سوريا و”مذبحة الأرمن” و”S-400″ وغولن.. محاور توتر متجدد بين الولايات المتحدة وتركيا
تجتمع تركيا والولايات المتحدة معًا ضمن مظلة حلف “الناتو”، وتعتبر تركيا سدًا أماميًا أمام المد الروسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي شاركت فيها تركيا إلى جانب الحلفاء على عكس الحرب العالمية الأولى.
إلا أن العلاقات التركية- الأمريكية شهدت توترًا خلال السنوات الماضية، خاصة بعد صعود حزب “العدالة والتنمية” إلى سدة الحكم وتمدد سيطرته في البلاد.
ومع تسلم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كرسي البيت الأبيض، عاد التوتر مؤخرًا ليسيطر على العلاقات، عبر ملفات يتكرر فتحها في كل أزمة بين البلدين.
“مذبحة الأرمن” ووعيد بايدن
أحدث التوترات كان اعتراف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بحدوث إبادة جماعية بحق الأرمن، إبان حكم الدولة العثمانية بمنطقة الأناضول وسط تركيا، وذلك من خلال بيان نشره البيت الأبيض تزامنًا مع الذكرى السنوية لما تتهم به تركيا بـ”إبادة الأرمن”.
بينما تنفي تركيا ذلك بقولها إن ما لا يزيد على 500 ألف أرمني قُتلوا خلال الحرب العالمية الأولى بسبب المجاعة التي ضربت بلدانًا عدة، بالتزامن مع “حرب أهلية” وقعت بين الأرمن المسيحيين والأتراك المسلمين قبيل انهيار الدولة العثمانية.
وتقول الرواية التركية إن عددًا مماثلًا من الأتراك قُتل أيضًا، في أثناء الحرب الأهلية بين الأرمن والأتراك.
وردت تركيا على “اعتراف” بايدن، بإعلان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، رفض بيان بايدن بشأن “إبادة الأرمن المزعومة”، وقال إنه مبني على أساس الشعبوية.
وأجرى الرئيسان، الأمريكي، جو بايدن، والتركي، رجب طيب أردوغان، السبت الماضي، اتصالًا هاتفيًا هو الأول منذ تولي بايدن الحكم في 20 من كانون الثاني الماضي، ناقشا خلاله العلاقات الثنائية وإدارة الملفات الخلافية.
واتفق الطرفان على عقد اجتماع ثنائي على هامش قمة “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) المقررة في حزيران المقبل، بالعاصمة البلجيكية بروكسل.
وكان بايدن وعد خلال حملته الرئاسية، أنه سيكون أول رئيس أمريكي منذ 40 عامًا يعترف علنًا بالقتل الجماعي في عام 1915، على أنها “إبادة جماعية”.
وخلال حلقة عُرضت في كانون الثاني الماضي على قناة “إف إكس” الأمريكية، تحدث بايدن بطريقة سلبية عن أردوغان، إذ وصفه بـ”المستبد”، وقال إنه سيدعم ويشجع المعارضة التركية في حال صار رئيسًا.
وأضاف بايدن أن الولايات المتحدة يمكن أن تدعم عناصر المعارضة في تركيا لتغيير تيار التطورات السياسية، كما ألمح إلى أنه سيشرك الولايات المتحدة مباشرة في الشؤون التركية المحلية.
سوريا مسرح للتوتر
تدعم الولايات المتحدة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وخاصة بعد صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” وسيطرته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق في 2014.
إذ استطاعت “قسد”، بدعم التحالف الدولي، السيطرة على آخر معاقل التنظيم ببلدة الباغوز في دير الزور في آذار 2019.
وتصنف تركيا “قسد” على لوائح “الإرهاب”، وتعتبرها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني”، الذي خاضت تركيا معارك طويلة ضده منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وتدين تركيا الدعم المقدم من التحالف لـ”قسد”، وشنت إلى جانب فصائل المعارضة السورية المدعومة من قبلها عمليتين ضد القوات، هما “غصن الزيتون” بمنطقة عفرين شمال غربي حلب في 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات في تشرين الأول 2019.
نقطة التوتر أو الخلاف الآخر في سوريا بين تركيا وأمريكا، هي مشاركة تركيا روسيا وإيران في العمليات السياسية التي أسستها روسيا عبر مسار “أستانة”.
وجرى توقيع اتفاقيات أثرت على سير العملية السياسية والعسكرية في سوريا في مسار “أستانة”، للدول الثلاث الضامنة (روسيا وتركيا وإيران)، وبالتالي الحد من تأثير مسار “جنيف” الذي تدعمه واشنطن في سوريا.
السلاح أيضًا
فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية على تركيا نتيجة شرائها منظومات صواريخ “S-400” للدفاع الجوي روسية الصنع.
وترى واشنطن أن المنظومة الروسية قد تجمع معلومات استخباراتية عن القدرات العسكرية الغربية، بما في ذلك مقاتلات “F-35” الأمريكية.
وتريد الولايات المتحدة من تركيا إيقاف تشغيل صواريخ “S-400” التي صُنعت في الأصل لاستهداف معدات “الناتو” وحصلت عليها أنقرة في حزيران 2019، وفي المقابل تشتري أنقرة منظومات “باتريوت” الأمريكية الصنع المنافسة لـ”S-400″.
وردت الولايات المتحدة على شراء أنقرة منظومات “S-400” بتعليق مشاركة تركيا في برنامج الطائرات المقاتلة “F-35″، الذي أُخرجت منه لاحقًا.
إذ أخطرت الولايات المتحدة تركيا بإخراجها رسميًا من برنامج إنتاج مقاتلات “F-35″، في 21 من نيسان الحالي.
ونقلت وكالة “الأناضول” عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية فضل عدم كشف اسمه، أن الإخطار يشير إلى فسخ مذكرة التفاهم المشتركة لتوقيع المشاركين بالبرنامج في 2006، والتي وقعت عليها تركيا في 26 من كانون الثاني 2007، وعدم ضم تركيا لمذكرة التفاهم الجديدة.
وأضاف المسؤول الأمريكي أن مذكرة 2006 محدثة مع الشركاء الثمانية المتبقين (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا وأستراليا والدنمارك وكندا والنرويج)، ولم تضم مشاركين جددًا إلى البرنامج.
وذكرت “الأناضول” أن أنقرة دولة مشاركة في مشروع تصنيع المقاتلة “F-35″، ودفعت نحو 900 مليون دولار في إطاره، ولم تتحدث الوكالة عن مصير ما دفعته تركيا في المشروع.
ولم يصدر تعليق من قبل الإدارة التركية حتى لحظة إعداد التقرير.
وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، قال في مقابلة مع قناة “haberturk“، الثلاثاء الماضي، إن الإدارات التركية، بما في ذلك وزارة الدفاع، تناقش حاليًا شراء فوج ثانٍ من أنظمة الدفاع الجوي مع الجانب الروسي.
وأوضح جاويش أوغلو أن قضية صواريخ “S-400” هي مشكلة في العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وعلل استمرار رغبة تركيا بشراء المنظومة “أن بلاده ذات سيادة، باعتراف الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب”، حسب تعبيره.
ولفت الوزير إلى أن الولايات المتحدة إذا أرادت أن تشتري تركيا أسلحة منها، فالأمر يستحق أن تعرضها بأسعار معقولة وشروط أفضل.
رجال دين
تعتبر قصة القس الأمريكي أندور برانسون، الذي تتهمه أنقرة بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة، في تموز 2016، أبرز نقاط التوتر بين البلدين، والأزمة الدبلوماسية الأولى منذ أزمة سيطرة تركيا على القسم الشمالي من جزيرة قبرص عام 1974.
إذ اعتقلت تركيا القس أندور برانسون، في 9 من كانون الأول 2016، ووجهت إليه عدة تهم تضمنت “ارتكاب جرائم” باسم منظمتي “غولن” وحزب “العمال الكردستاني” تحت مظلة رجل دين.
وأوقفت تركيا القس 21 شهرًا بتهمة دعم جماعة الداعية الإسلامي فتح الله غولن، التي تتهمها أنقرة بالضلوع في محاولة الانقلاب، قبل أن تحيله إلى الإقامة الجبرية.
وأصدرت المحكمة التركية في ولاية إزمير، في تشرين الأول من عام 2020، حكمًا على القس الأمريكي بالسجن لمدة ثلاث سنوات وشهر و15 يومًا مع وقف التنفيذ، قبل أن تفرج عنه بدعوى انتهاء حكمه.
وفي شباط 2018، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات اقتصادية على وزير العدل، عبد الحميد غول، والداخلية، سليمان صويلو، التركيين، بسبب قضية القس.
وتطالب أنقرة الولايات المتحدة بتسليم فتح الله غولن، إلا أن الولايات المتحدة ترفض ذلك.
إلا أن الداعية الإسلامي نفى أي صلة له بالانقلاب، ووصف حكم أردوغان بأنه “استبدادي”.
وأسس غولن حركة “خدمة” الإسلامية، وكان من الداعمين لأردوغان منذ 2003 حتى 2013، إلا أن خلافًا نشب بين الطرفين أدى إلى ملاحقة أنصار غولن، الذي اختار منطقة جبال بوكونو في ولاية بنسلفانيا الأمريكية مكانًا للعيش.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :