرًا في كل السجون السورية.
والاعتقال التعسفي ممارسة موجودة في جميع البلدان، لا تعرف حدودًا، يتعرض لها آلاف الأشخاص كل عام.
ويُعتقل الأفراد في سوريا إما لأنهم مارسوا واحدًا من حقوقهم الأساسية المضمونة بموجب المعاهدات الدولية، والمنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مثل حق التعبير وحرية تشكيل التجمعات، وحق الفرد في مغادرة بلده والدخول إليه، وإما لأنهم لم يتمكنوا من الاستفادة من الضمانات الأساسية للحق في محاكمة عادلة، فسُجنوا من غير أن تصدر هيئة قضائية مستقلة أمرًا بالقبض عليهم أو توجه إليهم تهمة أو تحاكمهم، أو من غير أن توفر لهم إمكانية الاستعانة بمحامٍ، علمًا أن المعتقلين يخضعون أحيانًا للحبس الانفرادي لعدة أشهر أو عدة سنوات، إن لم يكن إلى أجل غير مسمى، أو يظلون قيد الاحتجاز حتى بعد تنفيذ الإجراء المتخذ ضدهم أو العقوبة المفروضة عليهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :