الصين تعزز حضورها في سوريا.. مصالح مشتركة لأهداف مختلفة
عنب بلدي – جنى العيسى
يزداد الحضور الصيني في سوريا، منذ مطلع العام الحالي، على أكثر من مستوى سياسي وخدمي، ما يزيد التساؤلات حول توقيت هذا الحضور، وماذا تريد بكين من خلاله.
ويقابل النظام السوري هذا الدور بالتعبير عن دعمه لحكومة الصين، حتى في قضايا لا علاقة له بها، ولا يوجد لموقفه تأثير ملموس فيها، كما حصل في دعمه بكين بقضية تحقيقات “منشأ كورونا”.
اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري، في 27 من حزيران الماضي، أن الصين تتعرض “لهجوم سياسي” بعد اتهامات واجهتها بأنها “لم تكن شفافة تمامًا”، في التحقيق العالمي حول أصول فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وأعلنت الوزارة دعمها لحكومة الصين، مبررة أنه من ناحية علمية بحتة يعتبر كشف مصدر الفيروس “عملًا شاقًا وطويل المدى”.
جاء هذا الموقف بعد إعلان صيني من أعلى مستوى، عن دعم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي نظمها بمقاطعة أممية وغربية، إذ قال الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إن بلاده ستقدم كل مساعدة ممكنة لسوريا في سبيل إنعاش اقتصادها، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين، وكذلك في مكافحة جائحة فيروس “كورونا”.
ونقلت وكالة “تاس” الروسية، في 1 من حزيران الماضي، أن الرئيس الصيني أرسل برقية تهنئة إلى رئيس النظام السوري، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، مفادها أن “الصين تدعم سوريا بقوة في حماية سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها، وستقدم كل مساعدة ممكنة لسوريا في مكافحة جائحة فيروس (كورونا)، وتنشيط اقتصاد البلاد، وتحسين حياة شعبها”.
وأشار الرئيس الصيني في برقيته إلى أن جمهورية الصين الشعبية “ستعزز تقدم التعاون الصيني- السوري إلى مستوى جديد”، بحسب الوكالة.
وأضاف بينغ، “إنني أعلّق أهمية كبيرة على تطوير العلاقات الصينية- السورية، وأقف على أهبة الاستعداد للعمل مع الأسد لاستغلال الذكرى الـ65 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية الثنائية وتحقيق المزيد من النجاح”.
وتعتبر الصين من أبرز الدول التي حافظت على علاقتها مع النظام السوري، ودعمته سياسيًا واقتصاديًا وماليًا منذ انطلاق الثورة السورية، إذ عرقلت منذ 2011 عدة قرارات تدينه في مجلس الأمن الدولي عبر استخدامها حق “النقض” (الفيتو)، إلى جانب روسيا.
لماذا تدعم الصين النظام السوري؟
يرى الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يوطد “العلاقة الطيبة” التي تجمع الصين بالنظام السوري، سياسة دولة الصين الداخلية المشابهة لسياسة النظام، إذ تُعتبر دولة “ديكتاتورية” يسيطر عليها حزب جماهيري واحد، ويسعى لإسكات أصوات المعارضين له، وهو من مبدأ “الطيور على أشكالها تقع”.
كما يوضح التاريخ السياسي للصين، أنها داعمة لأي استقرار لأنظمة مستبدة، إذ قمعت سابقًا العديد من الثورات في بلدان مجاورة، خوفًا من التغيير الذي قد يطالها إذا سقطت تلك الأنظمة المستبدة التي تدافع عنها، بحسب ما أضافه تركاوي.
وحول هدف الصين من دعم النظام السوري على وجه التحديد، أوضح تركاوي أن الصين تريد الوصول إلى أسواق المنطقة وشواطئ البحر المتوسط بالعموم، بهدف ترسيخ مشروعها الاقتصادي بترويج المنتج الصيني وإيصاله إلى العالم.
بينما يعتبر الباحث السياسي وائل علوان، أنه على الرغم من معاناة النظام السوري من عجز حكومي وخلل إداري، وانهيارات اقتصادية مستمرة، فإنه على المستوى السياسي الدولي والإقليمي، تعد الجغرافيا السورية أحد ميادين التدافع الدولي بين الصين وروسيا وإيران، في مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب تقرير لـ معهد “ “نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة” الأمريكي، سعت الصين إلى دمج النظام السوري بمبادرة “الحزام والطريق”، وحاولت الاستفادة من احتياجات إعادة الإعمار الملحة في البلاد، لتأسيس موطئ قدم في قلب بلاد الشام، ولتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
وبحسب التقرير، تدرك الصين حاجة النظام السوري إليها، وبهذا تعتمد عليه في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية في منطقة بلاد الشام، بما في ذلك تراكم النفوذ الإقليمي على حساب الولايات المتحدة.
ومنذ عام 2016، سعت الصين إلى خلق فرص لشركاتها من أجل المشاركة بإعادة الإعمار في سوريا، حسبما أكد مبعوثها الخاص إلى سوريا، شي شياو يان، حينها، موضحًا أن الصين “واثقة من أنها ستشكل جزءًا من عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سوريا”.
كما لم تمتنع منذ بدء الثورة السورية عن تقديم مختلف أشكال المساعدات الإنسانية والمنح المالية، وساندت النظام السوري في الأشهر الماضية بالعمل على مواجهة جائحة “كورونا”، عبر مساعدات طبية ولقاحات ضد الفيروس.
مكاسب إضافية مختلفة يريدها النظام
ربط الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، خطاب النظام الأخير ودعمه للصين في قضية منشأ فيروس “كورونا”، بنية الصين تقديم “كل مساعدة ممكنة لسوريا في سبيل إنعاش اقتصادها، وتحسين الظروف المعيشية للسوريين، وكذلك في مكافحة جائحة فيروس (كورونا)”، حسب تصريحات الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في مطلع حزيران الماضي.
وأوضح علوان، في حديث إلى عنب بلدي، أن النظام وبحكم استمراره في اللعب على التنافس الروسي- الإيراني في سوريا، صار مرتهنًا في قراره العسكري الأمني والسياسي والاقتصادي للروس والإيرانيين، وإن كان منتفعًا من دعم الجانبين، لكنه يتطلع أيضًا إلى مصالح قد يكسبها من خلال تعزيز أكبر للحضور الصيني في سوريا.
وبحسب علوان، فإن النظام من الممكن أن يجد في الدور الاقتصادي الصيني متنفسًا من الاستنزاف المستمر لديه، والذي يعاني منه أيضًا الداعمون التقليديون له (روسيا وإيران).
وبحسب تقرير لمجلة “THE DIPLOMAT“، فقد كان التأييد الصيني لتسلّم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، منصب رئيس الجمهورية لولاية جديدة في أيار الماضي، موضع ترحيب خاص من الأسد، لأنه يتطلع إلى الاستفادة منه في شكل أكثر واقعية من المساعدة، إذ قام الأسد حينها بتضخيم العلاقة الصينية- السورية كطريقة لإثبات أنه ليس معزولًا سياسيًا، وأن لديه عددًا من الشركاء المحتملين لدعم جهود إعادة الإعمار في سوريا.
وذكر التقرير أن الوصول إلى رأس المال الخارجي يعد أمرًا حيويًا لإعادة إعمار سوريا، لأنه من غير المرجح أن تكون المصادر المحلية كافية، ففي عام 2017، قدّر البنك الدولي أن الاقتصاد السوري تقلّص بمقدار 226 مليار دولار بين عامي 2011 و2016، ولكن هذا التقدير ارتفع بعدها بعام إلى 350 وحتى 400 مليار دولار.
وتظهر الأرقام، وفقًا للتقرير، أن أقصى ما يمكن جمعه من المساعدات الروسية والإيرانية الداعمة للنظام السوري، لا يتجاوز سبعة مليارات دولار لروسيا و23 مليار دولار لإيران، وهو لا يقترب بجميع الأحوال من المبلغ المطلوب.
وأضاف التقرير أن هذه الأسباب جعلت من الصين اقتراحًا أكثر جاذبية للبعض في دمشق، خاصة أن الأشكال الأخرى من رأس المال الأجنبي بما فيها بعض الدول الغربية، من المرجح أن تبقى غير متوفرة طالما ظل بشار الأسد متسلمًا للسلطة.
أين الصين في مستقبل سوريا؟
يعتقد الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، أن الصين لا تطمح بأن يكون لها أكثر من دور داعم للنظام، وداعم لأي عملية استثمار قد تحدث في سوريا خلال السنوات المقبلة.
ويتفق معه بالرأي الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، إذ استبعد أن يكون للصين أي دور عسكري أو أمني في سوريا مستقبلًا، منوهًا إلى أن النظام بتصوره لا يمانع ذلك إن أرادت الصين التدخل بهذا المجال.
بينما أوضح تقرير مجلة “THE DIPLOMAT“، أن العديد من العقبات والمخاطر ستواجه الشركات الصينية والاستثمار في سوريا، ويعد أبرزها أنه على الرغم من “قرب انتهاء الحرب في سوريا” فلا يعني ذلك نهاية الصراع، وقد تشكّل التقلبات والتغيرات في السيطرة من قبل القوى الموجودة على الأراضي السورية سواء كانت من النظام السوري أو القوات الأمريكية والتركية، مصدر قلق لكثير من المستثمرين الصينيين.
كما قد تكون العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على النظام السوري سببًا لتجنب بعض المؤسسات المالية الصينية التورط باستثمارات في سوريا خشية من عقوبات قد تطالها.
وأضاف التقرير أن التنافس الإيراني والروسي على اقتصاد سوريا وكسب عقود إضافية مربحة للجانبين، واستغلال الأسد أي فرصة قد تكون متاحة له لدعم لعب شركائه بين بعضهم، قد يتسبب بإشكالية لدى الشركات الصينية إن انغمست بتلك الشراكات، وهو ما قد يفرض عليها التنقل بين المصالح السورية والروسية والإيرانية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :