الحياة السياسية شرق الفرات محكومة بمشروع “مسد”
عنب بلدي – الرقة
باسم مستعار على منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ينتقد ناشط بعض التجاوزات التي تحدث في مدينته الرقة بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عليها أواخر العام 2017.
أحد ناشطي الحراك الثوري في مدينة الرقة، الذي تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، قال لعنب بلدي، إنه اضطر للتخلي عن النشاط السياسي منذ أن سيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” على المدينة عام 2014، ولكن ذاك النشاط لم يحظَ بالقبول أيضًا بعد وصول “قسد”.
ورغم التعدد الحزبي الموجود في منطقة شمال شرقي سوريا، فإن سياسة الحزب الواحد والزعيم الأوحد بقيت واضحة، مع استمرار اتهام “الإدارة الذاتية” بتهميش العرب ومحاولة استرضاء الغرب مع التضييق على الرأي الآخر.
التعددية الحزبية والصوت الواحد
مع توسع الثورة السورية، وجدت الأحزاب الكردية الفرصة للتقدم خارج سيطرة حزب “البعث” الحاكم، فكان تأسيس “المجلس الوطني الكردي”، في تشرين الأول من عام 2011، الذي ضم أغلبية الأحزاب الكردية السورية، داعيًا حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD)، الذي يعتبر الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”، والذي أسس “وحدات حماية الشعب” (الكردية)، التي تمددت في المناطق التي تضم النسب الكبرى للكرد في شمالي سوريا
حزب “الاتحاد الديمقراطي” كان على خلاف مع “المجلس الوطني الكردي”، الذي سعى لعلاقات مع المعارضة السورية ولعلاقات حسن الجوار مع تركيا، التي كانت تحارب “الوحدات” باعتبارها “إرهابية” مثل حزب “العمال”، ولذا فقد أغلق الحزب مكاتب المجلس عند إحكام سيطرته على المنطقة وبادله العداء.
في 21 من كانون الثاني عام 2014، أُسست “الإدارة الذاتية في إقليم الجزيرة”، بعد تقدم تنظيم “الدولة الإسلامية” في المنطقة، وفي 10 من تشرين الأول عام 2015 أُسست “قسد”، من تحالف فصائل كردية ومسيحية وسريانية وعربية، شكّلت “وحدات حماية الشعب” (الكردية) عمودها الفقري، وأعلن في الوقت ذاته عن تأسيس فرعها السياسي المسمى “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد).
“قسد” دُعمت دوليًا في حربها ضد تنظيم “الدولة”، وتمكنت من السيطرة على أغلبية منطقة شمال شرقي سوريا، قبل أن تبدأ بالنشاط المدني ضمن حملات الإغاثة والتوعية بمخاطر الألغام التي بقيت من المعارك.
توحدت الإدارات الذاتية والمدنية في شمال شرقي سوريا، في 6 من أيلول عام 2018، تحت اسم “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا”.
تدريجيًا، تحولت الرقة إلى عاصمة لـ”الإدارة الذاتية” لشمالي وشرقي سوريا، واحتوت على المؤسسات الرئيسة في هيكلية “الإدارة” إلى جانب وجود “مسد” فيها، مع إقامتها أنشطة وفعاليات أعلنت هدفها مشاركة كل فئات المجتمع وأعراقه وطوائفه في حكم المنطقة، لكنها لم تدعُ “المجلس الوطني الكردي” للحوار إلا بعد عملية “نبع السلام” التركية التي تقدمت في مناطق شمال شرقي سوريا في تشرين الأول من عام 2019.
كما قالت إلهام أحمد، رئيسة الهيئة التنفيذية لـ”مسد”، في لقاء مع قناة “روناهي”، في 3 من كانون الثاني الماضي، إن هدف “الإدارة الذاتية”، خلال العام الحالي، يتمثل في إقامة مشروع مشترك مع المعارضة السورية وجميع أطراف الحل.
من جهته، قال الناشط الثوري إن الحياة السياسية والديمقراطية التي تتحدث “مسد” عن إيجادها في مناطق سيطرتها، تدور فقط في فلك مشروعها السياسي، ولا يظهر أي نشاط أو حزب خارج هذا الإطار.
وتحوي مناطق شمالي وشرقي سوريا عدة أحزاب، مثل حزب “سوريا المستقبل”، الذي وصفته بعض وسائل الإعلام بمحاولة “تعريب” النشاط السياسي والعسكري لحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) الذي يقف وراء “الإدارة الذاتية”، ويُتهم بالانفصالية، والإيحاء بأن هدفه المشاركة بحل “الأزمة السورية”، وبشكل خاص بعد العمليات العسكرية التركية ضده.
كما يوجد حزب “التحالف الوطني الديمقراطي” والحزب “اليساري الكردي”، وأحزاب وتنظيمات أخرى كلها تتبع لـ”مسد”، الذي يعتبر نفسه المظلة السياسية الوحيدة في مناطق “الإدارة الذاتية”.
العرب بلا تمثيل؟
أحد الحقوقيين من مدينة الرقة، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إنه كان قد تلقى دعوة لحضور إحدى الجلسات التي نظمها “مسد” في مناطق شمال شرقي سوريا خلال “المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات”، في تشرين الثاني من عام 2020، داعيًا النخب السياسية والثقافية والعشائرية إلى الحوار.
الحقوقي أشار إلى عدة مداخلات في الجلسة تحدثت صراحة عن التمييز الممارَس بحق العرب، وأن وجودهم بات شكليًا في المؤسسات، وأن أصحاب القرار هم إما قياديون أكراد أو أشخاص مرتبطون بهم بشكل مباشر.
حتى في المناطق التي يمثل العرب فيها الأغلبية، مثل الرقة ودير الزور ومنبج والطبقة، فإن “التمييز” ممارَس بحقهم. وأرجع الحقوقي ذلك إلى غياب أيديولوجية سياسية موحدة واضحة للعرب، بسبب انقسامهم بين تأييد أطراف الحرب السورية من النظام والمعارضة وتنظيم “الدولة” والوجود الإيراني و”قسد”، حسب رأيه.
وقال الحقوقي، إن غياب تلك الأيديولوجية أسهم أيضًا بغياب المرجعية السياسية، و”هو ما عانت منه كل المناطق السورية، لكنّ لشرق الفرات وضعًا خاصًا بسبب كثرة المشاريع والمخططات التي تمارَس ضد العرب”.
وتتميز مناطق شمال شرقي سوريا (الرقة والحسكة ودير الزور) بتركيبة عشائرية استخدمتها “أغلبية” الفصائل والجهات التي سيطرت على المنطقة كورقة رابحة في تمرير مشاريعها، على حد قول ناشطين من الرقة لعنب بلدي.
مسيرات “غير عفوية” وشعارات
حظيت “الإدارة الذاتية” بدعم غربي منذ إنشائها، مع مواجهتها تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي عُرف بوحشيته وتهديده للدول الغربية، وهو ما سعت للاستفادة منه في تثبيت مشروعها في المنطقة، محاولة نفي الاتهامات التي طالتها بالتعامل مع العرب وتجنيد الأطفال و”الإرهاب”، وغيرها من التهم.
وتتألف الهيكلية التنظيمية لـ”الإدارة” من “المجلس العام” و”المجلس التنفيذي” الذي يعتبر بمثابة حكومة خدمية، ويشرف على عمل كل مؤسسة “كادر”، وهو قيادي كردي من أعضاء حزب “الاتحاد الديمقراطي” أو حزب “العمال الكردستاني”، ويكون سوري الأصل.
اضطر أحد موظفي “مجلس الرقة المدني”، الذي تحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات أمنية، للتخلي عن وظيفته بعد أن رأى نفسه وبقية الموظفين “جسرًا لعبور أفكار غريبة عن المجتمع السوري”، على حد وصفه.
الموظف السابق أكد لعنب بلدي أنه وخلال عمله في المؤسسات تصادم “كثيرًا” مع ذاته، خصوصًا من خلال الشعارات التي كانت تُرفع في المسيرات والمظاهرات التي تنظمها “قسد” في الرقة على غرار ما تقوم به مؤسسات الدولة السورية من إجبار للموظفين على المشاركة بفعاليات تحددها.
و”الكادر”، بحسب الموظف السابق، هو المسؤول عن جمع الموظفين وتوجيههم للمشاركة بالمسيرات وتلقينهم الشعارات التي غالبًا ما تتحدث عن العداء لتركيا و”تحرير المرأة” من “التسلط الذكوري”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :