تهدئة أم إرضاخ مؤجل؟

الأسد يسترضي الجنوب السوري قبيل الانتخابات

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – لؤي رحيباني

لم يبقَ الكثير على موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا، التي يتوقع إجراؤها في نيسان المقبل، وفي هذه الأثناء، يحاول النظام السوري تسريع خطواته في تهدئة التوترات بالمناطق الجنوبية من سوريا، المتمثلة بالسويداء ودرعا.

وتثير هذه التحركات تساؤلات حيال طريقة إدارة ملفي الجنوب السوري، وهل يكترث النظام فعلًا لأصوات الناخبين، الذين يعانون من تراجع معيشي وصل بـ 90%منهم إلى تحت خط الفقر، وما الأدوات التي يوظفها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لتقديم نفسه أمام حاضنته لولاية جديدة.

عوز السيادة

يحرص النظام السوري بشكل كبير على فرض السيطرة على الجنوب السوري قبيل الانتخابات الرئاسية، سواء في درعا أو السويداء، مع اختلاف واضح في معالجة الملفين، بحسب حديث الباحث السياسي والعسكري في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب عاصي، إلى عنب بلدي.

وأوضح عاصي أن النظام يعتمد على السبل السياسية والأمنية والإنسانية وصولًا إلى العسكرية في فرض اتفاقيات إعادة التسوية على مدن ريف درعا الغربي وآخرها طفس، بينما لا يجري اللجوء إلى السبل العسكرية والأمنية نوعًا ما في محافظة السويداء مع استثناءات قليلة.

وفي 7 من شباط الحالي، بدأ النظام السوري عبر أفرعه الأمنية بـ”تسوية” أوضاع المطلوبين في السويداء.

وتقضي “التسوية” بإلغاء العقوبات بحق المتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، وعقوبة الفرار والمطلوبين بقضايا أمنية أيضًا، وذلك مقابل التحاقهم بالخدمة العسكرية في صفوف النظام.

كما أن مكان الخدمة العسكرية سيكون في الجنوب السوري (مناطق السويداء، درعا، القنيطرة)، وفق ما ذكرته صفحة “شبكة السويداء 24″، عبر صفحتها في “فيس بوك”.

ولفت الباحث السياسي والعسكري في مركز “جسور للدراسات” عبد الوهاب إلى أن “التسوية” التي أعلن عنها النظام السوري في السويداء هي مبادرة أكثر من كونها اتفاقًا، لأنها تقتصر على التفاهم مع شيخ العقل، حكمت الهجر، في حين ما زال موقف العديد من مشايخ العقل يلتزم الحياد، ويرفض فرض إجراءات قسرية لسَوق أبناء المحافظة إلى الخدمة الإلزامية.

وفي 28 من كانون الثاني الماضي، عمّت مناطق متفرقة من محافظة السويداء حالة غضب من السكان، وذلك بعد إساءة رئيس فرع “المخابرات العسكرية” في المنطقة الجنوبية، العميد لؤي العلي، لرئيس طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، عبر اتصال هاتفي، وفق صفحات محلية في السويداء.

وتبع الحادثة خروج مدنيين إلى شوارع السويداء وتحطيم صور بشار الأسد، وسط مطالبات بإقالة رئيس فرع “المخابرات العسكرية” في المنطقة الجنوبية.

اعتذار يهدئ الأوضاع

وجرت مساعٍ لتهدئة الوضع، عبر تقديم مسؤولين في النظام اعتذارًا للرئيس الروحي، وذلك عقب توافد حشود ووفود إلى منزل الهجري في بلدة قنوات بريف السويداء.

وصدر بيان عن الرئاسة الروحية لطائفة المسلمين الموحدين الدروز، يطوي صفحة الخلاف مع النظام السوري، في 2 من شباط الحالي.

وجاء في البيان، الذي نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة الروحية عبر “فيس بوك”، أنه “بعد تقديم الاعتذار الشديد من الجهات الرسمية من أعلى المستويات في سوريا، نطمئن الجميع أنه تم تطويق هذا الحدث المسيء بكل أبعاده”، في إشارة إلى “الإهانة” التي تعرض لها الشيخ حكمت الهجري من قبل رئيس فرع “المخابرات العسكرية” في المنطقة الجنوبية، العميد لؤي العلي.

وأضاف البيان، الموقّع باسم الرئيس الروحي للطائفة، الشيخ حكمت سلمان الهجري، “لن نسمح بوقوع مثل هذه السلوكيات الشاذة، حصل ما حصل وكنتم الدرع الحصين حولنا، وتمت معالجة الجرح كما أردتم وكما يجب أن يكون مع احترامنا لمطالب الناس المحقة، وإننا نأمل من الجميع عدم الخروج عن توجيهاتنا بالتهدئة ووأد الفتنة”.

وبحسب مصدر خاص لعنب بلدي، من أبناء بلدة قنوات التي يقيم فيها الشيخ، شمالي السويداء (تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية)، وجّه العميد لؤي العلي “إهانة” للشيخ، في أثناء مكالمة هاتفية أجراها الهجري معه، في 25 من كانون الثاني الماضي، للكشف عن مصير أحد المعتقلين من أبناء المحافظة، كانت عبارة عن شتيمة، ما دفع الشيخ إلى إنهاء الاتصال.

في درعا.. اتفاق يقطع الطريق على عمل عسكري

وفي 8 من شباط الحالي، توصلت “اللجنة المركزية” والنظام السوري في درعا بحضور وفد روسي إلى اتفاق قد يقطع الطريق على التوتر القائم غربي المحافظة، بعد تعزيزات وحشود استقدمها النظام السوري إلى المنطقة.

ونقل مراسل عنب بلدي في درعا عن “اللجنة المركزية” (التي تفاوض النظام السوري لتطبيق اتفاق التسوية) أن اجتماعًا مشتركًا، بين “اللجنة” والنظام، أفضت نتائجه إلى موافقة الطرفين على منع حدوث تهجير لأبناء محافظة درعا إلى الشمال السوري، والاكتفاء بخروج المطلوبين من المنطقة الغربية بكفالة عشائرهم مع بقائهم داخل المحافظة.

ونص الاتفاق، بحسب “اللجنة”، على السماح لقوات “الفرقة الرابعة” بتفتيش عدد من المزارع الجنوبية لمدينة طفس، بحضور أبناء المنطقة، لضمان عدم حدوث أي انتهاكات بحق المدنيين وممتلكاتهم.

وقضى الاتفاق أيضًا بتسليم “مضاد طيران 14″، استُخدم في الخلافات بين عشيرتي “الزعبي” و”كيوان”، وتسليم “المقرات الحكومية”.

وتسيطر قوات النظام السوري على محافظة درعا منذ تموز 2018، بعد اتفاق “تسوية” برعاية روسية، لكن المحافظة تعاني من توترات أمنية وعمليات اغتيال متكررة، تستهدف جنودًا وضباطًا وعناصر كانوا في المعارضة وانضموا إلى قوات النظام، إضافة إلى وجهاء وناشطين سياسيين في اللجان المركزية والمجالس المحلية.

النظام للمجتمع الدولي: بيئتنا آمنة

النظام السوري الآن بحاجة إلى ضمان استعادة السيادة على جميع المناطق التي يُسيطر عليها، لا سيما تلك التي وقّعت اتفاقيات “تسوية”، إضافة إلى محافظة السويداء التي استطاعت تشكيل مركز قوة مستقل نسبيًا عن السياسات المحلية له، بحسب الباحث في مركز “جسور” عبد الوهاب عاصي.

وأوضح الباحث أن المقصود باستعادة السيادة قدرة الأفرع الأمنية وأجهزة ومؤسسات الدولة على استعادة وحماية القرار، وإملاء شروط السلطة على المجتمع، قبل الانتخابات، مشيرًا إلى أن النظام بذلك يسوّق لنفسه أمام المجتمع الدولي، على أنه فرض البيئة الآمنة.

ويذهب الباحث في “جسور” عبد الوهاب العاصي، إلى أن النظام السوري يعمل على تكريس نفسه كحاجة لا غنى عنها عند السوريين في مناطق سيطرته، وذلك من خلال سد الحد الأدنى من الاحتياجات، كالمعاشات والحوافز والخدمات، مع التمسّك بخطاب عواقب غياب سلطة الدولة عن مناطق النزاع الأخرى، ما من شأنه تشكيل هواجس ومخاوف كبيرة من أي تغيير في نموذج الحكم أو شكل السلطة.

خطوات “روتينية” بعيدة عن وجع السوريين

بدوره، قال المحلل السياسي حسن النيفي لعنب بلدي، إن “ما أقدم عليه النظام مؤخراً، فيما يخص إجراءات التسوية مع المتخلفين في السويداء، فضلًا عما يجري من مفاوضات مع الأهالي في طفس، تندرج جميعها ضمن ممارسات صارت روتينية تسبق خطوة ترشحه لانتخابات جديدة”.

هذه الإجراءات “لا يمكن أن تمس جوهر معاناة السوريين التي هي أكبر من أن تعالجها بعض الإجراءات الترقيعية الباهتة”، بحسب النيفي، الذي أكد أن “مأساة السوريين ليست موضع تفكير جدي من جانب النظام، الذي يهتم بالحفاظ على السلطة أولًا واستمراره على رأسها”.

ويرى النيفي أن الخطوات الانتخابية ونتائج أي انتخابات يجريها النظام صارت معروفة سلفًا، “ولكن ما يريده من وراء الانتخابات هو شرعنة اغتصابه للسلطة”.

ويتفق الباحث عبد الوهاب عاصي مع وجهة نظر المحلل السياسي، فـ”النظام السوري لا يولي أي اهتمام لتخفيف وتقليل آثار العقوبات الاقتصادية على الوضع المعيشي، وتراجع قدرة مؤسسات الدولة على حماية وتوفير السلع والخدمات”.

وأكد أن النظام الآن حريص على احتواء هذا التردي من خلال الخطاب الإعلامي، والتأكيد على استمرار سلطة الدولة عبر البيروقراطية والسياسات الأمنية.

ومن المتوقع أن تجري الانتخابات المقبلة في سوريا، على غرار انتخابات عام 2014 التي فاز بها الأسد بنسبة 88.7%، وسط مقاطعة الأمم المتحدة والمعارضة السورية، وعلى أساس دستور 2012، خاصة مع عدم توصل أعمال اللجنة الدستورية السورية في جنيف إلى أي مخرجات حتى الآن.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة