نحو عشرة مليارات ليرة.. هل تصل؟
الأسد يفتح بابًا للمزايدات في حلبة تعويضات الساحل
عنب بلدي – نور الدين رمضان
أثارت زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 13 من تشرين الأول الحالي، إلى الساحل السوري بعد حرائق أتت على آلاف الهكتارات ووصفتها وزارة الزراعة بـ“الأكبر في تاريخ سوريا”، تساؤلات حول التعويضات العاجلة المتوقعة للمتضررين، خاصة الذين فقدوا مصادر دخلهم.
أعلن وزير الزراعة في حكومة النظام السوري، محمد حسان قطنا، عن الأضرار النهائية للحرائق التي اندلعت في عدة محافظات سورية خلال الأسبوع الماضي.
وقال قطنا في لقاء إذاعي مع راديو “شام إف إم” المحلي، في نفس يوم زيارة الأسد، إن المساحات المحروقة بلغت 11 ألفًا و500 هكتار في محافظتي طرطوس واللاذقية.
وأضاف قطنا أن 60% من المساحات هي أراضٍ حرجية، والمساحة المتبقية هي أراضٍ زراعية، موضحًا أن إجمالي المساحات المزروعة في الأراضي الزراعية هي 4% فقط.
وأوضحت مديرية الزراعة في محافظة اللاذقية أن الأضرار شملت أكثر من 13 ألف مزارع في 144 قرية، وما يزيد على 13 ألف طن من الحمضيات، و4584 طنًا من محصول الزيتون، بمساحة متضررة قدرها 7190 هكتارًا، بحسب أرقام المديرية في حصيلتها النهائية للأضرار، الصادرة في 16 من تشرين الأول الحالي.
لا تعويضات سابقة
ولم تعوّض الحكومة المتضررين من حرائق أيلول الماضي، إذ قال مدير “صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية” في وزارة الزراعة السورية، وهو المعني بتعويض المتضررين من الحرائق، محمد البحري، حينها، إن “الصندوق” يعوّض عن الكوارث الطبيعية فقط، كالبرد، والسيول، والحرارة العالية، والرياح الشديدة، والصقيع، أما الحرائق الأخيرة فقد تبين أنها حصلت بفعل فاعل وإهمال أحيانًا، ولم تكن الحرارة الزائدة السبب الرئيس لها، لكنها كانت عاملًا مساعدًا للاشتعال، بحسب ما نقلته صحيفة “تشرين” الحكومية في أيلول الماضي.
وحتى 10 من تشرين الأول الحالي، لم تتحدث الحكومة السورية أو مسؤولون معنيون عن التعويضات، رغم مطالبات في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اكتفت الحكومة بمناقشة مستجدات الحرائق في اجتماعاتها بعيدًا عن التعويضات.
واستمرت الحال كذلك حتى 13 من تشرين الأول الحالي، حين زار الأسد محافظة اللاذقية في زيارة غير معلنة، وقالت منصات “رئاسة الجمهورية” إن سببها معاينة الأضرار من كثب، لتبدأ جهات حكومية ورجال أعمال بالتسابق نحو تقديم المساعدات والتعويضات للمتضررين، على عكس حرائق أيلول الماضي وحرائق عام 2019 في اللاذقية.
وقال الأسد خلال زيارته، إن حكومته “ستتحمل العبء المادي الأكبر” في مساعدة المتضررين، واصفًا الحرائق بـ”الكارثة الوطنية، إنسانيًا واقتصاديًا وبيئيًا”.
عشرة مليارات
وصل حجم التعويضات المعلنة المخصصة لمتضرري الحرائق، من جهات رسمية أو غير رسمية أو تجار ورجال أعمال، إلى نحو عشرة مليارات ليرة سورية، ومعظم المبالغ الحكومية جاءت بعد توجيهات من الأسد.
وعلى الرغم من أن الأرقام المعلنة للتبرعات والتعويضات لا تعتبر كبيرة أمام الدولار الأمريكي، فهي تمثل أرقامًا ضخمة مقارنة بالمستوى الاقتصادي في الداخل السوري.
هذه المبالغ هي حصيلة سبعة مليارات تحدث عنها رامي مخلوف (رغم صعوبة تحصيلها لأسباب قانونية)، ومليارين و370 مليون ليرة سورية من وزارة الإدارة المحلية والبيئة، و500 مليون من الاتحاد العام للفلاحين، و200 مليون ليرة من غرفة تجارة دمشق، و100 مليون من غرفة تجارة حلب، ومثلها من غرفة طرطوس، و50 مليونًا من غرفة حماة.
وتعادل هذه الأرقام نحو أربعة ملايين وربع المليون دولار، بحسب سعر صرف موقع “الليرة اليوم“، المتخصص بأسعار العملات.
قرارات حكومية
ووفقًا لـوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 15 من تشرين الأول الحالي، خصصت وزارة الإدارة المحلية المبلغ لإنجاز مشاريع خدمية في قطاع الإدارة المحلية بالقرى والبلدات المتضررة وفق احتياجات وأولويات كل قرية وبلدة، بتوجيه من الأسد.
خلال الأيام التي تلت زيارة الأسد للساحل، أصدرت الحكومة السورية عدة قرارات لمصلحة تقديم التعويضات والتسهيلات الخاصة للمتضررين.
ومن هذه القرارات ما نقلته صحيفة “الوطن” عن وزير الزراعة، محمد حسان قطنا، في 15 من تشرين الأول الحالي، أن هناك تسهيلات لمنح قروض ميسرة ومدعومة لجهة الفوائد للفلاحين والأسر التي تضررت بسبب الحرائق الأخيرة في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص.
وفي اليوم نفسه أيضًا، طلب وزير الأشغال العامة والإسكان، المهندس سهيل عبد اللطيف، من الشركات والمؤسسات والنقابات المرتبطة بالوزارة الاستعداد للإسهام بكل إمكانياتها في إعادة ما خربته الحرائق.
وناقش رئيس الحكومة، حسين عرنوس، أيضًا، مع 14 وزيرًا خططًا لتخفيف آثار الحرائق ومساعدة المتضررين.
بدوره، قدم “الاتحاد العام للفلاحين” مبلغ نصف مليار ليرة سورية، وهو مخصص من مكتبه التنفيذي لمصلحة المتضررين من الحرائق.
رجال الأعمال يشاركون
وأطلقت غرفة صناعة دمشق وريفها مبادرة بعنوان “بردًا وسلامًا سوريا” لدعم المتضررين من الحرائق، وجمعت خلال ساعاتها الأولى 200 مليون ليرة سورية، ويتوقع أن يكون المبلغ قد زاد أو قابلًا للزيادة، بدفع من الحكومة، لتلحقها محافظات حلب وطرطوس وحماة.
ولرجال الأعمال مصالح في التبرع، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي يونس كريم لعنب بلدي، أبرزها التقرب من السلطة والحصول على عقود ائتمان وامتيازات من الحكومة، وتعويم أنفسهم سواء لروسيا أو لإيران أو للنظام السوري، ومحاولة تبييض أموالهم.
سباق خاص بين الأسد ومخلوف
بعد ساعات من زيارة بشار الأسد إلى الساحل حاضنة النظام السوري، أعلن رجل الأعمال رامي مخلوف أنه خصص جزءًا من أرباح مؤسسة “راماك” في شركة “سيريتل” يبلغ سبعة مليارات ليرة سورية (نحو ثلاثة ملايين دولار) لدعم متضرري الحرائق الأخيرة.
ولم يفوّت مخلوف الفرصة للإشارة إلى استمرار خلافه الدائر منذ أشهر مع الأسد، إذ حمّل الحارس القضائي المعيّن من قبل حكومة النظام مسؤولية التأخر أو عدم توزيع المساعدات.
المحلل السياسي حسن النيفي قال لعنب بلدي، إن بشار الأسد استثمر ما حل بحاضنته في الساحل، لإعادة اعتباره كسلطة بالدرجة الأولى، علمًا أن المبلغ الذي حدده لإعانة تلك المناطق لا يتناسب مع حجم الأضرار الناتجة عن الحرائق.
وتعليقًا على سباق التعويضات بين رامي مخلوف ابن ريف اللاذقية أيضًا والأسد، يرى النيفي أن مخلوف أراد إحراج النظام لأنه فرض حارسًا قضائيًا على “سيريتل”، ولا يمكن لرامي أو سواه التصرف بأملاك الشركة بوجود سلطة الحارس القضائي، وبالنتيجة فإن بشار ورامي مخلوف معًا يتقاطعان بهدف واحد وهو أن كليهما يريد بالدرجة الأولى استثمار تداعيات تلك الحرائق لتوظيفها من أجل مصالحه الخاصة.
وهو ما يؤكده المحامي عارف الشعال، إذ قال عبر صفحته في “فيس بوك”، إنه “إذا وُضعت أموال الشخص تحت الحراسة القضائية، لا يمكنه أن يتصرف أو يتحكم بها حتى رفعها. كما لا يمكنه أن يطلب من الحارس القضائي أي طلب يتعلق بهذه الأموال سوى كشف بالحسابات ومصروفه الشخصي هو وعائلته أيضًا”.
وأضاف أن “أي تصريحات خلاف ذلك لا تعدو كونها بروباغندا دعائية”.
هل تكفي المساعدات
إذا استثنينا السبعة مليارات التي وعد بها مخلوف والتي يمكن ألا تصل بسبب النصوص القانونية، فيبلغ حجم الدعم الفعلي من الحكومة السورية واتحاد الفلاحين ورجال الأعمال ثلاثة مليارات دولار وربع المليار (ما يعادل مليونًا و400 ألف دولار فقط).
المحلل الاقتصادي جلال بكار قال لعنب بلدي، إن الاقتصاد بشكل عام بوابة كسب رأي الشعب في أي مكان، وفي الحالة السورية، يتنافس الأسد ومخلوف على كسب حاضنتهم، لذلك أعلن الطرفان تقديم مساعدات مالية غير كافية، ولا يتوقع أن تصل إلى مستحقيها بشكل كامل، لكن الأسد يريد أن يرسل رسالة لحاضنته أنه لا يزال قادرًا على احتواء الأزمات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :