دمشق تعاني في خبزها.. حسبة وانتظار للحصول على الرغيف
عنب بلدي- خولة حفظي
“لم يدرِ زوجي السابق المتوفى منذ سنوات أن عدم إصدار البطاقة الذكية يعني حرمان أبنائنا حصتهم من الخبز المدعوم، ليبقى لدي طفلان بلا حصة من الخبز، ولذا أضطر إلى توزيع الكميات التي أحصل عليها بموجب البطاقة التي أصدرها زوجي الجديد، بحيث تكفي ولدي اليتيمين وطفلي الجديدين”.
تروي بدور الزيني (39 عامًا)، وهي إحدى المقيمات في دمشق، معاناتها في تأمين مادة الخبز بشكل يومي لطفليها، وتشكو من قلة الكميات المخصصة عبر نظام “الشرائح” الجديد، الذي اعتمدته حكومة النظام السوري منذ 19 من أيلول الماضي.
وتعتمد العائلات في سوريا على الخبز بشكل أساسي في جميع الوجبات اليومية، إلا أن قلة كميات الخبز الموزعة في دمشق عبر النظام الجديد، الذي تزامن فرضه مع بدء العام الدراسي، ألقى بظلاله على سكان العاصمة، وصارت العائلة التي لديها أبناء يلتحقون بالمدارس تشكو قلة الكميات المخصصة.
نظام “الشرائح”
بدأت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، في 19 من أيلول الماضي، بتوزيع الخبز للمواطنين عبر “البطاقة الذكية” وفقًا لنظام “الشرائح” في مخابز دمشق وريفها واللاذقية.
وبحسب الآلية الجديدة لتوزيع مادة الخبز، تحصل العائلة المؤلفة من شخص أو شخصين على ربطة خبز واحدة، والعائلة المؤلفة من ثلاثة أو أربعة أشخاص تحصل على ربطتين، والعائلة المؤلفة من خمسة أو ستة أشخاص تحصل على ثلاث ربطات، ومن سبعة أشخاص وأكثر أربع ربطات، وتحتوي الربطة الواحدة على سبعة أرغفة.
محمد سلطان (اسم مستعار لأسباب أمنية)، وهو موظف في مديرية النقل ولديه خمسة أولاد، قال لعنب بلدي، “أنا موظف أضطر لإحضار سندويشات يومية معي للعمل ولأطفالي في المدارس، لنصل إلى العشاء وليس بجعبتنا سوى أرغفة معدودة”.
ويتابع الأربعيني حديثه، “أرهقتنا الكميات، والتفكير بقلتها زاد الألم والحيرة، وصارت زيارة الضيوف حملًا كبيرًا بعد تقليل المخصصات من الخبز، المادة التي تسندنا في طعامنا”.
صمت محمد للحظات قبل أن يضيف بحسرة، “حتى رغيف الخبز صار محسوبًا علينا، ولا نحصل عليه إلا بشق الأنفس”.
ولا تسمح وزارة التجارة للمخابز ببيع الخبز خارج “البطاقة الذكية”، باستثناء كمية 5% من مبيعات أي مخبز تُخصص للحالات الخاصة التي لا تملك بطاقة بمعدل ربطة واحدة بشكل يومي، ومنها طلاب الجامعات أو الموظفون في محافظات أخرى غير محافظاتهم أو غيرهم، وفقًا لجداول تتضمن الاسم والرقم الوطني ورقم الهاتف.
طوابير الانتظار طقوس يومية
تصطف العائلات في مناطق سيطرة النظام لساعات لشراء الضروريات المدعومة مثل الخبز والوقود.
السيدة منال حجو، واحدة ممن يختبرون قساوة الحياة يوميًا في طابور قد يمتد لمئات الأمتار، وقد تقف لساعات قبل أن تبلغ أوله.
منذ وفاة زوجها، اعتادت السيدة الدمشقية أن تقف لساعات طويلة على طابور الخبز للحصول على الخبز المدعوم بسعر 50 ليرة سورية للربطة الواحدة.
تمسك المرأة الخمسينية عربتها المرفقة بكرسيها كل صباح، وتجر معها الخيبات وألم المفاصل الذي يرافقها منذ سنوات، “لم يعد بإمكاني سوى تأمين ربطة خبز بنفسي، وصار الوقوف على الطابور طقسًا من طقوس حياتنا اليومية وتفصيلًا نعيشه كل صباح”، قالت منال مضيفة، “لا أستطيع شراء الخبز السياحي نظرًا لارتفاع سعره، فسعر الربطة الواحدة 500 ليرة سورية”.
وأضافت، “وجوه من يقفون على الطابور باتت مألوفة، وأصبحنا أصدقاء نتفقد من يغيب منا عن حضور هذا الطقس والدوام الصباحي، من يحصل على خبزه ويمشي نهنئه، وكأنه فاز ونال المنى، ويخرج كل شخص من الطابور بعد حصوله على الخبز والضحكات تملأ وجهه”.
وتشهد العاصمة السورية دمشق، حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، طوابير على جميع المواد التموينية، بما فيها طوابير الخبز، التي لم تقل رغم التحذيرات من التجمعات مع انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الرسمية بصور الازدحام على الأفران الحكومية للحصول على الخبز المدعوم.
تعطل أفران ريف دمشق يدفع سكانها لمخابز العاصمة
تذهب ديمة الخالد كل صباح إلى مخبز “باب توما” الواقع في منطقة باب توما بدمشق لتحصل على ربطة خبز “طازجة”، كما قالت لعنب بلدي.
وأضافت، “أخرج منذ الساعة السابعة صباحًا حتى أصل إلى مخبز باب توما، فالخبز المتوفر في منطقتنا لا يؤكل، والمخبز الموجود في عين ترما لا يوفر الخبز بنوعية جيدة”.
ويعد توقف الأفران في بعض المناطق سببًا آخر يدفع سكان ريف دمشق إلى مخابز دمشق، وهو ما أكدته صحيفة “تشرين” الحكومية، حين نشرت تقريرًا مصوّرًا أظهر خروج العديد من الأفران عن الخدمة في ريف دمشق كمخبز “سيدي مقداد”، و”سبينة”.
الحكومة تبرر الطوابير
في 15 من أيلول الماضي، أعلن مدير المخابز، زياد هزاع، أن وضع الخبز في “تحسن”، نافيًا وجود نقص في الطحين ومستلزمات صناعة الرغيف من دقيق وخميرة ومحروقات، وقال إن جميعها مؤمّنة بما يغطي حاجة القطر، ويجري التوزيع بشكل عادل رغم العقوبات الاقتصادية، وفقًا لما نقلته صحيفة “الوطن“.
وأرجع هزاع الازدحام الشديد على المخابز إلى “زيادة الطلب على الخبز والاستجرار الكبير له في الآونة الأخيرة”.
وفي 13 من نيسان الماضي، أطلق وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق، عاطف النداف، وعودًا حول آلية توزيع مادة الخبز على المواطنين بعد ورود شكاوى من المواطنين تتحدث عن انخفاض كمية الخبر المخصصة.
ووعد النداف حينها بدراسة لجعل كمية الخبز المُباعة عبر “البطاقة الذكية” مفتوحة لكل عائلة بحسب احتياجاتها اليومية، بدلًا من تحديدها بحسب عدد الأفراد.
لكن نظام “الشرائح” الجديد قلّص الكميات الموزعة على المواطنين بدلًا من زيادتها، على عكس جميع الوعود الحكومية بعدم المساس برغيف الخبز.
ويبلغ متوسط الدخل الشهري حاليًا للمواطن السوري نحو 150 ألف ليرة سورية، ويصل الحد الأدنى للرواتب إلى 20 ألفًا و300 ليرة سورية، والحد الأعلى إلى 663 ألف ليرة، وفق إحصائيات نشرها موقع “SalaryExplorer“.
ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة للاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2019، يعيش 83% من السوريين تحت خط الفقر، ويحتاج 11.7 مليون سوري إلى شكل من أشكال المساعدة، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية والمأوى.
تحذير من ارتفاع معدل الفقر في سوريا
حذّر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، من ارتفاع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سوريا إذا لم تتوفر “مساعدة عاجلة”.
وقال البرنامج، عبر حسابه الرسمي في “تويتر”، في 31 من آب الماضي، إن 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ومن دون مساعدة عاجلة
وأضاف أنه من الممكن أن ينزلق أكثر من 2.2 مليون إلى حافة الجوع والفقر.
ولفت إلى أن أسعار المواد الغذائية في سوريا وصلت إلى “مستويات قياسية”، بينما تعتبر المساعدات التي يقدمها البرنامج “أمرًا بالغ الأهمية لمساعدة العائلات التي لم يتبقَّ لها شيء بعد سنوات من الصراع”.
ويعرف مستوى الفقر بأنه أدنى مستوى من الدخل يستطيع به الفرد أن يوفر مستوى معيشة ملائمًا.
مناقصات لشراء القمح
تلجأ حكومة النظام السوري لتغطية احتياجاتها من القمح باستيراده، وفي 12 من آب الماضي، طرحت “المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب” في سوريا مناقصة جديدة لشراء 200 ألف طن من القمح الليّن لصناعة الخبز.
وشملت المناقصة دول الاتحاد الأوروبي ودول منطقة البحر الأسود، وحُدد الموعد النهائي لتقديم عروض الأسعار في 9 من أيلول الماضي، وفقًا لما نقلته وكالة “رويترز“.
وطرحت المؤسسة مناقصة منفصلة لشراء الكمية نفسها من روسيا، وكان آخر موعد لتقديم العروض في 14 من أيلول الماضي، بينما اشترطت المؤسسة في كلتا المناقصتين أن يكون تقديم الأسعار والدفع بالدولار الأمريكي حصرًا.
واشترطت أن تصل الشحنات المطلوبة خلال 60 يومًا من تاريخ تأكيد الطلبية، إضافة إلى دفع مبلغ “تأمينات مؤقتة” بقيمة ستة دولارات لكل طن معروض، أو ما يعادلها باليورو، وفق نشرة الأسعار الصادرة عن مصرف سوريا المركزي.
وهذه المرة الثانية التي تطرح “المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب” مناقصة لشراء القمح خلال شهرين، إذ أعلنت، في نهاية حزيران الماضي، عن مناقصة لشراء القمح من روسيا بالكمية نفسها.
وتؤمّن حكومة النظام القمح عبر طريقتين، الأولى من خلال شرائه من الفلاحين، إذ رفعت سعر شراء القمح من 400 إلى 425 ليرة.
أما الطريقة الثانية فكانت لجوء الحكومة إلى توقيع عدد من العقود مع روسيا لاستيراد القمح، بعضها كان على شكل مساعدات.
وكان مدير “المؤسسة السورية للحبوب”، يوسف قاسم، أوضح أن سوريا استوردت من روسيا، خلال عام 2019، مليونًا و200 ألف طن من القمح، وهي ذات منشأ روسي بالكامل، بقيمة 310 ملايين دولار.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :