"مضمون منحط"..
إيحاءات جنسية وقود لانتشار “إسكيتشات” سورية عبر مواقع التواصل
عنب بلدي- صالح ملص
– “حبيبتي لا تفهميني خطأ لأنه جبتك على البيت لحالنا (…) بتحبي نبلش هون ولا بغرفة النوم؟”
– “لا حبيبي، بغرفة النوم أحلى بكون الرومانس أكتر (…) أنت خليك هون وأنا رح أسبقك وبتلحقني بعد دقيقتين، أنا بحب هي الشغلات تجي فجائية”.
هذا الحوار من أحد “الإسكيتشات” (مشاهد قصيرة) المنشورة عبر صفحة “مؤسسة بانة للإنتاج والتوزيع الفني” في “فيس بوك”، فكرة “الإسكيتش” هو أن شابًا يرغب بالتعبير عن حبه لحبيبته، وعند دخولهما غرفة النوم، يقدم الشاب وردة تعبيرًا عن حبه لها، فتنزعج حبيبته من هذا التصرف، باعتقادها أن سيناريو آخر سوف يحدث، وينتهي “الإسكيتش”.
على الرغم من آلاف التعليقات المنتقدة، التي تأخذ صبغة جماعية وليست فردية، للمحتوى المنشور من قبل “المؤسسة”، وتصفه أغلب ردود الفعل بـ”المنحط”، فإن ذلك لا يمنعها من الانتشار ومتابعتها من قبل ملايين الأشخاص.
استعراض بقصد الإثارة
تهدف “الإسكيتشات” إلى تسليط الضوء على قضية معيّنة في مجتمع ما، بانتقادها ولفت الأنظار إليها، غالبًا بطابع كوميدي، يستغرق عرضه ما بين دقيقة وعشر دقائق.
ويعرض محتوى أغلب “الإسكيتشات” لـ”المؤسسة”، التي أُنشئت عام 2004، فكرة الخيانة الزوجية، لكن دون التركيز على تناول هذه الفكرة بنضج كوميدي، إنما بإطلاق عبارات لا تستند إلى أي قيمة فنية، وفق تقييم أغلب تعليقات متابعي الصفحة على منشوراتها، الذين يتجاوزون المليون متابع.
إذ إن العنصر الأساسي في هذه المنشورات يكون التلفظ بعبارات تحتوي على إيحاءات جنسية، واستعراض بقصد الإثارة، تلعب أدوار شخصياتها وجوه غير معروفة على الساحة الفنية السورية.
مواقع التواصل تسمح بـ”حرية النشر”
طريقة النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لها نوعان، الأول يكون غير مدعوم بإعلانات بهدف الربح منها، أما النوع الثاني فيكون مدعومًا بتلك الإعلانات.
ووفق ما أوضحه المختص بالإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي عمرو الحصني في حديث إلى عنب بلدي، فإن مواقع التواصل تسمح بالمحتوى المنشور من خلالها حتى وإن كان يتضمن إيحاء جنسيًا، في حال لم يكن مدعومًا بإعلانات، وذلك من باب “حرية النشر”.
ويمكن للأشخاص الذين يعتقدون بأن محتوى ما من المحتمل أن يتعارض مع قيمهم الأخلاقية الإبلاغ عن هذا المحتوى، بما في ذلك الصفحات والمجموعات والملفات الشخصية والمحتوى الفردي والتعليقات، وفق ما قاله المختص بالإعلام الرقمي، وبالتالي سيتم منع نشر هذا المحتوى يدويًا من قبل مواقع التواصل.
أما فيما يخص طريقة النشر المدعوم بالإعلانات، فلا تسمح إدارة مواقع التواصل الاجتماعي بنشر أي محتوى جنسي صريح يتعارض مع القيم المجتمعية، وتلتقط خوارزميات الموقع هذا المحتوى وتمنع نشره إلكترونيًا.
وهناك فرق بين الإيحاء الجنسي والمحتوى الجنسي الصريح، فأحيانًا لا تستطيع خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي منع نشر بعض المنشورات التي تتضمن إيحاء جنسيًا غير واضح، وفق المختص بالإعلام الرقمي، كون الألفاظ التي ذُكرت في المنشور لم تكن مصنفة في خوارزميات الموقع ضمن الإيحاءات الجنسية.
رداءة تؤثر على سلوك المتلقي
تعترف مواقع التواصل الاجتماعي بحرية اختيار المستخدم للمحتوى الملائم لاهتماماته، حتى وإن كان هذا المحتوى ذا قيمة منخفضة، الأمر الذي يعد مسؤولية المستخدم نفسه في اختيار ما يشكّل وعيه ويؤثر على سلوكياته الشخصية داخل المجتمع.
رداءة “الإسكيتشات” عبر صفحة “مؤسسة بانة للإنتاج الفني”، واعتمادها على الإيحاء الجنسي كمكون أساسي لنجاح انتشارها، تؤثر على سلوك ووجدان الفرد المتلقي لها، من خلال عملية تفاعلية بين هذه المنشورات والمشاهد، وفق ما قاله الباحث الاجتماعي محمد زعل السلوم في حديث إلى عنب بلدي.
وإذا كان المشاهد لهذه المنشورات ضمن فئة المراهقين، تكون التنشئة الاجتماعية لديه في بداية تكوينها، وقابلة لترسيخ أي فكرة يمكن أن يتلقاها بشكل متكرر معتمدة أساسًا على إثارة الغرائز، فيميل إليها، دون أن يكون لديه الوعي الفكري الكافي لتصنيف مثل هذه الأعمال ضمن “التفاهة وإضاعة الوقت”، وفق توصيف السلوم.
ويرجح الباحث الاجتماعي سبب كثرة المشاهدات على هذا المحتوى على الرغم من انتقاده، أن “الإنسان يميل إلى الراحة بدلًا من الجهد في البحث عن المحتوى الغني والمفيد، لأن الناس لا يحبون أن يتعبوا أنفسهم بإيجاد المحتوى الجدي، والمحتوى التافه هو الذي يتصدر مواقع التواصل في أغلب الأوقات، فيشاهده الناس”، وهذه المنشورات “تعزز منطقة الراحة لدى الناس”.
وبرأي السلوم، فإن تأثير هذه المنشورات “محدود” على الناس الذين لا يمتلكون وعيًا بالتحكم بأفكارهم وسلوكياتهم، فيتجهون نحو ما يتلقونه من أفكار مهما كان مضمونها، رغم أنها “بالغة الخطورة” عليهم في نفس الوقت، بحسب ما قاله الباحث الاجتماعي.
في الوقت الذي يحتاج فيه الجمهور السوري إلى إنتاج أعمال فنية تحمل قيمًا معرفية وثقافية تعينه على فهم مشكلاته الفكرية والاجتماعية، وخلق بيئة واعية تهتم بالبحث عن الحلول، فإن انتشار المحتوى “المنحط” أمر حتمي في فضاء لا يمتلك حرية طرح الأفكار بإبداع فني يتناسب مع ضوابط القيم الأخلاقية التي نشأ عليها المجتمع، ويحد من انتقاء الأفكار وطريقة عرضها، فتتغير مقاييس انتشار الأعمال الفنية بتغير الذوق العام لدى الجمهور.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :