بعيدًا عن أبنائهم.. كبار السن يواجهون صعوبات الحياة في سوريا

camera iconشارع الثورة في العاصمة دمشق، (عدسة شاب دمشقي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خولة حفظي

بظهر منحنٍ ويدين مرتجفتين، اعتاد الحاج محمد الخروج من بيته صباحًا للوقوف على طابور يمتد أمتارًا ليحصل على مخصصاته من مادة الخبز بالسعر “المدعوم”، في طقوس يومية اعتاد السوريون، لا سيما كبار السن منهم، على ممارستها.

يعاني كبار السن في سوريا من صعوبات اقتصادية واجتماعية وصحية، بشقيها النفسي والجسدي، إذ لم تكتفِ الحرب السورية باختطاف أو تهجير أحبائهم ممن كانوا يعتقدون أنهم سيكونون سندًا لهم عند كبرهم، بل وضعتهم أيضًا بظروف معيشية استثنائية، تصعب حتى على الشباب مواجهتها، إن كان في خيام أو في بيوت.

ولا تتوفر إحصائيات رسمية جديدة عن عدد المسنين في سوريا، إلا أن أحدث التقديرات تشير إلى أن العدد تجاوز 1.7 مليون مسنّ بنسبة تُقدّر بنحو 7.2% من تعداد السكان، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى 5.7 مليون نسمة في عام 2050، بنسبة 13% من إجمالي عدد السوريين.

معاناة يومية

آمن كثير من السوريين بمقولة “أكثروا من الأبناء لكي يعينوكم في كبركم”، ولكنهم عندما كبروا، وجدوا أنفسهم فجأة دون أبناء يستندون إليهم.

يجرّ محمد، الرجل السبعيني المقيم في دمشق، عربة عليها كرسي، يضعه فور وصوله إلى المخبز، حيث ينتظر ساعات للحصول على الخبز.

تتسمر عينا المسنّ على ملامح أي شاب يمر أمامه، ليرى أيًا من أبنائه المسافرين أقرب إليها، ولكن سرعان ما يعود إلى الواقع ليحمد الله على سفرهم، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

وأضاف، “لم أكن من مؤيدي سفر أبنائي خارج سوريا، ولكن الخوف على حياتهم دفعني لتشجيعهم على السفر ليعيشوا بأمان بعيدًا عن الحرب”.

لطالما حلم بأن يتوكأ على أحد أبنائه، ولكنه وجد نفسه اليوم يستند إلى عربة متنقلة يدفعها أمامه ليؤمّن احتياجاته من الخبز والمواد الاستهلاكية الأخرى، إضافة إلى مراجعة الأطباء وشراء الأدوية.

ومنذ العام 2011، قُتل آلاف الشباب السوريين، بينما لجأ ملايين آخرون هربًا من الحرب وبحثًا عن مستقبل أفضل ولأسباب أخرى، كما التحق آخرون بالخدمة الإلزامية في قوات النظام وغيرها، لتتحول سوريا، لا سيما مناطق سيطرة النظام، إلى مناطق شبه خالية من الشباب.

ويصل عدد اللاجئين السوريين الذين اضطروا لمغادرة سوريا منذ عام 2011 إلى أكثر من خمسة ملايين و584 ألفًا، بحسب أرقام مفوضية اللاجئين، وتصل نسبة الشباب الذكور بين عمر 18 و59 سنة إلى 32.9%، بينما تصل نسبة الشابات من اللاجئين بنفس الأعمار إلى 19.9%.

ويأتي ذلك في ظل وضع اقتصادي متردٍ وارتفاع في الأسعار، في ظل تدهور قيمة الليرة السورية.

وتقول أرملة ستينية مقيمة في دمشق (فضّلت عدم ذكر اسمها)، إنها تضطر إلى الخروج يوميًا لتأمين احتياجاتها على دفعات، نظرًا إلى صعوبة حمل الأكياس دفعة واحدة.

ومنذ أربع سنوات، سافر الأبناء الأربعة للمسنّة الدمشقية، وصار أمر مساعدتها في تأمين احتياجاتها مقتصرًا على “أصحاب القلوب الطيبة”، بحسب تعبيرها.

مشكلات صحية

نظرة خاطفة على شوارع وأسواق دمشق تكفي لمعرفة أن الحياة فيها صارت لكبار السن، وليس للشباب نصيب في بلد أنهكتها الحرب.

وتظهر الصعوبات بشكل أوضح عندما يتعلق الأمر بالاحتياجات الصحية لكبار السن، إذ يفتك فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) بما تبقى من قطاع صحي مدمّر، بينما لا تجد الأدوية طريقها إلى الصيدليات.

وأجمع عدد من المسنين، ممن تحدثوا إلى عنب بلدي، على صعوبات بالحصول على الأدوية، وأخرى تتعلق بالمراجعات الطبية في المستشفيات.

رضا، رجل خمسيني من ريف دمشق، قال لعنب بلدي، إنه يحتاج إلى جلسات غسيل كلى شهريًا، ويضطر إلى الذهاب مع أحد جيرانه أو أقربائه إلى المستشفى.

ولا تعمل سوى 48% من المستشفيات العامة ومراكز الرعاية الصحية الأولية بكامل طاقتها في سوريا، بينما يعاني الناس ويموتون بسبب نقص الأدوية اللازمة لحالات مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والفشل الكلوي، بحسب منظمة الصحة العالمية.

صعوبات مضاعفة

في شمال غربي سوريا، تبدو الصعوبات مضاعفة بشكل أكبر على المسنين، لا سيما المقيمين منهم في مخيمات النزوح.

إذ يعاني المسنون النازحون من جميع المشكلات التي يكابدها أقرانهم في مناطق أخرى من سوريا، إضافة إلى أعباء النزوح في المخيمات.

وبحسب فريق “منسقو استجابة سوريا”، يقيم نحو 800 ألف مسنّ في مخيمات شمال غربي سوريا.

ويعاني الوضع الطبي في إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة من ضعف التجهيزات الصحية، في ظل امتلاء مستشفيات المنطقة بمصابي فيروس “كورونا”.

وتتشابه مأساة المسنين في شمال غربي سوريا مع أمثالهم في مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية”، دون أن تتوفر أرقام رسمية عن عدد المسنين.

احتياجات متزايدة وحلول غائبة

أمام الاحتياجات المتزايدة للمسنين في سوريا، مع غياب أبنائهم، تبدو الحلول محدودة، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.

ولكن الحلول على قلتها لا تبدو مثالية، فعلى سبيل المثال، تضع دور رعاية المسنين في مناطق سيطرة النظام عددًا من الشروط قبل الموافقة على قبول أي مسنّ، ومن بينها ألا يتخطى عمر المتقدم 70 عامًا، إضافة إلى دراسة كل حالة على حدة.

ويبلغ عدد دور المسنين المفعلة حاليًا 20 دارًا، تُدار بالتعاون مع المجتمع الأهلي، إضافة إلى دارين حكوميتين، الأولى دار “الكرامة لرعاية المسنين والعجزة”، والثانية “مبرة الأوقاف لرعاية المسنين” بحلب، بحسب ما قالته مديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، هنادي خيمي، لصحيفة “الوطن” المحلية.

بينما توجد دار للمسنين في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، تضم 25 شخصًا.

 

وتصل تكلفة الإقامة في دور رعاية المسنين الخاصة إلى 250 ألف ليرة في الشهر من دون ثمن الأدوية، وفي حال الحاجة إلى مرافق يزيد المبلغ، وفقًا لخيمي.

في حديث إلى عنب بلدي، قالت مسنة مقيمة في دار “السعادة” بدمشق (فضلت عدم ذكر اسمها)، إنها انتقلت إلى السكن في الدار منذ ثلاث سنوات.

وأضافت المسنة أنها تأقلمت مع حياتها الجديدة بعيدًا عن أبنائها، واستطاعت أن تتغلب على كل شيء، باستثناء شعورها بالوحدة وتعاملها مع الهاتف المحمول عند محاولة التواصل مع أبنائها.

وكانت دراسة أجرتها “الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان” حول “تقييم احتياجات الحماية للمسنين”، خلصت إلى غياب المتخصصين برعاية المسنين، ولا سيما مختصي الجانب النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن مستوى الخدمات والمرافق في دور رعاية المسنين يتناقص كلما زاد عدد المسنين.

وأظهرت تأثير الحرب على البنى التحتية بدور الرعاية الاجتماعية، ومنها دور رعاية المسنين، كما أو أوضحت أن فئة المسنين لم تحظَ بالاهتمام المناسب بالنسبة للمساعدات الإغاثية.

وتحتاج دور الرعاية إلى وجود عدد أكبر من المختصين، إضافة إلى أنها تعاني من قلة الخدمات والمرافق وعدم شموليتها.

وركّز 95% من المسنين المشارِكين في الدراسة على ضرورة الاهتمام بالواقع الصحي لهم، إلى جانب دعمهم لمواجهة الإهمال والعزلة، والبحث عن بديل في حال عدم وجود معيل أو مساعد من الأسرة للمسن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة