“كورونا” ينشط صناعات في سوريا.. هل تسهم بزيادة النشاط الاقتصادي؟
عنب بلدي – علي درويش
براميل زرقاء لخلط المواد الكيماوية، وعبوات بلاستيكية مصطفة على رفوف معمله الصغير، في مدينة إدلب شمال غربي سوريا، معبأة بالمواد الأولية. بدأ طالب الكيمياء عبد الرحمن، المهجر من مدينة عربين بغوطة دمشق الشرقية، بإنتاج مواد تعقيم، بعد ظهور جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19).
خبرة عبد الرحمن السابقة بصناعة المنظفات بدائية، ودراسته للكيمياء كانت منطلقًا لإنتاجه المعقمات في معمله، خاصة بعد ارتفاع أسعارها وزيادة الطلب عليها من قبل الأهالي، حسبما تحدث به لعنب بلدي.
استطاع عبد الرحمن تصنيع المعقمات بعد تأمين المواد الأولية، مشيرًا إلى أن عمليات الإنتاج تحتاج إلى ماكينات وأدوات متطورة وخطوط إنتاج، لكن بخبرة سابقة وأدوات بدائية، أمّن جزءًا من حاجة المنطقة إلى المعقمات.
وزاد الطلب على المعقمات، بحسب عبد الرحمن، من قبل المنظمات والمحلات التجارية والمستشفيات والمدارس، بعد ظهور إصابات بفيروس “كورونا” في مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا.
نجاح عبد الرحمن في تصنيع المعقمات، تزامن مع نشأة عدة مشاريع لتأمين مستلزمات منع انتشار “كورونا”، سواء في مناطق سيطرة النظام أو المعارضة.
ماكينات الخياطة تبدأ العمل مع زيادة الطلب على الكمامات
سبع ماكينات خياطة أخرجها أحمد عبد الرحمن، النازح من مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، صارت حاليًا 55 ماكينة، وشغّلت نحو 60 عاملًا وعاملة (15 عاملة) في إدلب.
وقال أحمد لعنب بلدي، إنه درس تكاليف تصنيع الكمامات، ثم استقطب عددًا من الخياطين إلى المشغل، ثم وسّع المشغل وزاد عدد الماكينات، بعد ارتفاع الطلب على الكمامات.
ولم يقتصر إنتاجه على إدلب فقط، وطلبت منه طلبيات من العراق ومحافظة دير الزور شمال شرقي سوريا، إلا أن قطع الطرقات بسبب الفيروس أوقف عملية التصدير.
ينتج معمل أحمد عشرة آلاف كمامة يوميًا، لتلبية حاجة السوق المحلي، إذ ارتفع الطلب على الكمامات بعد الإعلان عن إصابات بالفيروس في مناطق سيطرة المعارضة، وهو واحد من عدة مشاغل تحولت لإنتاج الكمامات في المنطقة.
مناطق النظام.. تطوع وتفعيل إنتاج المستلزمات
شهدت مناطق سيطرة النظام نشاطًا في إنتاج الكمامات ومواد التعقيم، وتراوح ذلك بين الأعمال التطوعية للجمعيات والمؤسسات الخيرية والمدارس المهنية، إضافة إلى زيادة إنتاج معامل الألبسة ومعامل المواد الكيماوية الحكومية.
وافتتحت محافظة دير الزور في مدرسة المدينة النسوية، في 13 من آب الحالي، ورشة لتصنيع الكمامات القماشية التي يمكن استعمالها عدة مرات، وفي السويداء شُكّلت ورشة من الكادر التدريسي والطلاب في المدرسة المهنية لإنتاج الكمامات، إضافة إلى مبادرات من قبل جمعيات خيرية في ريف دمشق والحسكة وبقية المناطق، حسب صحيفة “تشرين” الحكومية.
وفعّل مستشفى “المواساة الجامعي” في دمشق عمل ورشات الخياطة في المستشفى بتصنيع الكمامات، وأدى إنتاجها اليومي إلى تأمين الكمامات لجميع الكادر التمريضي والطبي والإداريين والمستخدمين، حسب حديث مديره العام، عصام الأمين، لصحيفة “الوطن” المحلية، في آذار الماضي.
وخصصت عدة شركات ألبسة خطًا لإنتاج الكمامات الطبية، منها “الشركة الصناعية للملبوسات الجاهزة بحلب” (زنوبيا وشمرا)، بقدرة إنتاج 100 كمامة بالدقيقة، حسب “تشرين“.
ورُخّصت خلال الربع الأول من العام الحالي ثلاث منشآت صناعية متخصصة بإنتاج المعقمات والمطهرات في محافظة حمص، إلى جانب وجود 13 منشأة أخرى تصل طاقتها الإنتاجية السنوية الإجمالية إلى 3083 طنًا، ومنشأة واحدة تعمل في إنتاج وتصنيع الكمامات المعقمة التي تستعمل لمرة واحدة بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 900 ألف كمامة، حسب حديث مدير الصناعة بحمص، بسام السعيد، لصحيفة “الوطن“، في نيسان الماضي.
وكان الصناعي عاصم طيفور انتقد قرار إيقاف آلة إلكترونية تقدم بها أحد الصناعيين لإنتاج الكمامات، ووُضعت في شركة “الدبس” في دمشق، وتنتج 300 كمامة في الدقيقة، لكن السلطات أوقفتها، رغم عدم تكليفها الحكومة ليرة واحدة.
بيئة مناطق المعارضة حاضنة أفضل اقتصاديًا
يرى الباحث الاقتصادي مناف قومان، في حديث إلى عنب بلدي، أن صناعة المستلزمات الطبية (الكمامات والمعقمات) لا تسهم بشكل فعال في دفع العجلة الاقتصادية أو تنشيط الاقتصاد المحلي.
وأوضح قومان أن هذه الصناعات مختصة بالقطاع الطبي بشكل رئيس، كما أنها مقتصرة على منتج واحد في هذا القطاع، ولا تشمل هذه الصناعة كامل القطاع الطبي.
في بلدان أخرى، من الوارد أن تسهم الصناعات الطبية في تنشيط الحركة الاقتصادية، نتيجة تعدد المواد والمستلزمات المنتجة، لأن هناك شركات تنتج دواء، وشركات تصنع “منافس”، ومنها مختصة بالأجهزة الطبية، وأخرى للكمامات، أما في سوريا فهي مقتصرة في معظمها على صناعة الكمامات والمواد المعقمة.
ومع بداية انتشار “كورونا” عالميًا، بدأت شركات “فورد” و”فولكس فاغن” و”تويوتا” و”جنرال موتورز” و”فيات” العالمية بإنتاج أجهزة التنفس وأقنعة الوجه.
وتتميز بيئة مناطق المعارضة بأنها زراعية بالدرجة الأولى، ومن الأراضي الزراعية يمكن أن تنشأ صناعات غذائية، وهي لا تحتاج إلى رأس مال كبير، ويمكن أن يستطيع الشخص إنشاء مشروع صغير وأكبر من ذلك، حسب قومان.
أما في مناطق سيطرة النظام، فالعقوبات المطبقة عليه من قانون “قيصر” وغيرها من العقوبات السابقة، ستقلص بشكل كبير كل الصناعات في مناطق سيطرته، وحتى الصناعات الجديدة التي يمكن أن يستثمرها.
والمنشآت الصناعية بشكل عام تحتاج إلى مواد أولية، وهي تحتاج إلى استيراد من الخارج، وعملية الاستيراد من الخارج تحتاج إلى فتح حسابات مصرفية واعتمادات مالية، وهذه صعبة كثيرًا في المرحلة المقبلة بسبب قانون “قيصر”، بحسب قومان.
كما أن مناطق سيطرة النظام صارت طاردة للاستثمارات والصناعات، باستثناء الصناعات التي يقوم بها النظام نفسه، دون توجه على الإطلاق نحو السياسات الاستثمارية والصناعات وسواها.
أما بالنسبة لمناطق سيطرة المعارضة فهناك فرصة “كبيرة وثمينة جدًا” فيما يتعلق بإنشاء مصانع والعناية بالصناعات، خاصة الغذائية والزراعية، وبهذا السياق يمكن القول إن مناطق المعارضة هي بيئة حاضنة للعمل، حسب قومان.
ووصل عدد مصابي “كورونا” في مناطق سيطرة النظام إلى 1515 إصابة، شفي منها 403 حالات، وتوفي 58، حسب بيانات وزارة الصحة.
بينما سجلت مناطق سيطرة المعارضة 51 إصابة بالفيروس، حتى تاريخ 15 من آب الحالي، حسب شبكة “الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :