مطالبة بالأرض يقابلها تعنّت العودة
استغلال روسي- إيراني لسبب خفي أشعل اشتباكات الجنوب
عنب بلدي- علي درويش
تعزى اشتباكات تجري في بلدة القريا جنوبي السويداء على الحدود الإدارية مع درعا، إلى محاولات “اللواء الثامن”، المدعوم روسيًا، كبح النفوذ الإيراني في المنطقة، لكن أسبابًا خفية تتعلق بسيطرة “اللواء” على أراضٍ تمثل رمزية تاريخية لأهالي محافظة السويداء تقف وراء التوتر.
وتجددت الاشتباكات، في 29 من أيلول الماضي، إثر هجوم شنه عناصر من ميليشيا “الدفاع الوطني” الرديف لقوات النظام على نقاط تابعة لـ”اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” ، وتطورت لمواجهة بين “اللواء الثامن” الذي يشكل عناصره أغلبية من درعا، وحركة “رجال الكرامة” صاحبة النفوذ في السويداء.
ما أصل التوتر؟
لا حدود إدارية بين سهل حوران (درعا) وجبله (السويداء)، لكن الأرض التي تتمركز فيها قوات “الفيلق الثامن”، بقيادة النقيب أحمد العودة، في القريا، لها رمزية تاريخية لدى أهالي السويداء، وتمركز قوات العودة في المنطقة يثير استفزاز أهالي السويداء، بحسب ما أوضحه الناشط المدني وأحد منسقي بيان “حسن الجوار بين سهل وجبل حوران“، الصادر في نيسان الماضي، عهد مراد، في حديث إلى عنب بلدي.
وتعود رمزية الأرض إلى أنها أنهت خلافًا بين السهل والجبل، إذ قدمها مواطنون من درعا “دية” لسلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية الكبرى عام 1925، الذي ينحدر من القريا، نتيجة مقتل اثنين من أهالي السويداء.
ويعتبر مشايخ السويداء ووجهاؤها أن سيطرة العودة على هذه الأرض تلغي الاتفاق التاريخي بين المحافظتين الجارتين، لأن استمرار تمركزه في الأرض يعني أنه يريد استعادتها، حسب الناشط عهد مراد.
وبدأت الاشتباكات عندما تعرضت نقاط الحراسة التابعة لـ”الفيلق الحامس”، في 29 من أيلول الماضي، لهجوم وصفه العودة بأنه “هجوم واعتداء بجميع أنواع الأسلحة من ثلاثة محاور”.
ونفى العودة احتلال قوات “الفيلق الخامس” أراضي في بلدة القريا، قائلًا إن قواته أجرت عمليات “رد وردع، بالحد الأدنى من القوة، للمهاجمين”، وذلك عبر فيديو عرضته شبكات محلية، في 2 من تشرين الأول الحالي.
وأُنشئت نقاط حراسة داخل هذه الأرض، حسب العودة، بالتنسيق مع الجانب الروسي، بعد اقتتال آذار الماضي بين الطرفين، وطُلب من أهالي السويداء أن يشتركوا مع “الفيلق” بنقاط الحراسة، لكنهم رفضوا، وبقي عناصر “الفيلق” في نقاطهم “لمنع حوادث القتل والخطف في السهل والجبل”، بحسب العودة.
لكن الناشط عهد مراد قال، إن أول مزارع من أهالي القريا توجه لزراعة الأرض قُتل، ولم تُحصد الأرض في مناطق سيطرة العودة إلا بوجود الدوريات الروسية.
مساعٍ سبقت الاشتباك لمنعه
حذر مشايخ السويداء، خلال محادثات سابقة بين وجهاء المنطقتين أو مع وسيط روسي، من أن العودة إذا لم يسحب نقاط قواته من أرض القريا (المتنازع عليها حاليًا)، سيحاول أهالي القريا استعادتها بقوة السلاح.
وعلى الرغم من دخول عدة وساطات لخروج العودة من الأرض، ومنها عشائر في الأردن، والتحذير من عواقب استمراره في السيطرة عليها، لم يلقَ ذلك أي تفاعل، واستمر العودة في السيطرة على الأرض.
وفي نيسان الماضي، صدر بيان “حسن الجوار بين سهل وجبل حوران” بعد عقد عدة اجتمات بين وجهاء المحافظتين.
ونص البيان على ضرورة إنهاء ملف المخطوفين، وتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة شؤون المخطوفين، والبحث في ملابسات الاقتتال الذي حصل أواخر آذار الماضي قرب بلدة القريا، والذي وقع نتيجته 15 شخصًا بين قتيل وجريح، وإنشاء مشاريع مشتركة، ودعوة المجتمع لتحمل مسؤولياته في قضايا حسن الجوار، إلا أن عمليات الخطف استمرت.
كما طلب مشايخ العقل من وجهاء درعا في اجتماع “بيان حسن الجوار” انسحاب العودة من المنطقة، كي لا يستفز أهالي الجبل، وأن يبعد مدفعيته وأسلحته عن مرمى القريا لتبدأ المفاوضات، وإلا ستكون المفاوضات تحت تهديد سلاح العودة.
وقُدمت ورقة تضمنت تحذيرًا من حصول اشتباكات في القريا، للممثل الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وبلدان إفريقيا ونائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، ولوزارة الدفاع الروسية، لكن الروس لم يحركوا ساكنًا في القضية، حسب الناشط عهد مراد.
ويحمّل مراد الروس مسؤولية الاقتتال، لأنهم لم يتجاوبوا مع الطلبات المتكررة، واكتفوا بإرسال دوريات للمكان دون تغيير على الأرض.
شرارة إيرانية أجّجت الاشتباكات؟
وقال أحمد العودة عبر فيديو نشرته شبكات محلية، في 2 من تشرين الأول الحالي، إن “أيادي سوداء” دخلت لتعكر صفو الجارتين، و”لتشعل نار الفتنة والحرب، متمثلة بعصابات الفتنة والخطف، وعصابات إرهابية مسلحة خارجة عن القانون”.
وحذر العودة أهالي “جبل حوران” من استخدامهم كأدوات لتنفيذ أجندات لجهات أكبر، كـ”حزب الله” اللبناني و”مرتزقة إيران وأذرعها الأمنية”.
وبحسب عهد مراد، عزل النظام السوري ضابط الارتباط (الضابط الذي ينسق بين الفصائل المحلية الرديفة لقوات النظام)، وعيّن وجيه غانم بدلًا عنه قبل الاشتباك بعشرة أيام، ووُزعت أسلحة من قبل “حزب الله” في الجنوب لسوري، وهو ما يؤكد أن “حزب الله فاعل في المشكلة”، وأن الإيرانيين يستغلون تعنّت العودة وتجاهل الروس للتدخل في الجنوب.
وبدأت الاشتباكات عندما تعرضت نقاط الحراسة التابعة لـ”الفيلق الحامس”، في 29 من أيلول الماضي، لهجوم وصفه العودة بأنه “هجوم واعتداء بجميع أنواع الأسلحة من ثلاثة محاور”.
ونشرت صفحة حركة “رجال الكرامة”، في اليوم نفسه، بيانًا عبر صفحتها في “فيس بوك”، قالت فيه إنها دفعت بمئات المقاتلين إلى مواقع القتال، بعد اشتباكات بين شباب البلدة و”اللواء الثامن”.
ونعت “رجال الكرامة” ثمانية من عناصرها قُتلوا في محيط القريا نتيجة الاشتباكات مع عناصر “الفيلق”، وذكر “تجمع أحرار حوران” مقتل أحد عناصر “اللواء الثامن”.
واعتبر محافظ درعا السابق، علي الصلخدي، في حديث إلى عنب بلدي، أن الهجوم هدفه الفتنة بين السهل والجبل، وكثير من أهل السويداء لم يعرفوا تفاصيل الاشتباك وجيّشوا بالحمية.
اشتباكات سابقة
وليست المرة الأولى التي تشهد فيها المنطقة توترًا، إذ قُتل أحد عناصر مجموعة مسلحة هاجمت نقطة لـ”الفيلق الخامس” بين بصرى الشام والقريا في نيسان الماضي، وتدخلت دورية روسية لفض الاشتباك.
وفي 28 من آذار الماضي، دارت اشتباكات بين فصائل محلية من السويداء و”الفيلق الخامس”، ما أدى إلى وقوع 15 قتيلًا وجريحًا، بسبب الخطف المتبادل بين بصرى الشام بريف درعا والقريا بريف السويداء.
وحمّلت حركة “رجال الكرامة” في محافظة السويداء، التي تعتبر أكبر التشكيلات العسكرية المحلية من أبناء المحافظة، قائد “اللواء الثامن”، أحمد العودة، المسؤولية آنذاك.
لماذا تستند روسيا إلى العودة؟
أوضح الباحث في الجامعة الأوروبية وفي معهد “الشرق الأوسط” والمتخصص في ديناميكيات الجنوب السوري عبدالله الجباصيني، في حديث إلى عنب بلدي، أن هنالك عدة عوامل تحد من تمدد الميليشيات المدعومة من إيران بما فيها “حزب الله” في ريف درعا الشرقي.
أول تلك العوامل رغبة روسيا بالحفاظ على الوضع الراهن في درعا لاعتبارات وتفاهمات إقليمية، واتباع “اللواء الثامن” خطة أمنية “معقّدة وفعّالة نسبيًا”، لإحكام السيطرة على منطقة نفوذها الأساسية شرقي محافظة درعا، ومنع تغلغل إيران و”حزب الله” بشكل كامل.
إضافة إلى موقف قيادة “اللواء الثامن” الواضح من وجود إيران و”حزب الله” في درعا، ودورها التعبوي في استقطاب مقاتلي فصائل المعارضة السابقة والهاربين والمتخلفين والمطلوبين للخدمة العسكرية على مستوى المحافظة، لكبح عمليات التجنيد التي تقوم بها إيران و”حزب الله”، وبالتالي تقليص نفوذهما في جنوبي سوريا.
وتعتبر إيران و”حزب الله” المنطقة الجنوبية ذات أهمية جيواستراتيجية، وخط جبهة عسكرية لأي مواجهة محتملة مع إسرائيل.
ونصت “التسوية”، التي سيطر بموجبها النظام على محافظة درعا في تموز 2018 بوساطة روسية، على إبعاد الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” عن الحدود السورية- الأردنية بين 40 إلى 60 كيلومترًا، بحسب ما ذكره محافظ درعا السابق، علي الصلخدي، في حديثه إلى عنب بلدي.
كما أن دول الأردن والإمارات والسعودية تطالب روسيا بتنفيذ تعهداتها السابقة، بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية، حسب الصلخدي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :