سرطان بطيء النمو.. ماذا تعرف عن تليّف النقي

تليّف النقي
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

قد يكون فقر الدم من أكثر الاضطرابات الدموية مشاهدة بين الناس، ومع أن معظم الحالات تكون بسيطة ويتم علاجها بشكل عرضي من قبل الطبيب أو الصيدلاني، فإن هناك حالات نادرة قد تكون ناجمة عن أمراض مهددة للحياة، لذلك يجب تحري نوع وسبب فقر الدم عند كل مريض، ومن الحالات المهددة للحياة تليّف نقي العظم أو ما يعرف بالتليّف النقوي.

ما هو مرض تليّف نقي العظم

التليّف النقوي (MF- Myelofibrosis) هو سرطان بطيء النمو يحدث عندما تتكاثر الأرومات الليفية (Fibroblasts) ويترسب الكولاجين في نقي العظم (نخاع العظم) المسؤول عن إنتاج خلايا الدم، ونتيجة لذلك فإن النقي الذي يتخذ شكل الإسفنج بشكل طبيعي يصبح مندبًا، ما يوقف قدرته على إنتاج خلايا الدم السليمة، فيحدث فقر الدم الحاد الذي من شأنه أن يصيب المريض بالضعف والإرهاق، كما يمكن أن يسبب انخفاض عدد خلايا تخثر الدم التي تعرف باسم الصفيحات الدموية، وهذا ما يزيد من خطورة التعرض إلى النزيف، ويترافق ذلك مع الحؤول النقياني (ظهور الخلايا الجذعية للنقي) في الكبد والطحال والعقد اللمفاوية، حيث تصبح هذه الأعضاء أماكن فعالة لتكون الدم من خارج النقي.

هذا المرض غير شائع، إذ يقدر معدل انتشاره بحوالي 4-6 أشخاص من كل 100 ألف نسمة، ويبلغ العمر الوسطي عند التشخيص 60 عامًا (50-70 عامًا)، ويتم تشخيص أكثر من 90% من المرضى بعد سن 40 عامًا، ومع ذلك، تم الإبلاغ عن إصابات في جميع الفئات العمرية.

ما أسباب تليّف النقي؟

يحدث تليّف النقي نتيجة طفرات في جينات الخلايا الجذعية لنقي العظم، ولكن أسباب حدوث هذه الطفرات غير واضحة، ويمكن أن يحدث تليّف النقي بشكل بدئي عند شخص لا يعاني من أي مرض سابق فيسمى تليّف النقي الأولي (مجهول السبب)، ويمكن أن يتطور بشكل ثانوي لمجموعة متنوعة من الأمراض فيسمى تليّف النقي الثانوي.

أهم العوامل التي تزيد خطر تطور تليّف النقي الثانوي:

  • اضطرابات خلايا الدم: يصاب عدد قليل من المرضى ممن لديهم تليّف نقوي بالحالة كجزء من المضاعفات الناجمة عن كثرة الصفيحات الأساسية المجهولة السبب، أو كثرة الكريات الحمر الحقيقية (فيرا)، أو الابيضاض النقوي المزمن.
  • الأورام اللمفاوية: لمفوما هودجكن والأورام اللمفاوية غير هودجكن.
  • النقائل السرطانية إلى نقي العظم.
  • العدوى: التدرن المعمم، أو فيروس نقص المناعة المكتسبة.
  • أذية النقي السمية: نتيجة التعرض للأشعة أو البنزول أو الفسفور المشع أو ثاني أكسيد الثوريوم.
  • أمراض الغدد الصماء/ التمثيل الغذائي: فرط نشاط الغدة الدرقية، الحثل العظمي الكلوي، نقص فيتامين D.
  • أمراض النسيج الضام: كالذئبة الحمامية الجهازية.

ما أعراض تليّف النقي؟

في المراحل المبكرة قد يكون المرض من دون أعراض، وعادة ما تبدأ الأعراض خلسة، وتتطور خلال بضع سنوات، حيث تتظاهر أولًا بأعراض فقر الدم، ثم ثقل في البطن نتيجة لضخامة الطحال (عند نحو 85% من المرضى) وضخامة الكبد (عند 50% من المرضى وتترافق باضطراب وظيفة الكبد كارتفاع الفسسفاتاز القلوية مثلًا)، وقد تشاهد ضخامة العقد اللمفاوية (عند نحو 10% من المرضى فقط)، وتشمل الأعراض والعلامات:

  • الضعف والإرهاق.
  • الشحوب وضيق النفس.
  • آلام عظمية.
  • الكدمات وسهولة النزف والفرفريات.
  • العدوى المتكررة.
  • ألم تحت الأضلاع على الجانب الأيسر.
  • الشعور بالامتلاء بعد تناول كمية قليلة من الطعام.
  • الوذمات.

أما في المراحل المتقدمة للمرض فيعاني المرضى من أعراض عامة حادة (الشعور بالضيق العام، وفقدان الوزن، والتعرق الليلي، والحمى)، علامات تضخم الطحال الهائل (الشبع المبكر، الألم، احتشاء الطحال، ارتفاع ضغط الدم البابي وضيق التنفس)، يرقان، النقرس (ارتفاع مستوى حمض البول)، التليّف النقوي الجلدي (وهو حالة جلدية نادرة تتميز بعقيدات جلدية وتحت جلدية)، ارتفاع ضغط الدم الرئوي، التحول إلى سرطان الدم (ابيضاض الدم النقوي الحاد)، والموت المبكر.

كيف يشخص تليّف النقي؟

فحص تعداد الدم الكامل (CBC): قد يشاهد عند التشخيص فقر دم معتدل الشدة، يتراوح مقدار الخضاب فيه بين 9 إلى 13 غ/ دل، مع مستويات منخفضة بشكل غير طبيعي من خلايا الدم الحمر، ويختلف تعداد الصفيحات فقد يكون سويًا أو مرتفعًا وقد يصل إلى المليون إلا أنه ينزع إلى الانخفاض مع ترقي المرض، ويرتفع عدد الكريات البيض إلى 15- 30 ألفًا/ ملم 3 عند معظم المرضى وقد يصل إلى 70 ألفًا/ ملم 3، وعلى الرغم من أن تعداد الكريات البيض لا يبقى ثابتًا، فإنه لا ينزع إلى الانخفاض كما هي الحال بالنسبة إلى الحمر والصفيحات.

اللطاخة الدموية المحيطية: تكون الكريات الحمر سوية الحجم سوية الصباغ مع اختلاف في شكلها، وتكثر مشاهدة الكريات الدمعية، والأرومات الحمر السوية.

بزل النقي: يكون من الصعب الحصول على بزلة النقي بسبب التليّف رغم أن خلوية النقي قد تكون مفرطة.

خزعة العظم: تـظهر تليّفًا وتصلبًا، ولكن قد لا يتم توزع التليّف بشكل موحد، وبالتالي قد تحتاج الخزعة إلى تكرار من موقع مختلف.

الصور الشعاعية للهيكل العظمي: زيادة كثافة العظام (قد تكون غير مكتملة وتؤدي إلى ظهور مرقش).

التحاليل المخبرية الكيماوية: يكون مستوى الفسفاتاز القلوية ضمن الحدود السوية أو مرتفعًا (على خلاف الابيضاض النقوي المزمن حيث يكون منخفضًا)، ويكون مستوى الفيتامين B12 والبروتين الرابط له سويًا أو مرتفعًا قليلا (بعكس ما يشاهد في الابيضاض النقوي المزمن حيث يكون مرتفعًا بشدة)، أما حمض البول فغالبًا ما يرتفع.

كيف يمكن علاج تليّف النقي؟

إذا لم تظهر أي أعراض أو علامات فقر الدم أو تضخم الطحال أو أي مضاعفات أخرى، يفضل ترك المريض دون علاج، مع المراقبة الدقيقة من قبل الطبيب عن طريق فحوص واختبارات دورية لتحري أي علامات لتطور المرض.

أما عند ظهور الأعراض فيتم علاجها كالتالي:

  • فقر الدم: نقل الدم المتكرر، إعطاء الأندروجينات (الهرمونات الذكرية)، ويمكن أن يساعد إعطاء اللينابيدوميد والتاليدوميد، ويمكن الجمع بين هذه الأدوية والستيروئيدات.
  • ارتفاع الكريات البيض: يمكن اللجوء إلى البوسلفان أو الهيدروكسي يوريا.
  • ضخامة الطحال: قد تقلل أدوية العلاج الكيميائي (روكسوليتينيب) حجم الطحال المتضخم وتخفف من الأعراض ذات الصلة مثل الألم، وإذا أصبح حجم الطحال كبيرًا للغاية فقد يتم استئصاله جراحيًا، إلا أنه لا ينصح بذلك لما يسببه من تضخم شديد في الكبد وارتفاع شديد في تعداد الصفيحات، ما يؤدي إلى الخـُثـَار، وعندما لا تكون الجراحة متاحة قد يتم تشعيع الطحال للقضاء على الخلايا وتقليل الضخامة، إلا أنه لا يفضل اللجوء إلى التشعيع بسبب ما يحتاج إليه المريض من مقادير عالية من الأشعة التي غالبًا ما تؤدي إلى انخفاض شديد في تعداد الكريات البيض والصفيحات.

العلاج الشافي لتليّف النقي هو زرع النقي أو ما يسمى زرع الخلايا الجذعية، وهو إجراء يتضمن استبدال خلايا دم جذعية سليمة من متبرع (زرع الخلايا الجذعية الخيفية) بنخاع العظم المصاب، وقبل زرع نقي العظم يتم تطبيق علاج كيميائي أو إشعاعي لتدمير أي نقي عظم مُعتل ثم تنقل الخلايا الجذعية من متبرع متوافق.

ومع أن هذا الإجراء هو علاج شافٍ، فإن له بعض السلبيات، أهمها أنه ينطوي على مخاطر كبيرة مهددة للحياة، ومن بينها خطر أن تُحْدِث الخلايا الجذعية الجديدة رد فعل عكسيًا لدى تفاعلها مع أنسجة الجسم السليمة، والأمر الآخر أنه لا يُعد كثير من المصابين بالتليّف النقوي مؤهلين لهذا العلاج، وذلك بسبب العمر أو مشاكل صحية أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة