السوري "لا معلّق ولا مطلّق"..
خطوات لخلق الثقل الاجتماعي للاجئين في أوروبا
عنب بلدي – صالح ملص
يخاف السوريون اللاجئون من العودة إلى سوريا، المكان الذي هُجروا منه بسبب تراكم انتهاكات حقوقهم فيه دون رادع، من خلال قصف منازلهم، واعتقالهم بطريقة لا تحفظ كرامتهم، وحصارهم، وقسوة الوضع المعيشي عليهم، الأمر الذي جعل قرار سحب حق لجوء بعضهم في بلدان الاتحاد الأوروبي سببًا في تدهور حالتهم.
ويؤدي النزاع المسلح في مجتمع ما إلى إنقاص قدرة الأفراد على إعالة أنفسهم، وتدبير شؤونهم المدنية، ما يحد من قدرة المجتمع على أداء وظيفته بالإنتاج والتطور، من خلال شعور الأفراد بالضعف وانعدام أمنهم في مكان النزاع أو الأماكن التي هُجروا إليها، فيحاولون تشكيل جماعات لا تتسم بالكراهية، غير مشحونة بالعداوات، لضمان تحمل أعباء توفير الخدمات والعناية بالمجتمع، وتحاول تلك الجماعات التأثير على سياسات الأطراف المحلية والدولية بالنسبة لقضاياهم، من أجل إحداث تغيير لمصلحتهم.
يملك سوريون في بلدان أوروبية هذا الإدراك بأهمية التجمعات المدنية، فنظم بعضهم منظمات مجتمع مدني في مدن أوروبية محلية، وآخرون بادروا بإطلاق فكرة تحمل طابع التجمع السوري- الأوروبي يشمل السوريين في القارة الأوروبية كلها.
في عام 2015، وصل عاصم سويد إلى الدنمارك، بعد إقامته هناك لفترة، شعر بأهمية وجود تجمع سوري، وقام مع مجموعة من السوريين بمبادرة فردية منظمة تهدف بشكل أساسي إلى أن تكون نقطة تجمّع للسوريين في الدنمارك ليكون “بيتًا سوريًا ومظلة تجمع الكل”، وفق تعبير عاصم سويد، وهو عضو إدارة منظمة “فنجان” السورية- الدنماركية.
ومن هنا جاء اسم المنظمة “فنجان“، وهي كلمة عربية تُعبر بشكل دقيق عن تجمع مجموعة من الناس لشرب كوب من الشاي أو المقهى الذي يجمع الناس لمجرد الدردشة، وفق ما قاله عاصم في حديثه إلى عنب بلدي.
تقدم المنظمة مساحة لجميع السوريين من أجل المناقشة والمحاورة عن طريق المنطق والوعي في القضايا التي تجمعهم في الدنمارك، أولاها وأبرزها قضايا اللجوء، وتساعد هذه الحوارات على تسليط الضوء أكثر على كيفية اندماج اللاجئين السوريين مع مجتمعهم الجديد، “كي لا يقترفوا أي أخطاء سلوكية بسبب عدم اطلاعهم على ثقافة المجتمع الدنماركي قد تكون حجة لتعزيز فكرة عدم الترحيب باللاجئين في الدنمارك”، بحسب عاصم سويد.
كما تعرض المنظمة أفلامًا وثائقية تحمل قضايا متقاربة مع قضايا اللاجئين السوريين في أوروبا كجزء أساسي من فعالياتها، وتطرح الأفلام للنقاش بعد عرضها.
وأرجع عاصم سياسة عدم الترحيب باللاجئين لدى الأحزاب اليمينية المعارضة في الدنمارك بشكل عام إلى الكثير من الأفكار، منها “الإسلاموفوبيا” أو خوفهم من منافسة اللاجئين على فرص العمل أو الدراسة.
فراغ يجب ملؤه
أخذت عدة بلدان أوروبية مواقف تميل إلى سحب حق الإقامة المشروعة في البلد المضيف، كهولندا والدنمارك، ما دفع بعض السوريين إلى الحديث عن فكرة إنشاء تجمع سوري يشمل جميع اللاجئين السوريين في أوروبا، للدفاع عن حقوقهم فيها، ومن هذه المبادرات ما طرحه الباحث السوري بعلم الخلية مهند ملك المقيم في ألمانيا، عبر صفحته في “فيس بوك”، حول إنشاء “لوبي سوري- أوروبي” (SYEPAC).
وهو عبارة عن نادٍ سوري اجتماعي يجمع الأفراد الاختصاصيين من أجل تمثيل السوريين في أوروبا وتوحيد صفوفهم، وفق توصيف مهند ملك لتلك الفكرة، كي يكون بمثابة مركز يتمتع بثقل في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية التي تتقاطع مع قضايا السوريين، ويمثلهم في أوروبا وحتى داخل سوريا.
في الوقت الحالي فإن قيمة اللاجئين السوريين في أوروبا صفر، برأي مهند ملك عبر منشور آخر في “فيس بوك”، ومن خلال إنشاء تجمع سوري- أوروبي سيكون بمقدور السوريين توسيع علاقاتهم مع أفراد قد يتمكنون من إيصال صوت معاناتهم في أوروبا بمختلف المجالات، منها تجديد الإقامات، وتحسين الوضع المعيشي، والمشكلات الاجتماعية.
نادرًا ما تُناقش البرلمانات الأوروبية الأمور التي تخص الجالية السورية هناك، وإن حصلت فتكون على نطاق ضيق، وفق ما يعتقده ملك، في حديث إلى عنب بلدي، وبالتالي “لا يوجد خطاب مباشر بين هذه الجالية والبرلمانات، وهذا الفراع علينا ملؤه”.
تعاني الجالية السورية في أوروبا من “عدم وجود وزن لها في صناعة القرار الدولي” بما يخص الملف السوري، وفق ملك، وهذا يعني أن جزءًا كبيرًا من أصحاب القرار بمختلف مكوناته الاجتماعية لا يُؤخذ برأيه.
وفقًا لتقرير صادر عن معهد “Statelessness and Inclusion” في 2019، “كانت سوريا هي البلد الأصلي لأكبر عدد من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي في كل عام منذ عام 2013”.
وهناك رغبة من قبل الطرف الأوروبي بتنظيم الجالية السورية ضمن تجمع له أهدافه وآلية عمل واضحة، “هناك مصلحة للأوروبيين في هذا الصدد”، بحسب ملك، مشجعًا بحديثه على المبادرة الفعلية للمشاركة في هذه الفكرة.
المستقبل المجهول.. “عصا في عجلات الاندماج”
يقتبس مهند ملك في حديثه إلى عنب بلدي عن مبررات إنشاء “اللوبي السوري- الأوروبي” من اللهجة المحكية عبارة “لا معلّق ولا مطلّق” لوصف حال السوريين في أوروبا، والتخوف من المستقبل المجهول وما ينتظرهم مع أي تغيير سياسي في أوروبا، وصعود طرف سياسي على حساب طرف آخر، وهذا الأمر يولد شعورًا بالتوتر النفسي ويضع “العصا في عجلات الاندماج”.
“تخيل لو أن مليوني سوري قد نظموا الصف، واتفقوا على مجموعة من النقاط التي تعتبر قواسم مشتركة لكل السوريين بكل توجهاتهم السياسية والدينية وفوارقهم الطبقية والعلمية والاجتماعية والمادية، فبدلًا من التحدث عن مشكلتك، وعلى الأغلب لن يستمع لك أحد، سيكون هناك من يتحدث عن مشكلة مليوني سوري، وسيكون صدى الصوت بوزن عدد السوريين”، قال ملك.
ولا يتوقع ملك أن الشعب السوري قادر على فرض حل سياسي لما يجري في سوريا حاليًا، كونه “مفعولًا به لا فاعلًا”، وفق تعبيره، وإذا كانت هناك احتمالية لإيجاد تسوية سياسية فستكون من قبل “الكبار” الفاعلين في الملف السوري، و”نحن نريد فقط أن يستطيع الكبار، مهما كان الكبير، سماع صوت هؤلاء اللاجئين في أوروبا”.
حسنًا.. وماذا بيد السوريين؟
يمتلك السوريون في أوروبا، من وجهة نظر ملك، اكتشاف المشكلة أولًا من خلال إدراكها والاعتراف بها، أي أن السوريين في أوروبا بحاجة إلى من يمثلهم، ومعاينتها لأنه حتى الذين حصلوا على الجنسية في أوروبا يعانون من التردد والفشل غالبًا بشأن أي مبادرة من أجل سوريا.
ويجب، بحسب ما أوصى به مهند ملك، التفكير بعدة فرضيات لحل هذه المشكلة من خلال البحث عن آليات لتوحيد صف السوريين في أوروبا على اختلاف توجهاتهم خصوصًا السياسية.
كما يجب اختيار مجموعة من الأفراد “ممن لم تتلطخ أياديهم بالدماء”، وفق ما قاله ملك، “من أصحاب الخبرات، أو من أهل الفكر البحثي، أو الحقوقيين، أو الرياديين، أو أصحاب العلاقات الجيدة”، لقيادة هذه الفكرة ووضع النظام الداخلي للتجمع ومبادئه وتنظيمه لاحقًا من خلال تشكيل هيئات متخصصة مهمتها تحقيق أهداف التجمع.
في كل عمل جماعي هناك أخطاء، مهمة القائمين على هذا التجمع هي الاعتراف بوجود الأخطاء واختيار تصحيحها واستدراكها لضمان عدم تكرارها، وإيجاد أهداف مرنة يمكن تعديلها في المستقبل لتتناسب مع متغيرات الواقع، و”نحن ما زلنا في المرحلة الثالثة حاليًا لتأسيس اللوبي، وهي مرحلة الاجتماعات”.
وتركيز عمل “اللوبي السوري- الأوروبي” لن يكون فقط باتجاه البرلمانات الأوروبية فقط، إنما سيشمل حكومات الاتحاد الأوروبي، والمؤسسات غير الحكومية العاملة في أوروبا، وذلك لتكثيف العمل في جميع الاتجاهات.
المناصرة ستكون جزءًا أساسيًا من عمل “اللوبي السوري- الأوروبي”، وفق ملك، إذ من المهم أن تتضح أهمية قضايا الجالية السورية التي يسعى التجمع لحلها أمام الجهات الأوروبية، مثل الإعلام المحلي الأوروبي، والمؤثرين بالرأي العام، والمشاهير.
كسر قاعدة “السوري كفرد ناجح.. السوري مع الجماعة فاشل”
توجد جملة من التحديات تقف عائقًا أمام ولادة “اللوبي السوري- الأوروبي”، أصعبها هي القاعدة الشائعة لدى كثير من السوريين أن “السوري كفرد ناجح، السوري مع الجماعة فاشل”، وفق وجهة نظر مهند ملك.
يحاول هذا “اللوبي” جمع كل السوريين، وهنا التحدي الثاني الأبرز، وسط انقسام المجتمع السوري الحاد سياسيًا، “العديد من الأفراد لا يريدون للوبي التلون بلون واحد، اللوبي هدفه مساعدة السوري الذي لم تتلطخ يداه بالدماء، مهما كان معتقده الديني، فكره السياسي أو مستواه التعليمي. هذا تحدٍّ كبير”، وفق ما قاله ملك.
هناك مشكلة أخرى قد يواجهها “اللوبي”، وهي أن يكون مجرد تجمع على وسائل التواصل الاجتماعي، وحين يخرج من الفضاء الافتراضي يموت على أرض الواقع.
“اللوبي هو فقط أداة لتنظيم الصف وإيصال الصوت إلى غرف البرلمان”، وفق ملك، وبالتالي هناك تحدٍّ بألا يتحول إلى منظمة للعمل المدني، مهمته فقط تحسين الوضع المعيشي، أو تأمين إقامات، أو منح دراسية، لأن ذلك “ليس من صلاحيات اللوبي”.
التحدي الأخير الذي ذكره ملك هو إقناع الأوروبيين بمصداقية الفكرة، وذلك لن يتم إلا بالعمل على مواضيع تهم مصالحهم أيضًا، مثل الهجرة، والإرهاب، والاندماج، والتعليم.
استطلاع رأي
وفقًا لاستطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر “إنستجرام”، شارك فيه 333 مستخدمًا، يعتقد 182 مستخدمًا من المصوّتين أن هناك إمكانية لإنشاء تجمع سوري في أوروبا يعبر عن قضايا اللاجئين هناك ومطالبهم، بينما يمتلك 131 مستخدمًا اعتقادًا بأنه لا إمكانية لتطبيق ذلك.
التفكير بآليات الوجود الدائم
من المفترض بعد مرور عشر سنوات من وجود السوريين في أوروبا، وعلى اعتبار أن قرار العودة إلى سوريا أصبح غير وارد لدى البعض منهم هناك، يعتقد الباحث الاجتماعي السوري طلال مصطفى، في حديث إلى عنب بلدي، أن من الضروري على السوريين الانتقال من مرحلة اللجوء المؤقت إلى التفكير بالوجود الدائم بشكل حقيقي، وذلك من خلال التفكير بآليات الوجود الدائم في مجتمعاتم الجديدة.
وبحسب مشروع بحثي لمركز “عمران للدراسات”، فإن هناك عوامل تؤثر على قرار عودة اللاجئ السوري، أولها توفر “البيئة الآمنة”، الذي يعد، بحسب البحث، من أهم العوامل الحاكمة والمؤثرة في قرار العودة.
و”البيئة الآمنة في هذا السياق، تعني الوقف الفعال للأعمال القتالية، وتقييد سلطة الأجهزة الأمنية في الحياة العامة للمواطنين أو التعدي عليهم من قبل هذه الأجهزة، أو من قبل الميليشيات والفصائل العسكرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها”، وفق عيّنة الاستطلاع في المشروع البحثي لمركز “عمران”.
ومن الضروري على السوريين الأخذ بعين الاعتبار أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تختلف في بلدان اللجوء الأوروبية، وهذا يحتم عليهم التخطيط لتعزيز استقرارهم في البلدان التي يعيشون فيها بآليات منفصلة، وفق مصطفى، لأنه من الصعب إيجاد آليات موحدة، بسبب خصوصية كل دولة من ناحية قانونية.
وهناك عوامل تجعل من أي تجمع للسوريين في البلدان الأوروبية ناجحًا، أهمها، بحسب ما قاله الباحث الاجتماعي طلال مصطفى، إشراك الأفراد الذين يملكون خبرات في المجالات التي ستكون دوائر التركيز الخاصة لهذا التجمع، شرط أن تكون هذه الخبرات علمية.
ويجب أن تعمل هذه التجمعات بمقتضى القوانين الخاصة بالبلد التي ستقام فيه، كما يمنح “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية” في مادته رقم “21“، الحق في التجمع السلمي، إذ لا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق، إلا تلك التي تُفرض طبقًا للقوانين في المجتمع الديمقراطي لصيانة الأمن القومي والسلامة العامة والنظام العام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :