تحديات الدخول في سوق العمل التركية
في رحلة البحث عن الاستقرار.. سوريون يبدّلون مهنهم في تركيا
عنب بلدي – زينب مصري
بعد عمله في تجارة الأدوات الكهربائية والصحية لسنوات في سوريا، وامتلاكه العديد من المحلات التجارية في السوق الرئيسة بمدينته أريحا شمال غربي البلاد، وعلى الرغم من حمله شهادة معهد ثانوي صناعي تؤهله للعمل في مجال الكهرباء، يعمل “محمود أوسطا”، كما يفضل أن يعرف عن نفسه، كفني تمديدات صحية وغاز طبيعي في مدينة اسطنبول التركية.
لجأ محمود إلى تركيا بعد اندلاع المعارك في مدينته أريحا، وخوضه سلسلة من النزوح المتكرر إلى مدن مجاورة فقد على إثرها تجارته ومحلاته وبضاعته، و”فشل” في تأسيس تجارته من جديد بعد محاولات عديدة بسبب النزوح.
“كنتُ مرتاحًا جدًا في السابق بسبب عملي في التجارة”، قال محمود لعنب بلدي، واصفًا وضعه المعيشي قبل وصوله إلى مدينة اسطنبول مع أسرته المكونة من زوجته وثلاثة أبناء، وبدئه رحلة البحث عن عمل في مجال اختصاصه.
“لم أوفق بإيجاد عمل في مجال عملي السابق أو مجال اختصاصي الدراسي، وكي أستطيع تسديد إيجار منزلي وإطعام أطفالي بحثتُ عن عمل آخر”، أضاف محمود، مؤكدًا أن نقطة البداية في عمله الحالي كانت عند لقائه بـ”أوسطا تركي” (حرفي) يعمل في مجال الغاز والتمديدات الصحية مع شريك يعمل في تصليح “الكومبي” (جهاز التحكم بالغاز الطبيعي الموصول إلى المنزل للتدفئة).
وبعد أن علماه أساسيات التمديد الصحي وإصلاح أجهزة “الكومبي”، تفوق عليهم وأصبح معلم تمديدات من الدرجة الأولى، بحسب تعبيره، ولكي يصبح “أوسطا”، ارتاد محمود دورة تعليمية في مراكز تعليم الحرفيين التركية، وحصل على شهادة “Ustalık Belgesi”.
“Ustalık Belgesi” (شهادة حرفة) شهادة تمنحها وزارة التعليم الوطنية التركية للحرفيين وفق شروط معينة.
فبحسب قانون التعليم المهني التركي رقم “3308”، فإن (شهادة حرفة) هي شهادة كفاءة مهنية، تُمنح للأشخاص الذين يستخدمون المعلومات والمهارات الحِرَفية في إنتاج السلع والخدمات وفقًا لمعايير مقبولة في الحياة التجارية، ويمكنهم حل المشكلات التي قد تواجههم في أثناء الإنتاج. |
وكـ”محمود أوسطا”، يواجه سوريون في تركيا العديد من الصعوبات في أثناء بحثهم عن عمل يناسب قدراتهم أو مجال دراستهم وتخصصهم.
وتتمثل الصعوبات في الحصول على الوضع القانوني المناسب والوثائق الشخصية الرسمية، والحصول على تصاريح العمل والرخص الحكومية، وتعديل الشهادة الدراسية إن وجدت، وتجاوز حاجز اللغة، وإيجاد فرصة عمل في مجال يُسمح للأجانب العمل فيه بتركيا، ما يضطرهم إلى تغيير مهنهم كليًا والعمل في مجالات أخرى، أو العمل في مجالاتهم لكن بشكل غير قانوني.
تصاريح عمل
وفرت السلطات التركية للاجئين السوريين في تركيا ابتداء من عام 2014 “الحماية المؤقتة” ومنحت معظمهم بطاقة هوية (الكيملك).
ويحق للمواطن السوري تحت “الحماية المؤقتة” في تركيا العمل، إذ توجد أنواع مختلفة من تصاريح العمل التي يمكن تقديم طلب للحصول عليها، ولكن أكثرها شيوعًا العمل مقابل أجر والعمل الحر، بحسب الموقع الرسمي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).
ومن أجل الوصول إلى سوق العمل التركية وإيجاد فرص عمل، توصي المفوضية السوريين بتسجيل أنفسهم لدى مؤسسة التوظيف التركية “İŞKUR”، أو لدى شركاء المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تقدم المشورة بشأن الفرص المتاحة.
وبحسب المفوضية، يمكن للسوريين المستفيدين من “الحماية المؤقتة” التقدم بطلب للحصول على تصاريح عمل بعد ستة أشهر من إتمام إجراءات التسجيل الخاصة بهم والحصول على “الكيملك” (الهوية التي تبدأ بالرقم 99)، ويجب تقديم الطلب في الولاية التركية التي يقيمون بها، ويجب ألا يكونوا قد حصلوا على تصريح عمل سابقًا.
وإذا كان السوري يعمل لحسابه الخاص أو يرغب في ذلك، يجب أن يكون لديه مشروع قانوني في تركيا يُؤسس ويُسجل وفقًا للقانون التجاري التركي.
وامتلك السوريون في تركيا 16 ألفًا و783 تصريح عمل، بحسب بيانات المديرية العامة لإدارة الهجرة التركية لعام 2018، بينما لا تبين إحصائيات العام الحالي أعداد السوريين الذين يملكون تصاريح عمل.
وفي حين يعمل جزء كبير من السوريين دون أذون عمل، ما يجعلهم عرضة لابتزاز وتحكم أرباب العمل، قال مدير مؤسسة الضمان الاجتماعي في اسطنبول، مراد جوكتاش، في تشرين الأول 2019، إن إعطاء تصاريح للعمل في مجالات، يمكن لأي شخص العمل بها، يؤثر على سياسة التوظيف في تركيا، مشيرًا إلى وجود معايير محددة لمنح تصاريح العمل للأجانب، بحسب القانون الدولي.
ووفقًا لتصريحات جوكتاش، ارتفع معدل البطالة عند “الطبقة الوسطى غير المتعلمة” في السنوات الأخيرة نتيجة لعمل كثير من الأجانب في تركيا، مشيرًا إلى أن البطالة لم تزد بين الشباب الجامعيين.
الوظيفة الحكومية صعبة المنال
بحسب دراسة بعنوان “اللاجئون السوريون في سوق العمل التركية” أجراها مكتب منظمة “العمل الدولية” بتركيا، في 9 من شباط الماضي، فإن تجربة سوق العمل للاجئين السوريين غير مستقرة تمامًا، مع انتقال متكرر من وظيفة إلى أخرى.
وتحظر القوانين التركية بعض المهن والأعمال على الأجانب، وتحصر ممارستها بالمواطنين الأتراك فقط، بحسب وزارة العمل والأسرة والخدمات الاجتماعية التركية.
وأبرز المهن التي تُمنع ممارستها من قبل الأجانب، طب الأسنان والتمريض والصيدلة والطب البيطري والمحاماة وكتابة العدل والأمن الخاص وتصدير الحيوانات البحرية والإرشاد السياحي.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، دعا، في كلمة خلال ندوة عقدتها جامعة “Bilkent”في كانون الأول 2019، المواطنين السوريين الحاصلين على الجنسية التركية إلى الدخول إلى المؤسسات التركية والعمل بها، كاشفًا أعداد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية والبالغة 110 آلاف سوري.
وعن أسباب منح السوريين الجنسية قال أردوغان، “لا أريد أن يعيش هؤلاء الناس بشكل غير قانوني في بلدي، فليأخذوا الجنسية وليدخلوا ويعملوا في المؤسسات بسهولة. بين هؤلاء السوريين أشخاص يملكون خبرات وبينهم أطباء ومهندسون وحقوقيون”.
لكن الدخول إلى المؤسسات العامة التركية يحتاج إلى اجتياز امتحان التوظيف والمعروف بامتحان “KPSS” وهو اختصار لعبارة “Kamu Personeli Seçme Sınavı” (امتحان اختيار موظف عام).
ويشمل امتحان التوظيف التركي أسئلة حول الثقافة العامة وقياس القدرات، وأسئلة اختصاصية بحسب الاختصاص الدراسي للمتقدم للامتحان.
ولا يستطيع الأجانب، ومنهم السوريون، الدخول إلى الامتحان، إذ إنه مخصص فقط للمواطنين الأتراك، لذلك يسبق الدخول إليه إتقان اللغة التركية بمستوى جيد لإمكانية حل الأسئلة واجتيازه، كما يحتاج إلى معادلة الشهادة الدراسية في حال كانت من دولة أخرى غير تركيا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :