الوضع الأمني يهدد اقتصاد البوابة الشرقية لحلب
عنب بلدي – علي درويش
تراجعت وتيرة زيارات محمود زعيتر، وهو صاحب محل في بلدة الدانا شمالي إدلب، إلى مدينة الباب شمال شرقي حلب، خلال كانون الثاني الماضي، لتسوّق بضائع من سوق “هال” المدينة وبيعها في دكانه الصغير.
يعتمد محمود (35 عامًا) على مدينة الباب لشراء بضائع ليست موجودة في منطقة شمالي إدلب، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
“نصف الدكان فارغ حاليًا”، حسب محمود، نتيجة تراجع ذهابه للتسوّق في الباب وشراء بضائع دكانه، ويحاول تعويض ذلك بمرور التجار عبر سيارات توزيع بضائع إلى بائعي المفرّق، بعد طلب البائعين البضائع اللازمة من التاجر عبر الهاتف.
برر محمود عزوفه عن الذهاب إلى الباب بالوضع الأمني المتراجع، وارتفاع عمليات القتل والتفجيرات والخطف و”التشليح” (السلب)، وحتى الاشتباكات التي تجري أحيانًا بين أطراف مختلفة.
أوضاع أجبرت التجار على حلول أخرى
عبدو الحمود (46 عامًا)، وهو تاجر جملة لمواد غذائية في الباب، قال إن أغلب زبائنه من الأرياف توقفوا عن النزول إلى مركزه بسبب الوضع الأمني، خاصة التفجيرات التي تستهدف الأسواق وأماكن تجمع المدنيين، مضيفًا “الناس عم تروح فرق عملة”.
واضطر عبدو إلى شراء سيارة، وتحمل تكاليف أكبر، بحسب حديثه، لإيصال البضائع إلى زبائنه في الأرياف، إذ إن نصفهم توقفوا عن النزول إلى الباب.
وعلى الرغم من ذلك، فإن توزيع البضاعة عبر سيارة يضع ابن عبدو في خطر، ويمنعه من التأخر حتى المساء، مشيرًا إلى أن حركة العمل تراجعت بشكل كبير في المدينة على ما كانت عليه قبل شهرين.
كيف أثر الوضع الأمني على رؤوس الأموال
عضو غرفة الصناعة والتجارة في الباب، أحمد حمزة، قال لعنب بلدي، إن معظم رؤوس الأموال تفضل الآن الدخول في مشاريع نمطية للسوق، لتجنب نسبة المخاطرة التي أدى إليها الوضع الأمني.
صاحب رأس المال لا يخاطر بين خياري الربح والخسارة في مشروعات تحتاج إلى التضحية، عدا عن أن المستثمرين الكبار لا يجرؤون على القدوم، وإن استثمروا فيشتغلون برأس مال صغير جدًا، وهذا الشيء لا يبني اقتصادًا قويًا وإنما مشاريع صغيرة فردية لا تنهض بالمنطقة، بحسب عضو غرفة الصناعة والتجارة.
كما أن معظم رؤوس الأموال في تركيا ودول الجوار تحتاج إلى تطمينات بسيطة للقيام بمشاريع كبيرة، وهذا “رهين بالواقع السياسي حولنا”، حسب أحمد حمزة.
الشرطة تبرر
اشتكى مدنيون وتجار وأصحاب محال تجارية التقت بهم عنب بلدي من تردي الوضع الأمني في الباب، وحمّلوا مسؤولية التقصير في أمن المدينة لقوات الشرطة والفصائل العسكرية والأتراك.
ضابط من مرتبات مديرية أمن الباب (تحفظ على ذكر اسمه) قال لعنب بلدي، إن مناطق المعارضة تعيش فترة من الضغوط الأمنية تهدف إلى عدم السماح لرؤوس الأموال بالقدوم إلى المنطقة والعمل بجدية، مشيرًا إلى أن مدينة الباب تعتبر العاصمة الاقتصادية لريف حلب سابقًا، والمركز الاقتصادي للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة حاليًا.
وبحسب الضابط، ليس الوضع الأمني فقط ما يؤثر على اقتصاد الباب، فهناك أسباب أخرى، كعدم وجود معابر رسمية مع مناطق سيطرة النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، الأمر الذي يعوق حركة التبادل التجاري ويبطئ عجلة الاقتصاد.
واتخذت الشرطة عدة إجراءات لضبط الأمن، منها اعتماد ساحة تفتيش وتبديل البضائع بالقرب من المنطقة الصناعية في الباب، حرصًا على عدم دخول سيارات قد تكون ملغمة، أو تحوي على مواد متفجرة للمدينة.
كما عُززت حواجز التفتيش للحد من الأعمال “الإرهابية” بالمنطقة، التي تقف خلفها “تنظيمات إرهابية”، لإظهار ضعف الإدارة في مناطق المعارضة، بحسب الضابط.
في 7 من شباط الحالي، أعلنت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” عن اتخاذها سلسلة إجراءات بهدف “الحفاظ على استقرار وأمن” المناطق التي تديرها في شمالي سوريا.
وتضمنت الإجراءات رفع السواتر الترابية اللازمة، وحفر الخنادق في الأماكن التي تتطلب ذلك، إضافة إلى تشديد الحراسة والرقابة.
وذكرت أنها ستسيَّر دوريات الشرطة العسكرية معززة بعناصر من “الجيش الوطني” داخل المدن والبلدات والتجمعات السكانية، مع تعزيز الحواجز ونقاط التفتيش ضمن المدن والبلدات وخاصة مداخل ومخارج المدن.
كما دعت الوزارة إلى “تعزيز دور القضاء العسكري، وإحالة مرتكبي الجرائم الإرهابية، وكل من يثبت تعاونه معهم، إلى المحاكم العسكرية بتهمة الإرهاب”.
وطلبت “الحكومة المؤقتة” من المواطنين في المناطق التي تديرها، إبلاغ الجهات المختصة بأي معلومات عن الجهات التي تنفذ هذه الأعمال.
أهمية تجارية وزراعية للمدينة
تقع الباب على الطريق الواصل بين مدينة حلب ومدينتي الرقة والحسكة مرورًا بمدينة منبج الاستراتيجية، ما جعلها عقدة مواصلات مهمة في الشمال السوري.
وأُطلق على الباب مسمى “بوابة حلب الشرقية”، حيث تبعد عن مدينة حلب مسافة 30 كيلومترًا فقط، كما تبعد عن الحدود التركية المسافة ذاتها.
تتوسط الباب سهلًا زراعيًا واسعًا، جعلها سلة غذاء الشمال السوري، والمصدر الرئيس للمزروعات والمشتقات الحيوانية في محافظة حلب.
اشتهرت الباب أيضًا بزراعة القطن، ويعدّ القطن البابي من أجود أنواع القطن السوري، ما جعلها مصدرًا أوليًا لصناعة المنسوجات، التي تشتهر بها مدينة حلب.
تبلغ مساحة مدينة الباب وحدها 13 كيلومترًا مربعًا، وهي ذات مساحة مدينة إدلب، وأكبر بقليل من مدينة طرطوس على الساحل السوري، وتعد أكبر مدن محافظة حلب بعد مركز المدينة.
ويعيش في مركز مدينة الباب 82 ألفًا و752 مقيمًا، إضافة إلى 64 ألفًا و859 نازحًا، حسب مدير دائرة النفوس في مدينة الباب، عبد الرزاق العبد الرزاق، في إحصاء تحدث لعنب بلدي عنه نهاية كانون الأول 2019.
بلغ عدد سكان المدينة عام 2009، 146 ألف نسمة، بحسب دائرة الإحصاء السورية، بينما بلغ عدد سكان منطقة الباب التي تضم الراعي وتادف وقباسين وبزاعة، نحو 300 ألف نسمة.
تفجيرات متكررة أودت بحياة مدنيين
وتعرضت مناطق سيطرة المعارضة خلال الأشهر الماضية لعدة تفجيرات خلّفت عشرات الضحايا، طالت أسواقًا شعبية، إلى جانب اغتيال شخصيات عسكرية في المنطقة، كما قُتل عناصر من القوات الأمنية خلال عمليات تفكيك عبوات ناسفة.
وقُتل مدني وأُصيب 13 آخرون بتفجير سيارة مفخخة في بلدة الراعي التابعة لمدينة الباب شمالي حلب بالقرب من الحدود السورية- التركية، في 13 من شباط الحالي.
وكانت وزارة الدفاع التركية نعت أحد عناصرها في مدينة الباب شمال شرقي حلب، في 4 من شباط الحالي، وهو الرقيب أول سليمان ديميرلي، الذي قُتل خلال تفكيكه عبوة ناسفة.
وفي 2 من شباط الحالي، قُتل شخص وأُصيب أربعة آخرون جراء تفجير شاحنة مفخخة في المدينة الصناعية الجديدة على طريق الراعي التابع لمدينة الباب بريف حلب الشمالي.
وفي أكبر التفجيرات التي استهدفت الباب في 6 من تشرين الأول 2020، قُتل 19 شخصًا وأُصيب 82 آخرون بتفجير شاحنة مفخخة في الباب الخلفي لكراج الانطلاق وسط المدينة.
أسهم في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في الباب عاصم ملحم
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :