هل يغرق أصحاب "الممانعة"

موجة “التطبيع” تخيّم على سوريا ولبنان

camera iconرئيس النظام السوري بشار الأسد وأمين عام حزب الله، حسن نصر الله (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – لؤي رحيباني

رافق “إطار الاتفاق” الذي أعلنته كل من بيروت وتل أبيب، والذي ينص على ترسيم الحدود بين الطرفين، الكثير من التساؤلات عن مصير دول ترددت فيها شعارات “الممانعة” و”المقاومة” على مدى عقود، في تطور دراماتيكي قد يغير بوصلة الأحداث بالمنطقة.

أجواء الاتفاق حملت معها جملة مؤشرات تشي بتغير واضح في تعاطي لبنان مع الجانب الإسرائيلي، فصفات “الكيان الصهيوني” أو “العدو الإسرائيلي” المعتادة في خطابات لبنان كدولة عربية، خلت من كلمة رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، طوال فترة المؤتمر الصحفي.

يضاف إلى ذلك ما ذكرته “القناة 12” الإسرائيلية، أن “حزب الله” منح موافقة ضمنية على إبرام اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، في 1 من تشرين الأول الحالي، عن التوصل إلى إطار للمفاوضات حول اتفاق يرسم الطريق للمفاوِض اللبناني لترسيم الحدود البرية مع إسرائيل.

وقال بري، في مؤتمر صحفي نقلته “الوكالة الوطنية للإعلام”، إن المفاوضات ستجري برعاية الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أن الجيش اللبناني سيقود المفاوضات، والولايات المتحدة الأمريكية ستعمل على إيجاد أجواء إيجابية لإنجاح المفاوضات التي ستجري برعاية أممية.

من جانبه، أكد وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، أن المحادثات مع لبنان ستكون بوساطة أمريكية، “لإنهاء نزاع طويل حول الحدود البحرية بين البلدين”.

ومن المتوقع إجراء المحادثات بعد عطلة “عيد العرش” اليهودي، التي تنتهي في 9 من تشرين الأول الحالي، بحسب شتاينتز.

ولم يصدر أي تعليق من “حزب الله” بشأن ما أوردته القناة الإسرائيلية، كما لم يعلّق النظام السوري على موضوع ترسيم الحدود،

إلى حين كتابة التقرير.

تنازل بإكراه دولي

ما تم إعلانه، في 1 من تشرين الأول الحالي، بين لبنان وإسرائيل، يمكن ترجمته بأنه تنازل صريح من بيروت عن مواقفها لمصلحة تل أبيب، وتذليل للعقبات أمام طريق الأخيرة.

ويرى الكاتب والصحفي اللبناني منير ربيع في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يجري هو نتيجة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية على لبنان، وسط الأزمة الاقتصادية التي يعيشها.

وأكد أن هناك ضغوطًا كبيرة على القوى السياسية في لبنان لتحجيم نفوذ إيران من خلال تحجيم “حزب الله”، موضحًا أن هذه الضغوط ستستمر حتى تقدم إيران والحزب تنازلات سياسية وعسكرية وأمنية.

وقال ربيع، “اللافت أن ماكرون عندما دعا حزب الله لأن يكون حزبًا سياسيًا بدلًا من أن يكون ميليشيا تقاتل إسرائيل وتقاتل في سوريا، فإن في ذلك إشارة إلى رفع الضغط عن الحزب”، مشيرًا إلى أن الشروط الأمريكية الموضوعة منذ عشر سنوات هي ذاتها، “وما حصل هو تعديلات طفيفة، وما كان غير موافق عليه من قبل أصبح موافقًا عليه اليوم”.

كما أشار الصحفي اللبناني إلى أن قبول بري والحزب بالمفاوضات مع إسرائيل لم يتم إلا بضغط إيراني على الحزب.

بدوره، يذهب الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان إلى أن مساعي ماكرون في موضوع ترسيم الحدود، ستكون ضربة كبيرة بحق “المقاومة”، وستؤثر على شعبيتها بالنسبة لجمهور الحزب الذي يعتبر حاضنته، بمعنى أن دور الحزب بنظر حاضنته مرتبط ارتباطًا وثيقًا بدور الحكومة اللبنانية (لكونه جزءًا كبيرًا منها)، وبالتالي يحمل ذات المسؤولية.

وأوضح شعبان، الذي يعمل مديرًا لوحدة المعلومات في مركز “عمران للدراسات”، بمقابلة مع عنب بلدي، أن عملية ترسيم الحدود ستتم تحت إشراف دولي من أجل ضبطها، أي تقويض حركة “حزب الله” في المنطقة، وبالتالي فإن الأخير “لم يعد يستطيع استخدام هذه الحدود بعد الآن”، وفق تعبيره.

وكان “حزب الله” في أكثر مناسبة يستخدم الحدود “العشوائية” المذكورة في تهديد إسرائيل بضربها بالصواريخ، كرد على ضربات إسرائيلية لمواقع عسكرية له في سوريا.

رواية المقاومة- الفصل الأخير

لعل أبرز رسالة يحملها الاتفاق هو سحب سلاح “حزب الله”، كسبيل للوصول إلى التهدئة في المنطقة، وسط صخب التدهور الذي تشهده في شتى الأصعدة.

وقال المحلل العسكري السوري العميد حاتم الراوي، إن “أهم خطوة في هذا الترسيم هو نزع السلاح من حزب الله لأنه لم يعد مبررًا”، لافتًا إلى أن شعارات “المقاومة” و”الممانعة” انتهت.

وأضاف الراوي في حديث إلى عنب بلدي أن أمريكا بهذه المرحلة انتهت من الفوضى الخلاقة، التي كانت أدواتها روسيا وإيران والنظام السوري، وبدأت بإبعادها، وأردف “بدأت بتنظيم (الدولة الإسلامية) وأنهته، والوجود الإيراني بدأ يضمحل في سوريا”.

من جانبه، توقع الكاتب الصحفي منير ربيع، أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، سيأتي إلى لبنان، وسيمارس الضغط على القوى السياسية اللبنانية وبعض المسؤولين في المجتمع المدني.

كما رجح أن أمريكا وإسرائيل سوف تطرحان شروطًا عديدة خلال جلسة التفاوض حول سلاح “حزب الله” وصواريخه الدقيقة ونطاق عمل قوات الطوارئ الدولية “يونيفيل” (UNIFEL).

وأردف ربيع في معرض حديثه، “لا بد من أن اتفاقية ترسيم الحدود تتعلق بسلاح (حزب الله)، خاصة أن موضوع سلاحه طُرح على طاولة المفاوضات منذ تفجيري بيروت وعين قانا، وفي كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول الضغوط الأمريكية والأوروبية بما فيها الفرنسية على الحزب”، مشيرًا إلى أن سحب سلاح الحزب سيكون مؤجلًا لوقت بعيد.

بينما لفت إلى أن شروط الغرب سترتبط بأن التنقيب عن الغاز يحتاج إلى استقرار، وبالتالي وجوب إبعاد السلاح.

كما وصف المفاوضات المقبلة بأنها ستكون “شاقة وطويلة”، وأنها ترتبط بموقف “حزب الله” وإيران من أمريكا، واستطرد، “سنشهد تطورات كبيرة في الأشهر المقبلة لا ترتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، بل بما بعدها، لأنه لا يمكن القبول ببقاء إيران بهذا الشكل لا في سوريا ولا في لبنان”.

هل تهرول “المقاومة” إلى حضن إسرائيل؟

“ترسيم الحدود سيقود إلى اتفاقيات أخرى تتعلق بإرساء الاستقرار، ما يعني اعتراف لبنان بإسرائيل وحدودها”، وفق قول الكاتب والصحفي اللبناني منير ربيع، الذي يفترض أن المسؤولين اللبنانيين قد يجدون الخلاص بالذهاب إلى هذه المفاوضات وبدء طريق التطبيع “بشكل غير مباشر”.

وتابع ربيع، “بمراجعة نظرية وحدة المسار والمصير، فإن النظام السوري سيخطو نفس الخطوات اللبنانية كطريق للخلاص، ويتجسد ذلك بالتفاوض مع إسرائيل”.

رؤية ربيع تتوافق مع وجهة نظر العميد حاتم الراوي، إذ توقع الأخير أن “سوريا ذاهبة للتطبيع مع إسرائيل، وستسبق لبنان بخطوات ولو لم يصدر كلام مباشر حول ذلك”، على حد تعبيره.

وكان الرئيس اللبناني، ميشال عون، قال، في 16 من آب الماضي، خلال مقابلة مع شبكة “بي إم إف تي في” الإخبارية الفرنسية، إنه يجب حل المشاكل مع إسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق سلام معها.

وكذلك أوضح الكاتب والمحلل السياسي عبد الفتاح أبو طاحون لعنب بلدي، أن الاتفاقية المعلَنة في أحد جوانبها تبدو على غرار اتفاقيات ترسيم الحدود الأولى في العام 1949، التي سميت باتفاقيات “رودوس” والتي ظهرت حدود إسرائيل الأولى بموجبها، وقال، “وبطبيعتها في ذلك الوقت كانت بمثابة اعتراف ضمني  بدولة الكيان، واليوم ذهاب لبنان إلى اتفاقية كهذه يؤهل لاعتراف ضمني بدولة الكيان، ويخلق أجواء تؤهل لاتفاقية سلام وتطبيع”.

وفي 13 من آب الماضي، أعلنت الإمارات وإسرائيل عن تبادل العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتطبيع العلاقات على الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية، وكذلك على صعيد السياحة والتجارة والبيئة والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة.

كما لحقت دولة البحرين بالإمارات في التطبيع مع إسرائيل، إذ أعلنت المنامة وواشنطن، في 11 من أيلول الماضي، التوصل إلى اتفاق ثلاثي مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل بعد أقل من شهر على خطوة إماراتية مماثلة.

ترسيم الحدود.. وتاريخ النزاع

في كانون الثاني من عام 2018، عمل لبنان على الضغط داخليًا وخارجيًا للدفاع عن حقول الغاز في مياهه الإقليمية بالبحر الأبيض المتوسط على حدود مياه إسرائيل الإقليمية، المتمثلة بالقطاع “رقم 9” (خريطة).

لكن وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، صرح حينها بأن هذا القطاع تعود ملكيته إلى إسرائيل، مشددًا على عدم أحقية لبنان في استخراج الغاز منه، ما دفع الحكومة اللبنانية إلى منح رخصتين للتنقيب عن النفط في القطاعين “4” (شمالي لبنان) و”9″ (أقصى جنوبه) لتحالف شركات “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتك” الروسية.

وتبع الخطوة اللبنانية في ذلك الوقت اعتراض وزارة الدفاع الإسرائيلية، إذ قالت إنه “لا يحق للبنان استثمار النفط في البلوك رقم 9”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة