ما الخطوات المقبلة؟

أبعاد تقرير منظمة “حظر الكيماوي” في سياق محاسبة النظام السوري

camera iconعناصر من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية عام 2013 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمل رنتيسي

فتح التقرير الثاني لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” (OPCW)، الذي حدد النظام السوري كمنفذ للهجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة سراقب بريف إدلب، نقاشًا حول جدوى هذه الإدانة والخطوات القانونية التي يمكن المضي فيها استنادًا إلى نتائج التقرير.

وذكر فريق التحقيق، في تقريره الصادر في 12 من نيسان الحالي، أن هناك أسبابًا كافية للاعتقاد بأنه قرابة الساعة التاسعة و22 دقيقة من يوم 4 من شباط 2018، قصفت مروحية عسكرية للقوات الجوية التابعة للنظام السوري، خاضعة لقوات ما يعرف بـ”النمر”، شرقي مدينة سراقب بإسقاط أسطوانة واحدة على الأقل.

استند فريق التحقيق في تقريره إلى مقابلات مع أشخاص كانوا موجودين في الأماكن ذات الصلة وقت وقوع الهجوم، إضافة إلى تحليل العيّنات والمخلفات التي جُمعت من مواقع الحوادث، ومراجعة الأعراض التي أبلغ عنها الضحايا والطاقم الطبي، وفحص الصور، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، واستشارات مكثفة للخبراء.

وحصل “فريق تحديد هوية الجهة المنفذة” أيضًا على تحليل طبوغرافي للمنطقة المعنية وطريقة انتشار الغاز، لتأكيد الروايات من الشهود والضحايا.

التقرير الأول للمنظمة صدر في 8 من نيسان 2020، إذ حمّلت المنظمة أيضًا النظام السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيماوية على مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي.

وأوضحت المنظمة أن طائرة عسكرية من طراز “SU-22″ تابعة لـ”اللواء 50” من الفرقة الجوية “22” في قوات النظام، قصفت جنوبي اللطامنة بقنبلة “M-4000” تحتوي على غاز السارين، ما أدى إلى إصابة ما لا يقل عن 16 شخصًا.

خطوات لإدانة النظام

سعت منظمات حقوقية ومدنية وأشخاص ناجون من هجمات الكيماوي لفتح تحقيق جنائي، ومحاسبة النظام السوري على هجمات الكيماوي في سوريا، ومحاربة الإفلات من العقاب.

في 2 من آذار الماضي، قدمت مجموعة من الناجين من الهجمات الكيماوية في سوريا و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” (SCM) بدعم من “مبادرة عدالة” و”مبادرة الأرشيف السوري”، شكوى لفتح تحقيق جنائي في فرنسا حول هجمات الأسلحة الكيماوية في سوريا ومحاربة الإفلات من العقاب، حسب بيان أصدره “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.

وقال البيان، إنه تم تقديم شكوى جنائية أمام قضاة التحقيق في فرنسا متضمنة شهادات مستفيضة للعديد من الناجين من هجمات الكيماوي التي شنها النظام السوري على مدينة دوما والغوطة الشرقية في آب عام 2013.

وأضاف البيان أن المنظمات تأمل أن يؤدي التحقيق الفرنسي في هذه الجرائم إلى محاسبة كل من أمر وعمل على تنفيذ هذه الهجمات، التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص بينهم العديد من الأطفال.

الجهات الثلاث الحقوقية قدمت سابقًا ضمن مشروع “Mnemonic” لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان، شكوى جنائية إلى المدعي العام الاتحادي الألماني ضد مسؤولين سوريين، بشأن استخدام غاز السارين في عدة مدن سورية، في 7 من تشرين الأول 2020.

وهي أول خطوة قانونية لمحاسبة النظام السوري على استخدامه الأسلحة الكيماوية.

مسؤول التقاضي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، المعتصم كيلاني، قال لعنب بلدي، إن نتائج التقرير الثاني لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” تأتي مكملة للحراك الذي بدأ في ألمانيا ولن ينتهي بفرنسا.

وأضاف كيلاني أن الحراك يسعى نحو مكافحة الإفلات من العقاب، وملاحقة مرتكبي جرائم الحرب، واستخدام إحدى أدوات الضغط لمحاسبة المنتهكين التي قد تكون خطوة لاحقة لفتح تحقيق هيكلي مشترك من الأجهزة القضائية التي تقدمت الشكاوى لديها، ويكون بذلك حجر أساس لمبدأ “الولاية القضائية الجمعية” التي تتيح تشكيل محكمة واحدة من عدة أجهزة قضائية (التي تقدمت الشكوى لديها) لملاحقة المشتبه بهم.

كما ستكون هناك خطوات في دول أخرى قريبًا، حسب كيلاني، الذي أوضح أن المركز ينتظر اجتماع الجمعية العمومية لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” الذي سيُعقد في 20 من نيسان الحالي، وقد يكون هنالك مشروع أوروبي لتقديم ملف المحاسبة إلى مجلس الأمن، “رغم معرفتنا مسبقًا بالاصطدام بالفيتو الروسي- الصيني”، وفق تعبير كيلاني.

جدوى التقارير الدولية في سياق محاسبة النظام

الناشط في المجالين الحقوقي والإنساني محمد كتّوب، أوضح لعنب بلدي جدوى التقارير الدولية في سياق محاسبة النظام من قبل الأفراد أو المنظمات الحقوقية المعنية باستخدام الكيماوي.

وقال كتّوب، تختلف جدوى هذه التقارير والفائدة منها حسب المنهجية المتبعة في بناء التقرير والاستنتاجات، وحسب الجهة المصدرة لهذه التقارير ومهمتها.

وتعتبر التقارير الصادرة عن “فريق التحقيق وتحديد الهوية” التابع لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” ذات أهمية كبيرة لعدة أسباب، وفق كتّوب.

أولًا، لأنها صادرة من الجهة المخولة والمختصة بمراقبة استخدام الأسلحة الكيماوية حول العالم، وثانيًا، لأن المنهجية المتبعة في التحقيقات وبناء التقارير هي منهجية صارمة جدًا وتتبع أعلى المعايير، بحيث تستطيع أي آلية محاسبة سواء دولية أو وطنية أن تستخدمها.

كما تأتي أهمية هذا التقارير من حجم التفاصيل الموجودة فيها، إذ تحدد بوضوح مسؤولية قوات النظام السوري بشكل عام، ما يحمّل المسؤولية لأعلى سلطة فيه، وأيضًا مسؤولية المجموعة العسكرية التي نفذت الضربة، بحسب ما أوضحه كتّوب لعنب بلدي.

التقارير يمكن البناء عليها من قبل جهات الادعاء

عمليًا، يمكن استخدام التقارير في كل آليات المحاسبة الدولية والوطنية، سواء في أوروبا أو غيرها، وفق محمد كتّوب.

كما أن بإمكان أي جهة ادعاء البناء عليها للتقدم بشكوى للمحاكم في أوروبا، إذ استنارت المنظمات الثلاث التي قدمت شكاوى السارين في ألمانيا وفرنسا سابقًا بتقارير جهات التحقيق الدولية في إعداد الشكوى.

وفي هذا المثال دور كبير لمنظمات المجتمع المدني ودور أكبر للشهود وذوي الضحايا، بينما يجب أن تقوم بهذا الدور الدول المعنية في الشأن السوري وتتحمل مسؤوليتها في إنشاء آلية محاسبة بعد كل هذه التقارير والإثباتات على مدار سنوات.

توجد خمس لجان تحقيق دولية حققت في استخدام الكيماوي وأثبتت استخدام السلاح الكيماوي في سوريا بمنهجيات صارمة عشرات المرات، ووضعت كل المعلومات اللازمة أمام جميع هيئات الأمم المتحدة المعنية، وأمام مجلس الدول الأعضاء في منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، ولكن ما زلنا ننتظر تحركا حقيقيًا نحو المساءلة بعد أكثر من ثماني سنوات من استخدام متكرر للسلاح الكيماوي، حسب كتّوب.

التقارير تمنع بروباغندا النظام السوري وروسيا

أوضح كتّوب أن تقارير الإدانة من جهات التحقيق الدولية، وعلى رأسها فريق “التحقيق وتحديد الهوية”، تشكل حجر أساس في نضال ذوي الضحايا، والشهود، ومنظمات المجتمع المدني ضد جرائم الكيماوي في سوريا.

وذلك لأنها تثبت مسؤولية النظام السوري عن الجريمة، وتمنع بروباغندا النظام وشريكه الروسي من تشويه الحقائق والتاريخ، وبالتالي تشكل حجر أساس في سرد الحقائق بمواجهة البروباغندا.

كما تشكل هذه التقارير بصيص الأمل الوحيد أمام الشهود وذوي الضحايا الذين يخاطرون بحياتهم، وخاصة مع تصاعد ترهيب الشهود من قبل النظام السوري وحليفه الروسي، وأيضًا مع عجز دولي عن إنشاء آلية محاسبة دولية.

لا تخنقوا الحقيقة

أطلقت مجموعة من الناشطين السوريين حملة “لا تخنقوا الحقيقة” في ذكرى هجوم كيماوي الغوطة الكبير في 21 من آب عام 2020، ومنذ العام الماضي حتى الآن، استمرت مطالب الحملة التي تهدف إلى مناهضة إنكار مجازر الكيماوي في سوريا.

وفي حديث مع المتحدث باسم الحملة، ثائر حجازي، قال إن فعاليات الحملة تتضمن الشرح والتعريف للناس والمجتمع، وتوعيته حول المجازر التي ارتكبها النظام السوري مستخدمًا الأسلحة الكيماوية، وأيضًا التوعية وتبيان خطر الإنكار ونتائجه على الضحايا والعدالة، وتوضيح أشكال الإنكار ومحاولات طمس الحقيقة، كالعبث بالأدلة ونبش المقابر.

وأوضح حجازي أن النظام السوري وحليفته روسيا، وعلى مدى السنوات التي تلت المجازر، أنكروا عبر خطابات مندوبي النظام في مجلس الأمن الدولي، وكذلك عبر وسائل إعلام النظام السوري الرسمية، التي اعتبرت الهجمات “اتهامات مفبركة”.

وشرح أن الفكرة الأساسية هي “تعرية رواية النظام السوري وروسيا، إذ لطالما كذّبوا الأحداث التي حصلت، واتهموا المعارضة السورية، وكذلك المنظمات الدولية التي أدانت المجازر بأنها (منحازة للغرب)”.

النظام السوري ما زال يُنكر

ردت وزارة الخارجية والمغتربين في حكومة النظام السوري على التقرير الأخير لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية”، وقالت عبر بيان، إن “التقرير تضمن استنتاجات مزيفة ومفبركة تُمثل فضيحة أخرى لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية وفرق التحقيق فيها، تضاف إلى فضيحة تقريري بعثة تقصي الحقائق المزورَين، حول حادثة دوما واللطامنة”.

وأضاف البيان أن الخارجية ترفض ما جاء في تقرير المنظمة، وتنفي “نفيًا قاطعًا” أن يكون النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية في سراقب أو في أي مدينة سورية أخرى.

من جهته، اتهم وزير الخارجية والمغتربين السوري، فيصل المقداد، منظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” بعدم الحيادية والمهنية، بسبب إصدارها تقريرها الثاني قبل أيام من جلستها المقبلة كنوع من الضغط على الدول الأعضاء لدعم المشروع الفرنسي الذي سيقدم في الجلسة.

وقال المقداد في مقابلة له، في 14 من نيسان الحالي، مع قناة “الإخبارية السورية”، إن “الكذبة الكبرى هي أن هذه الحادثة حصلت منذ فترة طويلة، فلماذا لم يأتِ تقرير منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية إلا قبل خمسة أيام من مؤتمرها المقبل”.

واعتبر المقداد أن “فرنسا تقود الآن معسكر العداء ضد سوريا، بطريقة جنونية ومبنية على الأكاذيب والتضليل”، وأن “منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية تعمدت إصدار تقريرها في هذا التوقيت للمضي فيما يسمى (محاسبة سوريا)”، بحسب تعبيره.

استهدافات الكيماوي منذ عام 2012

سجل تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تشرين الثاني من عام 2020، 222 هجومًا كيماويًا في سوريا منذ أول استخدام موثق في قاعدة بيانات “الشبكة” لاستخدام السلاح الكيماوي في كانون الأول 2012 حتى 30 من تشرين الثاني عام 2020.

217 هجومًا من إجمالي الهجمات الكيماوية نفذتها قوات النظام السوري، وتسببت بمقتل أكثر من 1510 أشخاص، يتوزعون إلى 1409 مدنيين، بينهم 205 أطفال و260 سيدة (أنثى بالغة) و94 من مقاتلي المعارضة المسلحة، وسبعة أسرى من قوات النظام السوري كانوا في سجون المعارضة المسلحة.

وكانت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا”، التي أُنشئت من قبل مجلس حقوق الإنسان في 22 من آب عام 2011، ذكرت في البند “رقم 128” من تقريرها السابع الصادر في 2014 أنه “توفرت للجنة إمكانية الوصول إلى مخزون الأسلحة الكيماوية التابع للجيش السوري”، في إشارة إلى الهجوم الكيماوي الذي وقع في بعض مدن وبلدات ريف دمشق بتاريخ 21 من آب 2013.

وفي 27 من أيلول عام 2013، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار “رقم 2118” المؤيد لـقرار المجلس التنفيذي لمنظمة “حظر الأسلحة الكيماوية” المتضمن إجراءات خاصة للتعجيل بتفكيك برنامج الأسلحة الكيماوية السورية وإخضاعه لتحقيق صارم.

وكان القرار “رقم 2118” ذكر في بنده الـ21 أن تدابير ستفرض بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم امتثال النظام السوري لهذا القرار، بالإضافة إلى طلبه في المادة الرابعة بألا يقوم النظام في سوريا باستخدام أسلحة كيماوية أو استحداثها أو إنتاجها أو حيازتها بأي طريقة أخرى أو تخزينها أو الاحتفاظ بها.

وفي المادة الخامسة من القرار، أُلزم أطراف النزاع في سوريا بعدم استخدام الأسلحة الكيماوية، أما المادة “رقم 15” من القرار، فتضمنت ضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.

وأدان مجلس الأمن بموجب القرار “رقم 2209” في عام 2015، استخدام أي مواد كيماوية سامة، مثل الكلور، كسلاح، وأكد ضرورة محاسبة الأفراد المسؤولين، وهدد مرة أخرى بفرض تدابير بموجب الفصل السابع في حالة زيادة استخدام المواد الكيماوية كأسلحة، وصوّت لمصلحة ذلك القرار 14 عضوًا في مجلس الأمن، بما في ذلك روسيا حليفة النظام السوري، وامتنعت حينها فنزويلا عن التصويت.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة