بعد ارتفاع الأسعار..
“الجلة” والزعتر والنايلون.. تحضيرات لموسم البرد
خرجت أم عبدو من خيمتها مجبرة على أداء المهمة، عليها مساعدة ابنتها مرام ذات التسع سنوات وأن تحتمل رائحة “الجلة” الكريهة التي عجنتها طفلتها طوال النهار.
كانت “الطبابيش” (أقراص الجلة) موزعة بشكل منسق على الأرض، ورائحتها تطغى على المكان بانتظار جفافها بفعل أشعة الشمس، مشهد عرفته أم عبدو في طفولتها لكنها لم تتوقع أن تراه مجددًا وأن تحتاج إليه لاستبداله بالوقود في الشتاء المقبل.
قالت أم عبدو لعنب بلدي، إن أمها وجداتها في بلدة الدانا بريف معرة النعمان كن يحضرن “الجلة” لاستخدامها في إشعال نار التنور بعد تغطيتها بالحطب، إلا أن ارتفاع الأسعار المستمر في المنطقة جعلها مادة أساسية للطهو والتدفئة لكل النازحين في مخيم “الرمضون” ببلدة كفرعروق شمال إدلب.
ما هي “الجلة”؟
عجينة سوداء تجمع روث البقر والماعز مع التبن والماء، بعد أن تبلل وتخمر لليلة على الأقل لتصبح قابلة للعجن، ثم ترص في قالب يحولها إلى أقراص تُنشر تحت أشعة الشمس حتى جفافها لتخزن وتستخدم لإشعال النار.
تنتاب أم عبدو نوبات الربو والحساسية من الرائحة القوية، ورغم أن “الجلة” لا تخفي رائحتها حتى بعد الجفاف وعند الاحتراق، “فإننا مضطرون، فالغاز والحطب غاليا السعر، ونحن بحاجة إلى تدفئة أبنائنا”.
يحصل سكان المخيم على روث الدواب من جيرانهم البدو والرعاة الذين يربون الأبقار والأغنام، ومن لا يتمكن من الحصول على مكونات “الجلة”، يتجه للبحث عن طرق أخرى للاستعداد للشتاء.
الزعتر والنايلون وشجار على الأغصان
خلال ثلاثة أشهر فقط ارتفعت أسعار الغاز والوقود خمس مرات في المنطقة، بحجة انخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، التي استبدلتها حكومة “الإنقاذ” بالعملة السورية إثر انخفاض قيمتها منذ تموز الماضي، ووصلت إلى 7.8 ليرة تركية مقابل الدولار نهاية أيلول الماضي.
وبلغ سعر ليتر المازوت المستورد 4.6 ليرة تركية، وجرة الغاز 65 ليرة، حسب نشرة الأسعار التي حددتها شركة “وتد” للمحروقات، في 24 من أيلول الماضي.
لا تتمكن أغلبية العائلات التي تسكن المخيمات من تأمين الوقود، لذا يعمل أبناؤها على جمع الأغصان وشجيرات الزعتر اليابسة التي تنتهي فائدتها مع خامس موسم للقطاف.
إلا أن رحلات الحصاد تلك تؤدي إلى مشاجرات بين النازحين وأهالي القرى على تقاسم القش والأغصان الجافة، حسبما قال عبد الرازق محمد الرمضون، مدير مخيم “الرمضون”، لعنب بلدي.
ومن لا يستطيع من العوائل النازحة، من كبار السن والأرامل، تحمل متاعب الجمع، يتجه للأسواق لشراء الأحذية القديمة أو الفحم الرخيص أو مخلفات الزيتون (البيرين).
وتبلغ تكلفة طن “البيرين”، وفق تقدير مدير مخيم “الشيخ إدريس” في خربة ماعز، محمود نايف السيد، 100 دولار، وسعر طن الحطب 150 دولارًا، وهو ما لا يقدر على تحمله النازحون، الذين يسعون في العام الحالي لتخزين ما تدفؤوا عليه عام 2019، وهو نفايات النايلون.
تجمع العائلات في المخيم النايلون من مكبات النفايات، رغم خطورة دخانه على الصحة، حسبما قال السيد لعنب بلدي، وأضاف “تقدم لنا المنظمات دروسًا لمعالجة فيروس كورونا لكنها لا تقدم علاجًا للفقر”.
ووفق تقييم مبادرة “REACH” لحاجات النازحين الجدد، نهاية أيلول الماضي، فإن 75% من الأسر لا تملك وقود التدفئة، وذكر تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، الصادر في 9 من أيلول الماضي، أن ارتفاع أسعار الوقود والخبز والمواصلات “همّش” الفقراء واستثناهم في المنطقة.
أسهم في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في ريف إدلب إياد عبد الجواد
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :