بعد أمطار الشتاء.. تخوف من انهيار المباني المتصدعة في حلب
عنب بلدي – حلب
أكثر من 30 عامًا قضاها مصطفى في المبنى الكائن بحي الفردوس، ضمن مدينة حلب، لكنه اليوم مهدد بالإخلاء مع كل هطول للمطر.
يتعاون سكان المباني، التي تصدعت نتيجة القصف خلال سنوات الحرب، على شفط مياه الأمطار التي تتسرب للأقبية مهددة سلامة البناء وأساساته، إلا أن تكلفة الشفط التي تعادل 15 ألف ليرة سورية (خمسة دولارات) بعد كل هطول مطري، لا تمثل حلًا آمنًا ولا عمليًا للوقاية من الانهيار.
البلدية لا ترد
شغلت في السابق ورشات الخياطة وطباعة الأقمشة أقبية المباني، في أحياء الفردوس والصالحين والنيرب، لكتمانها ضجيج الآلات والماكينات عن السكان، لكنها الآن لا تكتم مخاطر تجميعها للمياه، التي دفعت السكان للشكوى وطلب المساعدة من البلديات في المنطقة، التي لم تستجب سوى بتقديم الوعود.
يخشى مصطفى، الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل، مع جيرانه، انهيار المبنى الذي عملوا على تجفيفه مرات عدة، “أساسات البناء متصدعة، ومن الممكن أن ينهار المبنى في أي وقت، بعض المباني السكنية انهارت خلال السنتين الماضيتين نتيجة تسرب مياه الأمطار”، كما قال لعنب بلدي.
وتكررت انهيارات المباني السكنية في مدينة حلب، وخاصة ضمن أحياء حلب الشرقية، وذلك بسبب تعرض تلك الأحياء للقصف خلال سيطرة المعارضة المسلحة.
من انهيار مبنى سكني في حي الصفا، أدى لمقتل ثلاثة أشخاص في آذار من عام 2018، إلى حوادث متعددة عام 2019، إذ شهد حي الصالحين، في 6 من كانون الثاني، انهيار مبنى مؤلف من خمسة طوابق، وتسبب بوفاة رجل وزوجته وإصابة طفليهما، تبعه سقوط مبنى في حي صلاح الدين، في شباط من العام ذاته، تسبب بمقتل 11 شخصًا.
وخلال كانون الأول من عام 2019، قُتل 12 مدنيًا بسبب انهيار مبنى في حي المعادي بمدينة حلب، في حين سقطت مبانٍ أخرى دون وقوع ضحايا، وفي آب من عام 2020، سقط مبنى مؤلف من أربعة طوابق في حي الصالحين، تسبب بمقتل امرأة وإصابة شخص آخر.
لكن جهود الترميم والإصلاح، التي أعلنت حكومة النظام عنها لتلافي وقوع المباني المتصدعة، لم تنتهِ ولم تكتمل، بعد أربعة أعوام من سيطرة النظام على كامل أحياء المدينة، في كانون الأول من عام 2016، في حين احتج المسؤولون عند سقوط الأبنية بأنها لم تبدِ تصدعًا يجعلها إخلاءها ضروريًا.
حلول إسعافية لرأب التصدعات
تضطر بعض العائلات لإخلاء منازلها حتى تسحب المياه من الأقبية، ويكون شفط المياه باستخدام مولدات كهربائية، وعند عودة الأمطار والسيول تكرر العملية، في حين لا تسعفهم الحلول الترميمية على إنهاء المشكلة.
مع ارتفاع أسعار الأسمنت للمرة الثانية، يفضل السكان إجراء “ترميمات بسيطة” لمبانيهم، التي لا يستطيعون تحمل تكلفة إصلاحها التامة.
تشارك فيصل مع سكان المبنى، الذي يقطنه في حي الكلاسة بحلب، تكلفة إجراء ترميم “مؤقت” للقبو، ريثما تقوم البلدية بأعمال الصيانة والترميم للمباني، على الرغم من أنهم لا يأملون الحصول على مساعدتها.
اشترى سكان المبنى خمسة أكياس أسمنت و”نحاتة” وقضبانًا من الحديد، من أجل تدعيم القبو وسد منافذ تسرب مياه الأمطار، حسبما قال الشاب الذي تحفظ على ذكر اسمه الكامل لعنب بلدي، “هو حل مؤقت إسعافي، أفضل من انهيار المبنى وحدوث كارثة”.
بينما يلجأ البعض لسد فتحات الأقبية بالأسمنت بشكل مباشر، مع البحث عن الأماكن التي تتسرب منها مياه الأمطار إلى الأسفل.
لكن على الرغم من قيام العديد من المدنيين بترميم وصيانة الأقبية، لا يرى متعهد بناء، تحفظ على ذكر اسمه، أن تلك الترميمات “نافعة”، حسبما قال لعنب بلدي.
“تكاليف الترميم أصبحت مرتفعة للغاية، يجب أن تأتي لجان مختصة لتقييم إمكانية ترميم تلك الأقبية بعد الكشف عنها، لا أن يقوم السكان بالترميم بشكل عشوائي أو إسعافي تجنبًا لسقوط المباني السكنية المتصدعة على رؤوسهم”، حسب رأي متعهد البناء.
عند البدء بإنشاء البناء، يضع مهندس مدني المخطط الهندسي الخاص به، يرسم فيه أساسات البناء، التي تعتمد على الأقبية، و”لذلك يجب أن تكون أساسات البناء اللبنة الأولى لأي مشروع”، كما قال المتعهد، موضحًا أن الأساسات التي تُحفر على عمق نصف متر والتي تحمل الأبنية السكنية يجب أن تكون “متينة”، “لأن دورها رفع حمولة البناء فوق الأرض، وعندما يتكون المبنى السكني من أقبية، تكون أسس هذا المبنى مرتكزة على أساسات القبو من أجل ضمان تثبيت البناء”.
عند نزول المياه أو حدوث سيول تتعرض الأساسات لـ”التآكل”، ومع القصف الذي تعرضت له أحياء حلب الشرقية، واستخدام صواريخ ارتجاجية روسية، “تضعضعت وتأرجحت أغلب أساسات الأبنية السكنية”، حسبما قال المتعهد، ولذا لن يصمد البناء السكني بالحلول المؤقتة خلال حدوث هزات أرضية، أو تشقق الطبقة الوسطى للأرض، بسبب الانهيارات الداخلية.
ومع أن لجنة السلامة العامة، التابعة لمجلس مدينة حلب، قيّمت الأبنية السكنية المتضررة التي يجب إزالتها، إلا أنها لم تستكمل عملها، وما زالت المباني السكنية المتضررة قائمة، خاصة ضمن أحياء حلب الشرقية.
واتخذ مجلس محافظة حلب، في شباط من عام 2019، قرارًا بإجلاء أكثر من أربعة آلاف عائلة تسكن في عشرة آلاف بناء سكني، إذ إن أغلب تلك المباني المتصدعة آيلة للسقوط، وشمل تقييم لجنة السلامة العامة، التابعة لمجلس مدينة حلب، نحو 36 حيًا داخل المدينة، وبلغ مجموع الأبنية غير المتضررة 33633 بناءً طابقيًا.
ووفقًا لأرقام رسمية لحكومة النظام، فإن الأضرار في حلب الشرقية بلغت 70% من المباني، وقدرت تقارير حكومية تعرض 30% من المباني لأضرار جسيمة بحاجة إلى التأهيل قبل أن تصبح صالحة للسكن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :