عام على انعقاد جلستها الأولى دون تقدم

ماذا تحتاج اللجنة الدستورية للمضي قدمًا؟

camera iconرئيس وفد النظام في اللجنة الدستورية، أحمد الكزبري، يغادر مبنى الأمم المتحدة في جنيف، 26 من تشرين الثاني 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- علي درويش

المماطلة، الإغراق في التفاصيل، إثارة المشاكل والعقبات، تصريحات تضمنت تحجيم أعمال اللجنة الدستورية ونسفها أحيانًا، إضافة إلى الانسحاب المتكرر، أساليب اتبعها النظام السوري في تعامله مع مراحل تشكيل اللجنة الدستورية وانعقاد جلساتها في جنيف.

وجاء اتفاق تشكيل اللجنة الدستورية على عكس ما يريده رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال طرحها لأول مرة في مؤتمر “الحوار السوري” الذي رعته روسيا بمدينة سوتشي في تشرين الثاني 2018.

وجرى الاتفاق في مؤتمر “الحوار السوري” على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة النظام ووفد معارض واسع التمثيل، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن “رقم 2254”.

وكان من المفترض، مع انعقاد أولى جلسات اللجنة الدستورية في 30 من تشرين الأول 2019، أن تناقش اللجنة المكونة من ثلاثة وفود (المعارضة والنظام والمجتمع المدني)، آلية وضع دستور جديد لسوريا، وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وتنظيم انتخابات جديدة.

بعد عام.. الجولة الرابعة عالقة

لكن المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، لم يحدد موعدًا لاستكمال الجولات المقبلة من الجلسة، في إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن الدولي، في 27 من تشرين الأول الماضي، حول التطورات السياسية والعسكرية في سوريا، ونتائج مباحثاته مع وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، ورئيس “هيئة التفاوض”، أنس العبدة.

وربط بيدرسون استئناف الجولات بإمكانية الوصول إلى نتائج إيجابية خلال هذه المحادثات، متوقعًا أن يكون في تشرين الثاني المقبل.

وأضاف بيدرسون أنه لم يصل إلى أي اتفاق مع أي طرف من أطراف اللجنة الدستورية، لكن المباحثات انصبت على إنجاح الحل السياسي، “استغلالًا لانخفاض وتيرة العمليات العسكرية في سوريا”، بعد الاتفاق الروسي- التركي في آذار الماضي.

وأكد أنه لم يكن قادرًا على عقد اجتماع رابع للجنة الدستورية في تشرين الأول الماضي، “لأن النظام لن يقبل أجندة تسوية وافقت عليها المعارضة”.

ينص القرار “2254”، الصادر عن مجلس الأمن في عام 2015، على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكمًا ذا مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.

ويحدد القرار جدولًا زمنيًا وعملية لصياغة دستور جديد، ويعرب كذلك عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى، عملًا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرًا تحت إشراف الأمم المتحدة.

مراحل متعددة.. أصعبها إبعاد المظلة الروسية

أصعب المراحل التي مرت على اللجنة الدستورية منذ الاتفاق على تشكيلها حتى انعقاد الجولة الرابعة من محادثاتها، في 24 من آب الماضي، والتحضير للجولة الرابعة التي لم يحدد موعد انعقادها، هو حصر اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة، لأن روسيا سعت إلى أن تكون اللجنة تحت سيطرتها، حسب حديث المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، الدكتور يحيى العريضي، لعنب بلدي.

واستمرت محاولات عقد الجولة الأولى أكثر من عام، تلتها مسألة تشكيل الوفود، وصعوبة الاتفاق على ولايتها والقواعد الإجرائية، وتعقيدات جلسات اللجنة، واستمرار النظام بالتلاعب والتملص والعرقلة بخصوص الأجندة والوقت المفتوح، حسب العريضي.

وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قال في مقابلة مع قناة “زييفردا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية، بداية تشرين الأول الماضي، إن تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، وأضاف أنه يرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.

ووصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها “لعبة سياسية”، وأنها ليس ما يركز عليه عموم السوريين، في لقائه مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 8 من تشرين الأول الماضي.

فالشعب السوري، برأي الأسد، لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج إلى تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري.

الدستورية.. فائدة للنظام أم للمعارضة؟

أوضح العريضي أن الفائدة من اللجنة الدستورية مسألة نسبية حسب الفعل السياسي الحالي، إذ تحاول “الهيئة السورية للتفاوض” (المعارضة الممثلة في وفد اللجنة الدستورية) “تثبيت الحق السوري والالتزام بالقرارات الدولية والسعي لتطبيقها، والتجييش بهذا الاتجاه دوليًا بحكم تدويل القضية السورية، والتمترس عند هذا الحق”، بحسب تعبير المتحدث باسم “الهيئة”.

ويقابل ذلك المساعي من قبل النظام وداعميه للتفلت من العملية السياسية ككل، والبقاء على مسألة الحسم العسكري، التي ما زال النظام وداعموه مصرين عليها، بحسب العريضي.

رفض أمريكي- أوروبي

وكانت الولايات المتحدة اتهمت مع عدة حلفاء أوروبيين، رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بتعمد تأخير صياغة دستور جديد “لإضاعة الوقت حتى الانتخابات الرئاسية في عام 2021″، وتجنب التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، وسط رفض أوروبي للانتخابات الرئاسية السورية المقبلة.

وقالت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية، إن نائب المبعوث الأمريكي، ريتشارد ميلز، حث مجلس الأمن في جلسته، في 27 من تشرين الأول الماضي، على “بذل كل ما في وسعه” لمنع الأسد من عرقلة الاتفاق على دستور جديد في عام 2020، وفق ما ترجمته عنب بلدي.

وأكد ميلز أن “سوريا غير مستعدة على الإطلاق لإجراء انتخابات بطريقة حرة ونزيهة وشفافة تشمل مشاركة الشتات السوري”، داعيًا الأمم المتحدة إلى تسريع تخطيطها لضمان مصداقية الانتخابات السورية المقبلة، في سياق أعمال اللجنة الدستورية.

السفير الألماني في المجلس، كريستوف هيوسجن، وصف “تكتيكات المماطلة والعرقلة” التي يتبعها الأسد بشأن عمل اللجنة الدستورية بأنها “بغيضة فقط”، موضحًا أنه “لن يجري الاعتراف بالانتخابات إذا أجريت في ظل الظروف الحالية”.

وطلب هيوسجن من روسيا أن تستخدم نفوذها، وضرب مثالًا بإمكانية الروس قطع المساعدات العسكرية ووقف الدعم حتى “يلعب النظام السوري الكرة أخيرًا”.

كما انتقد السفير الفرنسي، نيكولا دي ريفيير، “رفض الأسد الانخراط بحسن نية” في العملية السياسية، ودعا إلى الاستعداد لبدء الانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة.

وقال إن فرنسا لن تعترف بالنتائج التي لا تمتثل لهذه الأحكام، وأضاف، “لن ننخدع بمحاولات النظام لإضفاء الشرعية على نفسه”.

نتائج الاجتماعات متوقعة.. أمل بدعم شعبي ودولي

وكان من المتوقع سابقًا أن يماطل النظام بأعمال اللجنة لكن ليس بهذا القدر، بحسب ما قالته عضو المجموعة المصغرة في اللجنة الدستورية عن قائمة المجتمع المدني رغداء زيدان، خاصة أنه داخل ضمن أعمال اللجنة رغمًا عنه، بحسب زيدان، كما أن انتشار جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) عالميًا، والظروف التي ألحقت بها، أطالت عمل اللجنة.

وبرر العريضي عدم مطابقة نتائج اجتماعات اللجنة لتوقعات المعارضة، بسبب علمها المسبق بأن النظام لا يريد عملية سياسية أو الدخول في اللجنة الدستورية، واتباعه النهج العسكري منذ البداية.

واستمر النظام في أعمال اللجنة “لذر الرماد في العيون” وخداع المجتمع الدولي، حسب تعبير العريضي، بدعم من روسيا، التي اتخذت موقفًا مطابقًا لرواية النظام، معتبرًا أنه من الناحية العملية وبحكم تدويل القضية السورية فإن “هذا ما توفر لإبقاء القضية السورية حية”، والنظام يتمنى إغلاق هذا الباب، وإغلاق العملية السياسية ككل، لكن “أعضاء اللجنة متمترسون عند القرارات الدولية بحق السوريين لاستعادة وطن حر كريم”.

وتأمل الدكتورة رغداء زيدان في اجتماعات اللجنة المقبلة، الدخول فعلًا بعملية جادة لصياغة دستور لسوريا مستقبلًا، وأن تستطيع اللجنة إنجاز بعض مهامها المنوطة بها، التي ما زال المواطنون ينتظرونها، إضافة إلى نقاشات مع شرائح المجتمع السوري حول كيفية استثمار اللجنة الدستورية لخدمة القضية السورية، سواء على مستوى التواصل مع الجهات الدولية، أو على مستوى فتح مجالات أو ثغرات للدخول إلى حلول أخرى، أو تحفيز المسارات الثانية المعطلة ضمن القرار “2245”.

واعتبرت زيدان أن السوريين غير متشجعين لـ”اللجنة الدستورية وهذا حق لهم”، نتيجة معرفتهم بمحاولات التعطيل والمماطلة، ولم يعلق العريضي أيضًا آمالًا كبيرة، بسبب منهجية النظام وداعميه، الذين يريدون أن تكون نتائج اللجنة على قياسهم.

اللجنة تحتاج إلى انسجام روسي وإرادة دولية حقيقية

تحتاج اللجنة عمليًا إلى انسجام روسي بين التكتيك والاستراتيجية، حسب المتحدث باسم “هيئة التفاوض”، يحيى العريضي، فالروس حتى الآن يسيرون مع النظام ضمن تكتيكاته وتضييعه للوقت.

لكن يومًا بعد يوم يثبت الروس فشلًا ذريعًا، لأنهم لم يحصلوا على أي مكاسب سياسية، على الرغم من تقدمهم العسكري وكذبهم باستمرار وحماية جرائم النظام في مجلس الأمن، بحسب تعبيره.

واللجنة الدستورية بحاجة إلى الإرادة الدولية للحل السياسي أولًا، وبحاجة إلى الضغط على النظام حتى ينخرط بهذه العملية بشكل جدي، بحسب عضو اللجنة الدستورية عن قائمة المجتمع المدني رغداء زيدان، وبالتالي فإن اللجنة بحاجة إلى دعم شعبي، وهذا الدعم الشعبي يجب أن يعي ما يحتاج إليه من دستوره المقبل.

ما عواقب عدم انتهاء أعمال اللجنة قبل الانتخابات

أوضح العريضي أنه لا فائدة من اللجنة الدستورية في حال لم تنهِ اجتماعاتها قبل الانتخابات المقبلة، لأن القرار الدولي يقول إنه ليس هناك سوى قرار سياسي وفق بيان جنيف والقرار “2245”.

ولا تعتقد زيدان أن اللجنة بوضعها الحالي قادرة على إنجاز أي دستور قبل الانتخابات المقبلة، فالإجراءات الصعبة لعقد اجتماعات فيزيائية للجنة الدستورية في ظل فيروس “كورونا” ستعطل الأمر.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة