مواطنة كازاخية تروي “ويلات” تجربتها مع تنظيم “الدولة” في سوريا

عسكريون كازاخستانيون يرافقون عائلة كازاخستانية أثناء إعادتهم من سوريا خلال عملية "زوسان" (Courtesy Photo)

camera iconعسكريون كازاخستانيون يرافقون عائلة كازاخستانية أثناء إعادتهم من سوريا خلال عملية "زوسان" (Courtesy Photo)

tag icon ع ع ع

سابينيلا أيازباييفا (Sabinella Ayazbaeva) مواطنة كازاخية وأم لخمسة أطفال، تعمل الآن في دورات متخصصة بعلم النفس، والدعم التوعوي للشباب في مدينة كازاخستان بروسيا الاتحادية.

حياة سابينيلا (31 عامًا) لم تكن بهذا الهدوء في السنوات الماضية، وذلك بعدما ذهبت وزوجها، عام 2014، للانضمام إلى صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”، شرقي سوريا، فهناك قُتل زوجها على يد قوات التحالف، لتعيش تجربة الحصار مع أبنائها، وتروي ويلات ما جرى للأجيال القادمة.

وتعد سابينيلا واحدة من نحو 600 مواطن كازاخستاني أُعيدوا إلى وطنهم في نور سلطان، من مخيمات اللاجئين السوريين في عام 2019.

خطف للخلف

تشارك سابينيلا هذه الأيام في “حملة مكافحة التطرف” التي تدعمها الدولة، لتحذير الشباب من “مخاطر الجماعات الإرهابية” التي تستخدم الدين لتجنيد أعضاء جدد عبر الإنترنت، بحسب ما روته أرملة المقاتل لإذاعة “راديو أوروبا الحرة” وترجمته عنب بلدي.

في المحاضرات والخطب والاجتماعات الإعلامية، تتحدث سابينيلا عن أهوال الحياة في ظل التنظيم وخيبة أملها، وتعرب عن أملها بأن تمنع كلماتها الآخرين من “ارتكاب الأخطاء” التي ارتكبتها هي وزوجها في عام 2014.

خمس سنوات حُفرت في الذاكرة

أمضت سابينيلا خمس سنوات في سوريا، حيث شهدت عمليات قتل وحشية و”مظالم مروعة”، ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما تعيش في خوف دائم من الضربات الجوية المميتة، وفق حديثها إلى الإذاعة.

حياة سابينيلا كانت سعيدة قبيل الانضمام للتنظيم، وفق تعبيرها، إذ قالت إن زواجها كان سعيدًا، وعملها ناجحًا، وشقتها خاصة في مدينة كارغاندي بكازاخستان.

وأوضحت أنها وزوجها كانا مسلمَين متدينَين، ارتادا مسجدًا محليًا وعاشا حياة هادئة، إلى أن أقام زوجها صداقات مع جماعات إسلامية “غير تقليدية” على الإنترنت، كما قالت.

وفي عام 2014، أُقنعت سابينيلا بضرورة الانتقال إلى سوريا للعيش وتربية أطفالها في دولة إسلامية، ليأخذ الأبوان أطفالهما الثلاثة، الذين تتراوح أعمارهم بين سنة وست سنوات، وغادرت كازاخستان، وأخبروا أقاربهم أنهم في “إجازة عائلية”.

وفي غضون أسابيع، وصلت العائلة إلى الرقة (المعقل الرئيس للتنظيم سابقًا)، حيث “صدم الواقع الزوجين على الفور تقريبًا”، وفق رواية سابينيلا.

وقالت إنها كانت تشاهد “جثث نساء وأطفال دون أطراف يجري انتشالها من تحت الأنقاض بعد الضربات الجوية، أو خروج أحشاء أحدهم”، موضحة أنها أرادت وزوجها مغادرة سوريا، لكنهما كانا يعلمان أنه لم يعد هناك طريق للعودة إلى الوطن، فالتنظيم كان “يقتل أي شخص يريد الفرار”.

الخطوة التي اتخذتها سابينيلا كانت أكبر من قدرة والدتها على الاستيعاب، ما أدى إلى إصابتها بجلطة دماغية بعد أن علمت بذهاب ابنتها إلى سوريا، وفق الإفادة.

ولفتت سابينيلا إلى أنها أنجبت طفليها الرابع والخامس في الرقة قبل مقتل زوجها في غارة جوية عام 2017.

تقلص السيطرة وجوع شديد

تُركت سابينيلا وأطفالها الخمسة تحت رحمة مقاتلي التنظيم، بحسب ما أخبرت به الإذاعة، مشيرة إلى أن التنظيم في سنة مقتل زوجها، كان في مرحلة الانحسار أمام تقدم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من التحالف، وقوات النظام السوري.

ووصفت سابينيلا عام 2018 بـ”فترة الجوع الشديد”، لا سيما في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، إذ قالت، “كان من الصعب شرح سبب عدم تناول الطعام للأطفال. كنت أقول سأصنع الحساء من العشب”.

ومع تقدم القوات المناوئة للتنظيم، انتهى المطاف بسابينيلا وأطفالها في قرية الباغوز أقصى شرقي دير الزور، حيث كانت آخر الجيوب التي تراجع إليها التنظيم في المحافظة.

وفي أوائل عام 2019 (قبل أسابيع فقط من الهزيمة النهائية للتنظيم في الباغوز)، شقت طريقها إلى مخيم للاجئين يسيطر عليه الكرد، لتكون نقطة التحول في حياتها، وفق تعبيرها.

على أمل العودة

في مخيم اللاجئين (لم تذكر اسمه)، أخبر المسؤولون الكرد سابينيلا أن كازاخستان “سترسل طائرة لتعيد مواطنيها إليها”، وبالفعل أمضت الأرملة وأبناؤها بضعة أسابيع فقط في المخيم.

وعلى الرغم من قسوة حياة المخيمات، فإن سابينيلا وجدتها آمنة ومطمئنة، إذ قالت “كان الجو باردًا، لكن لدينا الآن طعام ولم تكن هناك ضربات جوية. بالإضافة إلى ذلك، كان التحمل أسهل كثيرًا لأننا علمنا أنه مؤقت وسنذهب إلى المنزل”.

وذكرت الأم أن الطائرة جاءت في 6 من أيار 2019، لتعيدها وأسرتها إلى كازاخستان.

ومن المشاهد التي لم تنسها الأم، عندما قالت لها امرأة كازاخستانية “ترتدي الزي العسكري” في المطار، “دعيني أحمل طفلك. أنتِ بالكاد تقفين على قدميك”.

في وجه المجتمع

“أفهم أن بعض الناس يروننا قنبلة أمنية موقوتة، لكن هذا ليس صحيحًا”، قالت سابينيلا للإذاعة، وأضافت، “شاهدت تلك الفظائع بنفسي. أفهم أكثر من أي شخص آخر أنه لا ينبغي لنا اتباع الأفكار المتطرفة”.

وتابعت، “كان رد فعل المجتمع تجاهي إيجابيًا في الغالب، على سبيل المثال، لم أسمع أبدًا أي شخص يصفني بالإرهابية. لكن بعض أصدقائي القدامى يخشون الاتصال بي مرة أخرى”، وفق تعبيرها.

وتنقل الحكومة الكازاخية العائدين من مناطق الصراع إلى مركز إعادة تأهيل في مدينة أكتاو، حيث يخضعون لفحص طبي، وتقدم لهم جلسات استشارية مع أطباء نفسيين ومتخصصين آخرين.

وفي الخطوة التالية، يقضي العائدون فترة في مركز إعادة التأهيل، قبل أن يُقال لهم إنهم أحرار باستئناف حياتهم الطبيعية.

وعند سؤالها عن الدين، قالت سابينيلا إنها لا تزال مسلمة متدينة، تذهب إلى المسجد وترتدي الحجاب، مؤكدة بالقول، “أنا لست بخيبة أمل في عقيدتي. لا ألوم الدين على قراري الخاطئ بالذهاب إلى سوريا”.

العودة إلى الديار

وكانت الحكومة الكازاخية أعادت ما يقرب من 600 من مواطنيها في عملية أسمتها “زوسان”، التي جرت على ثلاث مراحل بين كانون الثاني وأيار 2019، وفق المجلس الأطلسي الأمريكي للأبحاث.

في عملية مماثلة، أعلنت الحكومة الكازاخية، في 4 من شباط الحالي، أنها أعادت 12 شخصًا (أربعة رجال وامرأة وسبعة قاصرين) من سوريا.

وتقول السلطات الكازاخية إن 800 مواطن كازاخي على الأقل غادروا إلى سوريا والعراق للانضمام إلى الجماعات المتشددة هناك.

عدوى التطرف

وحذر مسؤولون أمميون مرارًا من أن العديد من النساء والأطفال المشتبه بصلتهم بتنظيم “الدولة الإسلامية” أصبحوا “متطرفين” في مخيمات “متدهورة” في سوريا والعراق، مطالبين بإعادة عشرات الآلاف منهم.

وفي 10 من شباط الحالي، تحدث رئيس الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، عن وجود حوالي 27 ألفًا و500 طفل أجنبي “في طريق الأذى”، بمخيمات شمال شرقي سوريا، بما في ذلك حوالي 8000 طفل من حوالي 60 دولة غير العراق، 90% منهم تحت سن 12 عامًا، بعد عامين تقريبًا من هزيمة تنظيم “الدولة”.

وقال المسؤول الأممي، في اجتماع لمجلس الأمن الدولي، إنه من المأساوي أن المجتمع الدولي قد “أحرز بالكاد أي تقدم” في معالجة قضية هؤلاء الأطفال والنساء على الرغم من أن “التحديات والمخاطر تزداد خطورة مع الإهمال، ويمكن أن يكون لها تأثير طويل الأمد ليس فقط في المنطقة ولكن على الصعيد العالمي”.

وأشار، حينها، إلى أنه وصلتهم بلاغات عن العديد من “حالات التطرف الإرهابي، والتدريب على جمع الأموال والتحريض”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة