علي درويش | نور الدين رمضان | حسام المحمود
تكرر صدى تشكيل “مجلس عسكري” يقود مرحلة انتقالية دون وجود لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في السلطة، مقابل ضم المجلس شخصيات عسكرية من النظام والمعارضة.
ولم تصدر أي تصريحات رسمية من النظام أو “الجيش الوطني السوري”، بينما لاقت الفكرة قبولًا لدى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
طرح تشكيل “المجلس العسكري” لم يكن جديدًا على السوريين، كما لم يكن الاسم المرشح لتزعمه كذلك، فاسم العميد المنشق عن جيش النظام في تموز 2012، مناف طلاس، الذي عُرف بقربه السابق من الحلقة الضيقة في حكم سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، كان مرتبطًا مع فكرة المجلس.
وتتباين آراء السوريين حول شخصية مناف طلاس، فهو ابن وزير الدفاع في حكومة النظام لمدة 32 عامًا (بين عامي 1972 و2004).
اقترن اسم مصطفى طلاس في أذهان السوريين بعد نكسة حزيران 1967، مع اسم الرئيس السابق للنظام، حافظ الأسد، بتعيينه حينها نائبًا للأسد، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع، وتسلّم زمام حكم سوريا بانقلاب 1970 على أمين الحافظ، فيما سمي من قبل حزب “البعث” لاحقًا بـ”الحركة التصحيحية”.
ويرى الدبلوماسي السابق والباحث غير المقيم في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” داني البعاج، أن الذهاب نحو خيار “المجلس العسكري”، “يعني فعليًا أن المعارضات السياسية لم يعد لديها دور حقيقي”.
كما يعني، حسب حديث الدبلوماسي داني البعاج إلى عنب بلدي، أن يخرج السياسيون من اللعبة وأن يصبح دورهم ثانويًا، أما تصدّر العسكريين فله علاقة بضبط الأمن وإعادة توحيد الفصائل والقوة المسلحة وربطها بمحاربة “الإرهاب” كعنوان أساسي.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف تعريف “المجلس العسكري”، وكيف بدأت فكرته، وواقعية ومعوقات تشكيله، وأسباب التركيز على أسماء شخصيات محددة لقيادته.
ما “المجلس العسكري” وكيف بدأت فكرته؟
أثارت صحيفة “الشرق الأوسط” مطلع العام الحالي، وتحديدًا في 10 من كانون الثاني الماضي، ضجة إعلامية، بتناولها عدم ارتياح موسكو لإيقاع دمشق، إزاء مسار العملية الدستورية في جنيف (أعمال اللجنة الدستورية السورية)، وأنها تنتظر بلورة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، سياسة الولايات المتحدة في سوريا والعلاقة الأوسع بين أمريكا وروسيا.
وتلقت موسكو مجددًا عروضًا من معارضين سوريين، حسب “الشرق الأوسط“، تدعو إلى تشكيل “مجلس عسكري” مشترك بين جيش النظام وفصائل مسلحة ومنشقين، بخيارات عدة.
العرض الأول للمجلس جاء خطيًا من معارضين من منصتي “موسكو” و”القاهرة”، تضمن اقتراح تشكيل “مجلس عسكري” خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها، بهدف تنفيذ قرار الأمم المتحدة حول سوريا “2254”، وجاء في الوثيقة التي قالت الصحيفة إنها حصلت على نسخة منها، أن المجلس يتشكل من ثلاثة أطراف، هي:
أولًا- متقاعدون خدموا في حقبة الرئيس السابق للنظام، حافظ الأسد، ممن كان لهم وزن عسكري واجتماعي مرموق.
ثانيًا- ضباط ما زالوا في الخدمة.
ثالثاً- ضباط منشقون لم يتورطوا في “الصراع” المسلح، ولم يكن لهم دور في تشكيل الجماعات المسلحة.
ويهدف المجلس إلى تنفيذ القرار “2254” عبر عشر خطوات، من بينها “إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة تأهيلها وتمكينها من القضاء على الإرهاب، وتفكيك الجماعات المسلحة كافة، وجمع السلاح، واستعادة سيادة الدولة على أراضيها كافة”.
إضافة إلى تسمية حكومة “مؤقتة” تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية التي ينص عليها دستور 2012، والدعوة إلى مؤتمر وطني داخل البلاد تنتج عنه جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد، وإطلاق سراح المعتقلين، وإعادة اللاجئين، وإجراء الاتصالات الدولية بالتعاون مع رئيس الحكومة لحشد الدعم من أجل إعادة الإعمار.
ومن المهمات المقترحة للمجلس والواردة في الوثيقة، إخراج القوى الأجنبية من البلاد، باستثناء القوات الروسية التي تعمل على مساعدة “المجلس العسكري” والحكومة “المؤقتة” في تأمين الاستقرار، وتنفيذ القرار “2254”، وتشكيل “هيئة مصالحة”، و”حماية عملية الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية”.
أما بالنسبة إلى “المرجعية القانونية”، فاقترحت الوثيقة خيارين، الأول بقاء دستور 2012 ساريًا خلال المرحلة الانتقالية على أن تحال صلاحيات “رئيس الجمهورية” كافة المنصوص عليها في الدستور إلى “المجلس العسكري”.
والثاني إعلان دستوري مؤقت مستوحى من تفاهمات “فيينا” عام 2015، وتضمن المناقشات مع الجانب الروسي أن يصدر رئيس النظام، بشار الأسد، بعد انتخابات الرئاسة المقبلة، مرسومًا لتشكيل هذا المجلس وصلاحياته.
لماذا يُعاد طرح فكرة “المجلس”.. احتمالية ضعيفة لتشكيله
رجح الباحث السياسي ومدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، أن يكون الانغلاق السياسي في القضية السورية، هو أحد أسباب إعادة طرح المبادرات غير الناضجة وغير المكتملة.
مثلًا، مع وصول اللجنة الدستورية السورية اليوم إلى طريق مسدود في الجولة الخامسة والعودة من جنيف “بخفي حنين”، فـ”نظام الأسد غير جاهز وغير مستعد لتقديم أي شيء”، والأطراف المختلفة، وربما من خلفها إرادة الدول، تعيد إعلاميًا وسياسيًا طرح مبادرات متفرقة، وكثير منها غير مكتمل كما هي الحال في قضية “المجلس العسكري”، حسب حديث سرميني إلى عنب بلدي.
وكانت الجولة الخامسة من أعمال اللجنة الدستورية انتهت، في 29 من كانون الثاني الماضي، دون صياغة المبادئ الأساسية للهدف الذي أُنشئت من أجله اللجنة، وهو تحديد آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق القرار “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.
وعزا بيدرسون ذلك إلى غياب فهم واضح بشأن كيفية التقدم في أعمال اللجنة المكونة من ثلاثة وفود (النظام والمعارضة والمجتمع المدني)، مع استمرار عملها كما في الجولات السابقة.
وأضاف سرميني أن “المجلس العسكري” هو “جزء من الحل السياسي في سوريا”، الذي يتخذ من القرار الأممي “2254” مرجعية له، مشيرًا إلى أن الحل السياسي بمجمله كالعملية السياسية في أولى خطواتها، لم تُتح لها فرصة للنضوج أو النجاح حتى اليوم.
وبحسب قول سرميني، فإن “المجلس العسكري” أو هيئة الحكم أو الدستور الجديد أو الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، هي أجزاء من حل لم يجرِ التوصل إليه بين الدول بعد.
بينما لا يزال قيد المفاوضات من الأطراف الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بشكل رئيس، كما أن الدول بقيت تشغل المشهد السوري بالمزيد من الجلسات والمبادرات والمفاوضات دون أن يكون لها أي إنتاج، ودون تحقق أي تغيير.
لكن العميد عبد الله الأسعد، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن “المجلس العسكري” هو بداية لحل كامل للقضية السورية، التي “ستخرج منها إيران خاسرة بعد تشكيل المجلس”، فهي تسعى لترسيخ نفوذ الفصائل الموالية لها في دير الزور ومناطق أخرى شمال شرقي سوريا، عبر تجهيز البنية التحتية وبناء المعسكرات بغرض السيطرة على المنطقة بالكامل.
معوقات في وجه “المجلس العسكري”
أظهر استطلاع رأي أجرته عنب بلدي حول اعتقاد السوريين بواقعية فكرة “المجلس العسكري” وقابلية تطبيقها في سوريا، تصويت 37.5% بـ”نعم” مقابل %62.5 بـ”لا”.
الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، قال إن فكرة “المجلس العسكري” واللقاءات المستمرة بين الممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، مع الرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، معاذ الخطيب، ولقاء بعض شخصيات المعارضة بوزير الخارجية الروسي في موسكو هي جهود ثانوية تقوم بها روسيا لإبقاء بعض خطوط التواصل مع صفوف معيّنة من المعارضة.
لكن بقياس أطروحات “المجلس العسكري” أو غيره على المعادلات العسكرية والواقع السياسي المثبت على الأرض اليوم، نجد أن “هذه الأطروحات لا تنسجم مع هذا الأمر، إذ توجد في سوريا مناطق نفوذ يرعاها وكلاء دوليون وحلفاء محليون متباينون”، حسب حديث الباحث معن طلاع إلى عنب بلدي.
ويوجد على الأراضي السورية 477 موقعًا عسكريًا لقوى خارجية، وهو أكبر وجود لقوى أجنبية في تاريخ سوريا الحديث، بينها 247 موقعًا لإيران و”حزب الله” اللبناني، و114 موقعًا لتركيا، و83 موقعًا لروسيا، و33 موقعًا للتحالف الدولي، حسبما وثق مركز “جسور للدراسات” في كانون الثاني الماضي.
كما أن الروس يتبنون السردية الكاملة للنظام باتجاه الأحداث والحلول، كما أنهم غير مستعدين عمليًا لإجراء أي تغيير لهذا النظام، وهم يدعمون عملية الانتخابات ويحاولون شرعنتها، وما يمكن القيام به من قبل الروس “لا يتعدى سوى بضعة إجراءات لا تعدو كونها مناورات قد يكون عنوانها إجراءات ديكورية هنا وهناك”، حسب معن طلاع.
ومن أهم مقومات “المجلس العسكري”، حسب محمد سرميني، أن يكون “محل توافق إقليمي ودولي، ولا بد أن يكون قادرًا تقنيًا ولوجستيًا على تنفيذ مهامه”، لتحقيق الحل السياسي في سوريا المستقبل، وهذه القدرة لا يمكن أن تكون إلا من خلال “التمكين الدولي لمجلس متجانس مدرك لأهدافه ومتوافق على سبل وأدوات تحقيقها”.
ويرى سرميني أن أهم المعوقات أمام تشكيل “المجلس العسكري”، عدم وصول الأطراف الدولية إلى تفاهم نهائي حيال القضية السورية، وبذلك فلا يوجد دعم دولي من جميع الأطراف لتشكيل المجلس وتمكينه، والمشكلة الجوهرية بعد التوافق الدولي هي أن “نظام الأسد بتركيبته الأمنية والعسكرية، غير قابل لأن يكون شريكًا أو أن يقبل الشريك”.
مستقبل الفصائل العسكرية
مع التفكير في فرضية نجاح تشكيل “المجلس العسكري”، لا بد من الحديث عن مستقبل هذا التشكيل، ومصير الفصائل العسكرية على مختلف أرجاء الساحة السورية.
وعندما تتوافق الدول المعنية على الحل النهائي في سوريا، فإن هناك ضرورة لتشكيل الجهة العسكرية المشتركة (يشارك فيها الجميع بشكل غير طائفي كما في 2254)، لإعادة رسم ملامح المؤسسات العسكرية والأمنية في سوريا، ثم إعادة تشكيلها وقيادتها على أساس الحل الذي جرى التوافق عليه.
وتتقاسم عدة قوى عسكرية السيطرة في سوريا، إضافة إلى القوى العسكرية الأجنبية، إذ يسيطر النظام على معظم الأراضي، تليه “قسد” صاحبة النفوذ في محافظتي الرقة والحسكة وجزء من محافظة دير الزور شمال شرقي سوريا، ثم “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في ريف حلب ومدينتي رأس العين شمال غربي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة.
كما تتوزع السيطرة العسكرية في محافظة إدلب بين “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقًا قبل اندماجها مع فصائل أخرى في 2017)، و”الجبهة الوطنية للتحرير” المنضوية ضمن “الجيش الوطني”.
وإذا كانت الفصائل العسكرية تحظى بقدرة على حلّ نفسها والاتحاد في تشكيلات عسكرية جامعة، أو العودة بأسماء جديدة طمعًا بقبول سياسي أو اجتماعي، أو هربًا من عقوبات أو تصنيفات على لوائح “الإرهاب”، فعادة ما تكون هذه الفصائل غير مرتبطة بكيانات سياسية تمثل لها جناحًا عسكريًا.
وتصنف “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ الأكبر في إدلب على لوائح “الإرهاب” من قبل مجلس الأمن الدولي، كما تصنف تركيا “قسد” على لوائح “الإرهاب”.
وشنت تركيا مع فصائل المعارضة المدعومة من قبلها ثلاث عمليات عسكرية في سوريا ضد “قسد” لإبعادها عن الحدود، هي “درع الفرات” شمالي حلب في 2016 لكن لم يحدث صدام مباشر، و”غصن الزيتون” في منطقة عفرين شمال غربي حلب في آذار 2018، و”نبع السلام” شرق الفرات في تشرين الأول 2019.
وتعتبر تركيا “وحدات حماية الشعب” (الكردية) التي تشكل عماد “قسد” امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” المصنف على لوائح “الإرهاب” في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وعدد من الدول العربية.
وقال العميد المنشق عبد الله الأسعد، في حديثه إلى عنب بلدي، إن “المجلس العسكري” دُعي لتأييده من قبل الضباط المنشقين الموجودين على الأرض، وتجميع القوة والإرادة لدى هؤلاء الأشخاص، ليكون لهم تأثير على الفصائل الموجودة في المناطق “المحررة”، في سبيل سحب الفصائل العسكرية من أجنداتها ودفعها باتجاه الانخراط في “المجلس”.
واستبعد الأسعد أن يمارس “المجلس العسكري” عند تأسيسه دورًا فاعلًا في بداية الأمر، إذ سيواجه كثيرًا من العقبات فور تشكيله، ومن أبرزها مواجهة بقايا قوات النظام، و”هم مقاتلون يتقاسمون الولاء لأكثر من جهة على أسس سياسية أو طائفية”.
لكن المجلس يمكنه “ممارسة سلطة وصلاحيات ونفوذ أكبر” في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، باعتبار أن الفصائل المقاتلة إلى جانب النظام السوري هي فصائل “ذات تركيبة معقدة، وتؤمن بزوالها وانحسار دورها مع زوال النظام الذي تدافع عنه، وتحارب من أجله”.
ومن الناحية القانونية، من المفترض أن يكون المجلس أداة تنفيذية بيد هيئة الحكم الانتقالي، وفي حال استبد بالسلطة وسعى للسيطرة على مفاصل الدولة، فهذا يعني العودة إلى حكم العسكر الموجود أصلًا.
وعلى المجلس، بحسب الأسعد، أن يعي دوره ووظيفته، إذ سيشكل نواة لـ”جيش وطني سوري” لكل السوريين، وبناء على ذلك، لا بد من إعادة هيكلة وقلب كل الأسس التنظيمية التي بُني عليها جيش النظام.
ويرى العميد عبد الله الأسعد أن هناك حالة ترحيب بفكرة تشكيل “المجلس العسكري” من قبل بعض الأطراف السورية، باعتبار أن كل الفصائل المقاتلة والهيئات السياسية تتطلع لرحيل الأسد عن سدّة الحكم.
وشدد في الوقت نفسه على المصاعب أو الاصطدامات التي قد تواجه هذا الكيان العسكري المرتقب، الذي سيمتلك قدرة تنفيذية على القوات العسكرية الموجودة، بما فيها من أفرع أمنية وأجهزة مخابرات وفرق وألوية عسكرية.
ولن يتعارض “المجلس العسكري” مع “الجيش الوطني” الموجود أصلًا في الشمال السوري، إذ سيكون دور المجلس موسعًا بمجرد وصوله إلى الداخل السوري، بهدف استقطاب كل القوى العسكرية، ما يعني تحوله إلى جيش وطني جامع يحظى بترحيب جميع الأطياف السياسية والدولية أيضًا، حسب الأسعد.
ولن تكون إدارة المرحلة منوطة فقط بـ”المجلس العسكري” فهو جزء من هيئة الحكم الانتقالي، وسيكون “منشغلًا بطرد الميليشيات التي استجلبها النظام لمساندة قواته، بالإضافة إلى ما يسميه النظام بـالقوات الرديفة”، كقوات “الدفاع الوطني” التي شُكّلت إثر عجز قوات النظام عن صد تقدم فصائل المعارضة.
وجه يقترن مع تكرار طرح فكرة “المجلس العسكري”
لا بد لـ”المجلس العسكري” أن يحوي تقنيًا مختلف الاختصاصات الأمنية والعسكرية، وأن يراعي سياسيًا التوازنات المختلفة التي تراعيها الدول المعنية بالشأن السوري، وبشكل ثانوي، فإن أي تشكيل مدني أو عسكري عادة ما يراعى فيه عند تشكيله التمثيل المناطقي وتمثيل مختلف المكونات المجتمعية، حسب محمد سرميني.
وإن أُريد لـ”المجلس العسكري” النجاح عند تشكليه، “فلا بد من الاعتماد في شخصياته على الأشخاص الفاعلين القادرين على العمل معًا، والذين يملكون الإرادة للانتقال بالمؤسسة الأمنية والعسكرية ولسوريا بشكل عام إلى الأفضل”.
لكن ما إن طُرحت فكرة “المجلس العسكري” حتى تصدر اسم مناف طلاس لقيادته، علمًأ أنه لم يشغل بعد انشقاقه أي منصب في المعارضة، لكن اسمه تكرر خلال السنوات العشر الماضية مع ذكر حلول للملف السوري، خاصة فيما يتعلق بالحل العسكري وتشكيل “مجلس عسكري” من الطرفين.
وبحسب حديث الدبلوماسي السابق داني البعاج، لا تتوفر شخصيات عسكرية ترأس مثل هذا المجلس أهم من مناف طلاس ضمن هذه التركيبة، “كونه يحتاج إلى شخصية تمامًا في الوسط”.
وأوضح داني البعاج أن الأمر مرتبط بفكرة “المجلس العسكري” أكثر منه بشخص مناف طلاس، لكن الفكرة تحتاج إليه بالتحديد، وهو “لن يلعب أي دور عسكري أو سياسي ما لم تكن فكرة المجلس العسكري على الطاولة والعكس بالعكس”.
“أي أن المجلس العسكري الذي سيكون مناصفة بين قوات النظام والمعارضة، يحتاج إلى شخصية تستطيع أن تلعب هذا الدور الوسطي بين الطرفين ومقبولة منهما، وهذه الشخصيات قليلة، إذا لا توجد لدى المعارضة شخصية يمكن أن تلعب هذا الدور والأمر نفسه عند النظام، والقصد هنا من يقبل العسكر بوجودهم، أي لا نتكلم عنهم كجهة السياسية”، حسب البعاج.
وبالتالي شخصية قريبة من الطرفين مثل مناف طلاس، يمكن أن تلعب هذا الدور، بمعنى أنها كانت قريبة من النظام وهي من صلبه، كما لا تزال علاقات مناف داخل النظام قوية وهو “الكرت الأهم بيده”، بحسب قول البعاج، وكذلك له علاقات قوية مع فصائل المعارضة العسكرية، و”من الممكن جدًا إذا أُريد للمجلس العسكري أن ينجح، تسمية مناف طلاس رئيسًا له”.
فكرته الأولى فشلت باغتيال “خلية الأزمة”
وقال داني البعاج، إن فكرة “المجلس العسكري” ليست جديدة، وطُرحت في بداية الثورة، وفق السيناريو المصري، “بأن يجري الجيش تحركًا وانقلابًا معيّنًا ويضبط الأمور، ويزيح رئيس النظام، بشار الأسد، ويرعى انتقالًا سلميًا للسلطة مع ديمقراطية محدودة”.
وهذا التفكير كان موجودًا وكانت “خلية الأزمة” مرشحة له، بحسب البعاج، لكن اغتيال أعضائها أطاح بهذا الخيار، و”مناف طلاس هرب لأنه كان جزءًا من هذه التركيبة”.
وفي 18 من تموز 2012، استهدف تفجير اجتماعًا لـ”خلية إدارة الأزمة” في مبنى الأمن القومي بالعاصمة دمشق، وقُتل إثره وزير الدفاع حينها، العماد داوود راجحة، ونائبه آصف شوكت صهر الأسد، إلى جانب حسن توركماني، رئيس الخلية، ورئيس مكتب الأمن القومي، هشام اختيار.
كما أُصيب وزير الداخلية، محمد الشعار، وتضاربت الأنباء حول مصير شخصيات أخرى كانت مشاركة في الاجتماع، الذي ضم أعضاء الخلية المُشكّلة لقمع الثورة في ذلك الوقت.
وبعد الإعلان عن نتائج العملية، عيّن الأسد العماد فهد جاسم الفريج وزيرًا للدفاع، وكان حينها رئيس هيئة الأركان، كما حلّ رئيس إدارة “أمن الدولة”، علي مملوك، مكان اختيار، وعُيّن عبد الفتاح قدسية نائبًا له، بينما خلف مملوك في رئاسة “أمن الدولة”، اللواء محمد ديب زيتون.
ووصف سياسيون ما جرى في التفجير بأنه “تصفيات مدروسة”، وسياسة متّبعة من عائلة الأسد، التي بدأها حافظ بتصفيات طالت عددًا من المقربين له، وأبرزهم أمين الحافظ وصلاح جديد، وصولًا إلى اغتيالات جرت خارج حدود سوريا.
وحتى الوقت الراهن، يلف الغموض تفاصيل التفجير في ساحة الروضة بدمشق عام 2012، الذي تبنته فصائل من “الجيش الحر”، بينما اعتبره النظام اختراقًا أمنيًا، واتهمه آخرون بتنفيذه، كما وُجهت اتهامات لإيران.
وتعرقلت لاحقًا الأمور، وأُعيد طرح فكرة “المجلس العسكري” بعد نحو سنتين، وكان مناف من الأسماء التي قبل النظام والمعارضة التعامل معها.
وكان الطرح حينها من مبدأ أن “السياسيين لا يستطيعون ضبط الأمن على الأرض بسبب الفلتان الأمني وانتشار السلاح”، لكنه تعطل بعد أن تبين “عدم وجود قيادة سياسية في (الائتلاف) تستطيع أن تلعب دورًا حقيقيًا على الأرض”، حسب البعاج، إضافة إلى ظهور تنظيم “الدولة الإسلامية” وازدياد قوته على الأرض خاصة خلال عامي 2014 و2015.
لكن فكرة المجلس تراجعت بعد مسار “أستانة” في 2017 بضمانة روسيا وإيران وتركيا، ودخول الأتراك على الخط ليديروا بعض العمليات العسكرية، وإنشاء التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة”، وظهور “قسد” المدعومة أمريكيًا في شمالي وشرقي سوريا.
ومع انسداد أفق الحل السياسي اليوم، عادت فكرة “المجلس العسكري” ومناف طلاس إلى الواجهة.
خط زمني يحمل مواقف من “المجلس العسكري”
مرت فكرة “المجلس العسكري” منذ إعادة الحديث عنها، مطلع شباط الماضي، بمواقف تؤيد الفكرة وأخرى تستبعدها وتنفيها، ملخصها كالآتي:
· 7 من شباط 2021.. مقالة متزامنة تتقاطع مع الفكرة
نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية مقالًا للصحفي السوري المعارض ياسر بدوي، يدعو أيضًا إلى تشكيل مجلس عسكري “بالتوافق بين الأطراف الفاعلة في سوريا، وعلى رأسها روسيا”.
وجاء في المقال، أن “هناك العديد من البيانات من ممثلي العشائر والناشطين والسياسيين العرب، الذين يدعون إلى ترؤس هذه الهيكلية من اللواء مناف طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، اللواء مصطفى طلاس”.
· 10 من شباط 2021.. منصتا “القاهرة” و”موسكو” تنفيان
منصتا “موسكو” و”القاهرة” المعارضتان نفتا علاقتمها بتقديم أي وثيقة لروسيا تتضمن طلبًا بتشكيل “مجلس عسكري” سوري مشترك بين النظام والمعارضة في مرحلة انتقالية.
وقال عضو منصة “القاهرة” فراس الخالدي، في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن “الوثيقة غير صحيحة وملفقة”.
أيضًا رئيس منصة “موسكو”، قدري جميل، نفى وجود الوثيقة، وقال في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”، إن “الخبر لا يمت للواقع بأي صلة”، وهاجم الصحيفة واعتبر أن محتوى الوثيقة “يهدف إلى خلط أوراق العملية السياسية التي نضجت ظروفها، ويهدف لعرقلتها”.
· 12 من شباط 2021.. جمال سليمان يتبنى
وسط هذا النفي، خرج المعارض السوري جمال سليمان، وأكد أنه صاحب فكرة “المجلس العسكري” لتولي حكم انتقالي في سوريا، وناقش الفكرة في روسيا، وأن هناك من يؤمن بها.
وكتب سليمان، عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك”، أنه بصفته الشخصية وليس بصفته عضوًا في منصة “القاهرة”، طرح فكرة “المجلس العسكري” كصيغة بديلة لجسم الحكم الانتقالي الواردة في وثيقة “جنيف”، خلال اجتماعه الأخير في موسكو مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 21 من كانون الثاني الماضي.
· 14 من شباط 2021.. بيان مشترك يؤيد المقترح
أصدرت “هيئة القانونيين السوريين” و”التجمع الوطني الحر للعاملين في مؤسسات الدولة”، في 14 من شباط الماضي، بيانًا مشتركًا يؤيدان فيه مقترح تشكيل “مجلس عسكري انتقالي”، ليلعب دورًا رئيسًا بإشراف هيئة الحكم الانتقالية التي تضمنتها القرارات الدولية حول الحل السياسي في سوريا.
· 16 من شباط 2021.. روسيا تنفي
بعد أيام من تبني سليمان، نفى مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف، وجود محادثات حول “المجلس العسكري”، وأكد أنه “تضليل متعمد بهدف نسف المحادثات والعملية السياسية”، بحسب ما نقلت عنه قناة “RT” الروسية.
· 5 من آذار 2021.. “قسد” ترحب بمناف طلاس وتتواصل معه
“قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، كشفت أنها تواصلت مع العميد المنشق مناف طلاس حول تشكيل “المجلس العسكري الانتقالي”، وأبدت جاهزيتها للمشاركة بالجسم العسكري.
وقال المتحدث الرسمي لقوات “قسد”، غابرييل كينو، إن تشكيل “المجلس العسكري” خطوة أساسية للحل في سوريا، بشرط “وجود كيان سياسي يمثل جميع القوى السياسية بمهام مكملة لبعضها”.
وقال القيادي الذي رحب بفكرة قيادة مناف طلاس، “حصلت مجموعة من الحوارات بين (قسد) ومناف طلاس لمعرفة مهام المجلس والهدف منه والأفكار المطروحة حوله، وأيضًا من أجل الوصول إلى تفاهمات ترضي جميع الأطراف”.
· 7 من آذار 2021.. ميشيل كيلو يستبعد الفكرة
المعارض السوري ميشيل كيلو، استبعد أن تكون فكرة “المجلس العسكري” واقعية، وتساءل كيلو، “ماذا سيفعل المجلس العسكري بعد أن أخذت جميع الدول المشاركة في الصراع حصتها من سوريا قبل الحل؟”.
وتابع، “إن كان طرف ما يريد أن يتخلى عن حصته دون تفاهم دولي فلا علاقة لنا به”.
· 10 من آذار 2021.. منصة “موسكو” تنفي مجددًا
مهند دليقان عضو منصة “موسكو” في المعارضة السورية، نفى مشاركة أعضاء من المنصة في اجتماع لبحث مسألة “المجلس العسكري”.
وكتب في “تويتر” أنه “لا صحة نهائيًا للخبر القائل إن أعضاء من منصة (موسكو) التقوا في باريس، في 26 من شباط الماضي، بشخصية سورية لبحث ما يسمى المجلس العسكري”.
وأصاف أن “المجلس العسكري” فكرة ولدت ميتة، لأنها محاولة تشويش على القرار الأممي “2254”، وعلى جسم الحكم الانتقالي، وهدف طرح فكرة “المجلس العسكري”، “استهلاك الوقت اللازم لمتشددي الأطراف المختلفة لتمرير استحقاقاتهم بعيدًا عن (2254)”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :