مواد البناء بيد الروس؟

دمشق.. الإيجار أوفر من ترميم المنازل المتضررة من الحرب

camera iconمبان مدمرة في الغوطة الشرقية لدمشق (EPA)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خولة حفظي

“ما إن دوّى صوت القذيفة حتى امتلأ المكان بالغبار وتطاير الزجاج في كل مكان، وصار السطح مكشوفًا للسماء، وبات ترميم سطح البيت حلمًا يتجدد في كل عام مع قدوم موسم الشتاء، ولا نستطيع ترميمه لارتفاع الأسعار عامًا بعد عام”.

بهذه الكلمات روت زينة غازي، امرأة مقيمة في حي باب توما بدمشق القديمة، لعنب بلدي، معاناتها مع ارتفاع أسعار مواد البناء، ما يحول دون ترميم سطح منزلها.

وقالت السيدة الأربعينية إن أسعار مواد الترميم والبناء ارتفعت في العام الحالي بشكل لا يوصف، حتى صار الأمر صعبًا ومرهقًا، والآن هي مخيرة بين تحمل ارتفاع التكاليف أو استمرار المعاناة في موسم الشتاء الذي تنهمر فيه الأمطار وتتسرب إلى داخل المنزل.

أحضرت زينة متعهدًا قبل أيام، وقدر تكلفة ترميم سقف المنزل، الذي تبلغ مساحته نحو 80 مترًا، بـ400 ألف ليرة سورية (نحو 200 دولار).

معاناة زينة لم تكن الوحيدة، إذ يعد ترميم المنازل في سوريا، التي دمرت الحرب جزءًا كبيرًا منها، أمرًا مكلفًا، لا سيما مع موجة الغلاء التي أدّت إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية في سوريا.

حل إسعافي

مع اقتراب موسم الشتاء يلجأ كثير من السكان إلى ترميم أسطح بيوتهم تلافيًا لسقوط الأمطار وتسربها إلى البيوت، ما أسهم بارتفاع أسعار مواد البناء مؤخرًا نظرًا لزيادة الطلب.

وقال تاجر مواد بناء ومقاول (تتحفّظ عنب بلدي على نشر اسمه لدواعٍ أمنية)، إن أسعار مواد البناء شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في سوريا منذ حزيران الماضي.

وسجّل سعر طن الحديد أربعة ملايين ليرة سورية بعد أن كان 700 ألف ليرة، بينما وصل سعر كيس الأسمنت إلى سبعة آلاف ليرة سورية بعد أن كان نحو ثلاثة آلاف.

وارتفع سعر المتر المكعب من مادة البحص من ستة آلاف ليرة سورية إلى تسعة آلاف و500 ليرة، بحسب تاجر البناء المقيم في دمشق.

وتشهد قيمة الليرة السورية تراجعًا أمام الدولار الأمريكي (يستقر سعر الصرف حاليًا عند 2200 وسطيًا)، ما أثر على ارتفاع أسعار مواد البناء، لا سيما المستوردة منها.

كيف ارتفعت تكاليف المواد

صرّح الخبير في الاقتصاد الهندسي محمد الجلالي، أن أسعار مواد البناء ارتفعت بنسبة 100%، مع تقلب أسعار الصرف منذ ثلاثة أشهر تقريبًا، بحسب ما قاله لصحيفة “الوطن” المحلية، في 16 من آب الحالي.

وأوضح محمد الجلالي أن المنتجين اتجهوا للتكيف مع تكاليف الإنتاج الجديدة، واستمروا برفع أسعار مواد البناء على الرغم من تحسن الليرة فيما بعد (كان سعر صرف الدولار تخطى ثلاثة آلاف مطلع حزيران الماضي)، ولا تزال الأسعار ترتفع رغم استقرار سعر الصرف، نتيجة التراجع الحادّ في العرض لمواد البناء.

وأشار الجلالي إلى أن تكلفة المتر المكعب من “البيتون” ارتفعت من 120 ألف ليرة إلى 250 ألف ليرة، بنسبة تجاوزت 108%، في حين ارتفع سعر طن الحديد من 600 ألف ليرة إلى 4.1 مليون ليرة، أي بنسبة تزيد على 133%، وارتفع سعر كيس الأسمنت من 2500 ليرة إلى قرابة 5500 ليرة، أي بنسبة نحو 120%.

أما أسعار “البلوك” فهي مرتبطة بسعره في المعمل وقياساته، إضافة إلى تكلفة النقل إلى الموقع والتحميل والتنزيل، وقد ارتفعت الفاتورة الإجمالية لمواد البناء بنسبة تزيد على 150%، وتصل إلى 170% أحيانًا.

ولفت الجلالي إلى أنه في المقابل، تراجع الطلب على مواد البناء بحدود 50%، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.

وأشار إلى أن الأسعار بشكل عام يحددها العرض والطلب، ورد فعل الطلب على أي شيء يحدث في السوق يتسم بالسرعة، وبمجرد حدوث تقلب في سعر الصرف يتأثر الطلب مباشرة.

وكان الخبير العقاري عمار يوسف، أوضح لـ”الوطن”، أنه ليست هناك أي بوادر حاليًا لانخفاض أسعار مواد البناء، بل من الممكن أن ترتفع أكثر.

وأكد الخبير العقاري أن الطلب على مواد البناء في الوقت الحالي هو بالحدود الدنيا، وذلك نتيجة تذبذب سعر الصرف، لافتًا إلى أن حركة البناء ضعيفة حاليًا في المناطق المنظمة، وتقتصر فقط على مناطق المخالفات.

أذونات ترميم في مناطق دمشق القديمة

تشترط محافظة دمشق منح أذونات الترميم والإصلاح الطارئ لعقارات ومقاسم ضمن دمشق القديمة للحفاظ عليها بالتعاون مع مديرية الآثار، إذ يتقدم صاحب العلاقة بطلب إلى مركز خدمة المواطن العائد للمدينة القديمة، وتطلب منه ثبوتيات تتعلق بإثبات الحيازة للعقارات السكنية والتجارية.

الإيجار أوفر من ترميم المنزل

مع عودة الهدوء بشكل نسبي إلى بلدات الغوطة، لجأ كثير من السكان إلى ترميم منازلهم ولو بشكل نسبي، ليتجبنوا تكاليف الإيجارات المرتفعة.

فادي العبد الله، مقيم في الغوطة الشرقية، قال لعنب بلدي، “عند العودة إلى بيتي، لم يكن وضع البيت كما غادرته إطلاقًا، فمشاهد الدمار الذي حلّ بالمنزل فوق المتوقع، عدا عن أن البيت لم يعد مكسوًا”.

وأضاف، “المنزل غير المدمّر بالكامل يحتاج إلى إعادة إعمار وإكساء جديد، لم يبقَ في منزلي سوى الأساسات بينما أغلب الجدران والأبواب منزوعة أو مختفية بالكامل، فقررنا أن نرمم المنزل بشكل ذاتي بعد غياب الأمل بإعادة إعمار النظام لبيتنا”.

“أحضرنا شخصًا لأخذ قياسات الأبواب والشبابيك، لنرممها بعد أن أخذنا قرارًا بالعودة إلى بيتنا في الغوطة، لكننا ذهلنا بالتكلفة العالية”، وتابع العبد الله متحسرًا، “سيكلفنا كل باب ألمنيوم 220 ألف ليرة سورية، وبناء الدعامات 150 ألفًا، أما بناء الجدران فيصل إلى 300 ألف”.

يحتاج المنزل إلى ثلاثة أبواب ألمنيوم و11 دعامة، ولذلك أضاف ساخرًا “لك أن تتخيلي الأرقام الهائلة مع ارتفاع أسعار مواد البناء والترميم حاليًا، وأمام هذه الأرقام التي عجزنا عن دفعها وجدنا أن الإيجار أفضل لنا من هذه التكاليف الباهظة”.

مشاريع الترميم الذاتية من أهالي الغوطة جاءت لدى بعضهم بعد انقطاع الأمل بإعادة إعمار المنازل المتضررة بسبب المعارك وحملات قصف النظام السوري.

وكانت محافظة ريف دمشق قدرت عدد أهالي الغوطة الشرقية ممّن عادوا إليها بنحو 20 ألفًا، بحسب تصريحات للمحافظ، علاء منير إبراهيم.

وأكد إبراهيم أنه ستُتخذ الإجراءات اللازمة لعودة بقية الأهالي، ومن ضمنها فتح الطرقات وترميم المدارس والبنى التحتية.

لكن الحكومة لم تفِ بوعودها كما تحدّث كثير من سكان الغوطة، لعنب بلدي، وما زالت عمليات الترميم في إطار المبادرات الفردية من أصحاب العقارات والممتلكات.

الحديد والأسمنت بيد الروس؟

منعت اللجنة الاقتصادية في الحكومة السورية استيراد الحديد (اللفائف الملس والمحلزنة)، مبررة قرارها بـ”حماية الصناعة الوطنية، نظرًا لوجود إنتاج محلي وفق أعلى المعايير العالمية”، وذلك استنادًا إلى دراسة تقدّمت بها وزارة الصناعة في حكومة النظام السوري.

واعتبر الباحث الاقتصادي أدهم قضماتي، في حديث إلى عنب بلدي، أن القرار سيفتح المجال بشكل أكبر أمام الشركات الروسية للسيطرة على السوق السورية بشكل كامل، وأن الشركات الروسية استثمرت بمادة الحديد في سوريا وذلك بحسب اتفاقية عام 2018.

وأوضح أن الاتفاقية تضمنت إقامة مصانع في مجال صهر الحديد وما يتعلق به، ما يعني أن هذه المعامل باتت جاهزة لتزويد السوق السورية بهذه المواد، وقد حصر النظام السوري تجارة الحديد في السنوات السابقة بأشخاص مقربين منه، وفقًا لقضيماتي.

وتوقع الباحث الاقتصادي أن يصدر النظام السوري قرارًا مشابهًا يخص الأسمنت، لا سيما أن مسؤولين روسًا صرحوا منذ سنوات أنهم عقدوا اتفاقيات مع حكومة النظام السوري لاستخراج الأسمنت، وأنهم يطمحون إلى تصديره للعالم.

واعتبر قضماتي أن النظام السوري لو أراد الحفاظ على الصناعة الوطنية “كما يدعي” لكان بإمكانه أن يفرض المزيد من الضرائب على هذه المواد اللازمة للبناء بشكل خاص في سوريا، بدلًا من منع استيرادها.

ولفت الباحث الاقتصادي إلى أن النظام يهدف بقرار منع استيراد الحديد إلى إخلاء السوق السورية من هذه المواد، لتنحصر فقط بالشركات الروسية، فهذه المواد تدخل بصعوبة إلى سوريا وخاصة بعد العقوبات الدولية على النظام السوري بموجب قانون “قيصر”، الذي ينص على فرض عقوبات على كل من يبرم عقودًا تتعلق بإعادة الإعمار في المناطق التي يسيطر عليها النظام وحلفاؤه أو إقامة مشاريع متعلقة بالبناء والهندسة.

أما عن التوقعات بانخفاض سعر الحديد بعد منع استيراده، فيرى المحلل الاقتصادي أن ذلك سيتوقف على ما ستقوم به الشركات الروسية المستثمرة في هذا المجال، من طرح لهذه المواد في السوق السورية، وموازنة تلك الشركات بين تكلفة إنتاج هذه المواد والعوائد التي تريد تحقيقها من السوق السورية.

وأصدر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة تسيير الأعمال، طلال البرازي، في 29 من آب الحالي، قرارًا برفع سعر كيس الأسمنت الذي يباع للمستهلك من مؤسسة “العمران” من 2300 ليرة ليصبح بنحو 3500 ليرة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة