“كورونا” في درعا.. قطاع صحي “متداعٍ” ومبادرات أهلية لا تفلح برد المرض

camera iconعامل في الهلال الأحمر السوري يقدم موادًا صحية لطفل في محافظة درعا للوقاية من فيروس كورونا - 17 كانون الأول 2020 (الهلال الأحمر السوري فرع درعا)

tag icon ع ع ع

درعا – حليم محمد

“من النادر أن تجد شاغرًا لمنفسة في مستشفى بدرعا”، بحسب ممرض عامل في المستشفى “الوطني” بالمدينة، أحد المستشفيات الثلاثة المختصة بعلاج مرضى فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، الذين وصلت أعدادهم إلى حوالي 800 شخص، حسب الأرقام الحكومية.

الهيئة العامة لمستشفى “درعا الوطني” ومركز “الباسل التدريبي” ومستشفى “إزرع الوطني”، مع مركز “الضاحية” ومركز “خربة غزالة” للحجر الصحي، غير مؤهلة كفاية للتعامل مع انتشار الجائحة، حسبما ذكر تقرير لمنظمة “أطباء لأجل حقوق الإنسان” (PHR)، صدر في 8 من كانون الأول الحالي.

وأشار التقرير إلى أن نقص الأسرّة وعدم تأهيل المراكز الصحية في المحافظة بشكل كافٍ يستمر في الوقوف عائقًا أمام تقديم الخدمات الصحية اللازمة، في حين لا يوجد أكثر من 1.1 طبيب لكل عشرة آلاف من السكان.

مع ضعف التجهيزات الصحية، اقتصرت حملات الوقاية والتخلص من الفيروس على الجهود الشعبية، التي لم تفلح بعد برفع نسبة الوعي ولا بالاهتمام الصحي بين أبناء المحافظة.

مستشفيات غير مؤهلة وكوادر “معتقلة”

في محافظة درعا، لا تختلف حالة الشك بانخفاض الأرقام الحكومية المعلَنة عن المصابين بالفيروس عن بقية المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام السوري، لكن الدمار الذي عاناه قطاعها الصحي جعلها “أكبر الخاسرين” لمؤهلات مواجهة “كورونا”، حسب تقرير منظمة “PHR” الحقوقية الطبية.

خسرت درعا “أعلى نسبة” من أسرّة المستشفيات منذ عام 2011، حين كانت 810 أسرّة متوفرة، بقي منها 310 عام 2019، ومن بين ثمانية مستشفيات عامة لا يعمل بطاقته سوى مستشفى واحد، مع نقص الكوادر المؤهلة التي اضطرت للنزوح أيضًا نتيجة الحملة العسكرية التي سمحت بعودة سيطرة النظام على المحافظة في تموز 2018.

“يعتبر نقص العاملين الصحيين في درعا مثالًا على كيفية تعامل الحكومة مع تقديم الخدمات الصحية في المناطق التي استعادتها من المعارضة مقارنة بالمناطق الموالية”، حسبما ذكر التقرير الحقوقي.

بينما ذكر تقرير آخر لـ”مكتب توثيق الشهداء في درعا”، أن قوات النظام اعتقلت أربعة من العاملين في المجال الطبي بتهمة “تشخيص إصابات للمرضى بالفيروس دون الرجوع لوزارة الصحة”، ما رفع عدد المعتقلين من الأطباء والعاملين في المجال الصحي إلى 21 منذ اتفاق “التسوية” في آب عام 2018.

الممرض العامل في مستشفى “درعا الوطني” الذي التقت به عنب بلدي، (طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية)، أشار إلى أن مرضى الفيروس لا يفكرون في الغالب بمراجعة المستشفيات في المحافظة.

فعدد أجهرة التنفس الصناعي لا يتجاوز عشرة في المستشفى الحكومي، في حين تبلغ تكلفة وضع “المنفسة” لمريض في المستشفيات الخاصة 700 ألف ليرة سورية باليوم (242 دولارًا).

وتوقع الممرض عدم قدرة المستشفى على استيعاب أعداد إضافية في حال تفشٍّ أكبر للفيروس لصعوبات أخرى، تتعلق بعزل المرضى وعدم وجود الكادر الطبي الكافي للتعاطي مع هذه الحالات، بعد هجرة “عدد كبير” من الأطباء والممرضين، إذ إن أغلبية الموجودين حاليًا في المستشفى هم من “المتدربين”، حسب قوله.

مدير “صحة درعا”، الدكتور أشرف برمو، قال إن عدد الأسرّة في مراكز العزل بمحافظة درعا لا يتجاوز 250 سريرًا، وهذا العدد “لا يكفي” لاستقبال الأعداد المتزايدة من المصابين، حسبما نقل عنه مراسل قناة “سما” الفضائية الموالية.

ولا تُتبع التدابير الاحترازية للوقاية من الفيروس بين سكان المحافظة عامة ولا ضمن المستشفيات أيضًا، إذ رصدت عنب بلدي رأي عدد من المراجعين الذين أجمعوا على أن الكوادر الطبية لا تلتزم بارتداء الكمامة بشكل كامل، مع نقص تعقيم أجنحة المرضى وخاصة دورات المياه.

وقالت إحدى المراجعات لمستشفى “درعا الوطني”، إنها تتخوف من خطر الإصابة بالفيروس في ظل “الاستهتار” وعدم الوقاية، وتخشى على والدتها التي تراجع المستشفى لإصابتها بمرض في القلب من خطر التقاط العدوى.

وأدى نقص الدعم الحكومي للمستشفيات العامة في المحافظة إلى افتقارها للمستلزمات الطبية الأساسية، من الأدوية والشاش والقطن والمعقمات، التي يُطلب من المرضى تأمينها على حسابهم الخاص، حسبما قال الممرض لعنب بلدي، وكذلك شاب عشريني مراجع للمستشفى “الوطني”، إذ قال إنه اضطر لشراء السيروم الملحي والأدوية اللازمة للعلاج على حسابه.

كما لا يوجد مخبر مختص في المحافظة للكشف عن حالات الإصابة بالفيروس، إذ تنقل مسحات المشتبه بإصابتهم إلى دمشق للفحص وإعطاء النتيجة للمريض، وتكلف المسحة، حسبما قال الممرض، 80 دولارًا.

إجراءات احترازية أهلية

حجم الإصابات الذي تزايد خلال تشرين الثاني الماضي، دفع المثقفين ووجهاء بعض المناطق في درعا لاتخاذ إجراءات من شأنها التخفيف من حدة الجائحة.

إذ اجتمع عدد من وجهاء مدينة طفس، من فعاليات أهلية وعدد من الأطباء، بداية كانون الأول الحالي، وأصدروا بيانًا دعوا فيه السكان إلى ضرورة التباعد الاجتماعي، وإلغاء مجالس العزاء والأفراح بشكل كامل، مع الاقتصار على التعزية والتهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت شعار “درهم وقاية خير من قنطار علاج”، ودعوا إلى ضرورة ارتداء الكمامات وغسل اليدين للوقاية من الفيروس.

واستطلعت عنب بلدي آراء بعض السكان في درعا حول قرار إلغاء مجالس العزاء والأفراح، وهو ما أجمعوا على اعتباره “خطوة إيجابية”، مع ما تشهده المحافظة من “استهتار” شعبي بالوقاية.

قال عبد الكريم، وهو رجل خمسيني مقيم في درعا، إنه يعاني من ارتفاع ضغط الدم، ويخشى من الإصابة بالفيروس، لذلك ابتعد بنفسه عن المشاركة بمجالس العزاء والأفراح.

وشجعت تجربة مدينة طفس مناطق أخرى من المحافظة، مثل مدينة داعل وجميع مناطق الريف الشرقي في درعا، على اتباع خطوات مماثلة.

وحتى “اللواء الثامن”، التابع لـ”الفيلق الخامس” (أحد الأطراف العسكرية في المحافظة)، عمل مقاتلوه، الذين كان معظمهم سابقًا في صفوف “الجيش الحر” قبل عقد “التسوية” عام 2018 مع النظام برعاية روسية، على التوعية بالإجراءات الوقائية من الفيروس.

إذ عممت دورية تتبع للفصيل، المدعوم روسيًا، في مدينة بصرى شرقي درعا، في 13 من كانون الأول الحالي، على أصحاب المحال، بواسطة مكبرات الصوت، بضرورة ارتداء الكمامات والقفازات مع تحذير المخالف للتعليمات الصحية بإغلاق عمله.

كما أعلنت حكومة النظام السوري سابقًا فرض مجموعة من القرارات للتصدي للفيروس، من فرض ارتداء الكمامة للمراجعين والعاملين في المؤسسات العامة، ومستخدمي وسائط النقل الجماعي، وزائري الأسواق والمحال التجارية ومنافذ بيع الأفران.

إلا أن الاهتمام الشعبي والالتزام بالإجراءات الوقائية يبقى “نادرًا” في المحافظة، حسب وصف السكان، إذ إن ارتداء الكمامات والتعقيم والتباعد والامتناع عن السلام باليد ما زال يقتصر على شريحة قليلة ضمن المحافظة، التي يحافظ أهلها في الغالب على عاداتهم وتقاليدهم التي ترى في الامتناع عن الزيارات “عيبًا” لا يبرره خطر المرض.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة