كيف خالف قانون “حماية وإدارة أملاك الغائب” الملغى القوانين السورية

camera iconأبنية سكنية مطلة على نهر الفرات في مدينة الرقة شمالي سوريا-9 من تموز 2020 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

بعد أسبوع من إصداره، ألغت “الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا” قانون ”حماية وإدارة أملاك الغائب” لإدارة أملاك الأشخاص المقيمين خارج سوريا، في مناطق سيطرتها، على أن تعيد النظر في القانون وصياغته من جديد، “ليواكب تطلعات وحقوق أبناء المنطقة”.

قرار الإلغاء جاء بسبب الضجة الإعلامية واللغط الحاصل في الأوساط الحقوقية والقانونية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات والتجمعات المختصة والأوساط الشعبية والمغتربين، بالإضافة إلى التداعيات التي يمكن أن تحصل من جراء تطبيق القانون، والناجمة عن سوء فهمه والاختلاف في تفسير مواده، بحسب بيان صادر عن “الإدارة الذاتية” اليوم، الأربعاء 12 من آب.

نص القانون على تشكيل لجنة “حماية أملاك الغائب” بقرار من “المجلس التنفيذي” التابع لـ”الإدارة الذاتية”، مؤلفة من 11 شخصًا من مناطق سيطرة “الإدارة”، يترأسها “قيمان” بالأعمال الإدارية، تعمل على حصر أملاك وأموال الغائبين، و”صيانتها والحفاظ عليها”، وتنظر في الاعتراضات المقدمة لها من المتضررين من القرارات الصادرة عنها، وتتبعها لجان فرعية في مناطق سيطرة “الإدارة”.

ويتابع “القيمان المشتركان” أعمال اللجنة، بتكليف من “المجلس التنفيذي”، إداريًا وماليًا، ويكونان مخولين برفع جميع الدعاوى القضائية وتقديم كل الدفوع القانونية “للحفاظ على أملاك الغائب وحمايتها”، ولا تملك الحق في بيع أو شراء أملاكه.

ويعاقب القانون بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسة ملايين ليرة سورية، أو بكلتا العقوبتين، “كل من تستر أو تصرف أو أجّر أملاك الغائب خلافًا له”.

حقوقي مطلع قال لعنب بلدي إن “الإدارة الذاتية” بوصفها سلطة أمر واقع تسيطر على جزء من الأراضي السورية، ليست لديها شرعية محلية أو إقليمية أو دولية تخولها إصدار “قانون” تلزم به أفراد الشعب السوري ومؤسسات وأجهزة الدولة السورية، وتفرض عقوبات على من يخالفها، لأن إصدار مثل هذه التشريعات منوط بالسلطة التشريعية المنبثقة عن دستور أقره الشعب السوري.

من هو “الغائب” قانونيًا

أضاف الحقوقي أن القانون تضمن سلسلة من المغالطات والانتهاكات الحقوقية التي تشكل اعتداء غير مقبول على حرية وأملاك السوريين.

إذ عرّف القانون مصطلح “غائب” على أنه كل شخص يحمل الجنسية السورية أو من في حكمه من مكتومي القيد المجردين من الجنسية السورية بإحصاء عام 1962، ويقيم إقامة دائمة خارج سوريا، ولا يقيم أحد من أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا.

وأشار إلى أن هذا التعريف هو تعريف مبتدع وإقصائي يستهدف في حقيقته المسافر وليس الغائب الذي يعتبره القانون بأنه الشخص الذي “منعته ظروف قاهرة من الرجوع إلى مقامه أو إدارة شؤونه بنفسه أو بوكيل عنه مدة أكثر من سنة، وتعطلت بذلك مصالحه أو مصالح غيره”.

وبالتالي أغفل القانون المعيار الجوهري في اعتبار المسافر غائبًا، وهو منعه من العودة لظروف “قاهرة”، واعتمدت معيارًا “شاذًا” لاعتبار الشخص غائبًا بإقامته الدائمة خارج سوريا، ولو كانت بإرادة الشخص نفسه.

ولذلك فإن هذا التعريف “المبتدع” يمكّن “الإدارة الذاتية” من اعتبار جميع خصومها السياسيين المقيمين خارج مناطقها أو الهاربين من سلطتها لسبب أو آخر “غائبين” وتنتهك أملاكهم.

فضلًا عن أن الشرط الذي وضعه القانون في المادة “14” حتى يستفيد المواطن السوري من أملاكه، وهو عودته وإقامته في سوريا، يعتبر انتهاكًا صريحًا لحرية الإنسان بالتنقل المصانة بالمادة “13” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة “12” من “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”.

أحكام الغائب

وردت الأحكام الخاصة بالغائب في كل من القانون المدني وقانون الأحوال الشخصية السوريين.

في القانون المدني

نصت المادة “379” من القانون المدني السوري على أنه “لا يسري التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية، أو في حق الغائب”، وتفيد هذه المادة بأن حقوق الغائب وأمواله لا تسقط ولا تزول بالتقادم مهما امتد الزمن، بحسب المحامي السوري أحمد صوان.

كما نصت المادة “34” على أنه “تسري في شأن المفقود والغائب الأحكام المقررة في قوانين خاصة، فإن لم توجد فأحكام الشريعة الإسلامية”، وهذا يعني أن القانون المدني أعاد الاختصاص بشأن المفقود إلى قانون الأحوال الشخصية.

في قانون الأحوال الشخصية

عرّفت المادتان “202” و”203″ من قانون الأحوال الشخصية السوري “الغائب” على أنه الشخص الذي تُعرف حياته، ولكن ليس له محل إقامة ولا موطن معلوم، أو الذي يكون له محل إقامة أو موطن معلوم في الخارج، إنما استحال عليه أن يتولى شؤونه بنفسه.

وقال المحامي أحمد صوان، في حديث إلى عنب بلدي، إنه بعد مرور مدة سنة على غياب الشخص بما يعطل مصالحه، يُصار إلى أحد احتمالين، إما أن يكون الغائب قد ترك وكيلًا عنه أو لم يترك.

فإن كان الغائب ترك وكيلًا عامًا، فإن المحكمة تحكم بتثبيت هذا الوكيل متى توفرت فيه شروط العدل والأهلية الكاملة، وإذا لم يكن قد ترك وكيلًا عامًا، تصدر المحكمة حينها قرارًا بتعيين “وكيل قضائي عن الغائب”.

والوكيل القضائي هو النائب الشرعي عن المفقود والغائب، لعجزهما عن التصرف بأموالهما للفقد أو الغياب، ويستأذن وكيل الغائب القاضي في كل تصرف من تصرفاته، مع بطلان التبرعات من مال الغائب مطلقًا، فإذا حضر الشخص من الخارج انتهت غيبته وتولى شؤون نفسه بنفسه.

تعدٍّ على الملكية والحقوق

أعطى قانون “الإدارة الذاتية” الملغى لـ”لجنة حماية أملاك الغائب” الحق في تأجير واستثمار الأملاك، ووضعها في خدمة “تنمية المجتمع” دون تغيير أوصافها.

وأورد في المادة “12” أن الغائب يفقد حقه في ريع أملاكه “دون المساس في أصل الحق”، إذا لم يحضر هو أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى والثانية، خلال مدة أقصاها سنة متواصلة، ولا تُسلّم الأموال إلا بعد أخذ موافقة رئاسة “المجلس التنفيذي” الموجودة بدائرة “أملاك الغائب”.

المحامي أحمد صوان أوضح أن السيطرة على ربع أملاك الشخص الغائب من واردات وثمار وغلة وإيجارات اعتداء على حقه، لأن حق الملكية تصونه كل القوانين والدستور، ولا يبرر الغياب لأي سلطة أن تضع يدها على أملاك الغائب مهما كان المبرر.

وأشار إلى عدم شرعية القانون، لأنه صادر عن سلطة “الأمر الواقع” التي تنفذ إرادتها “بسطوة السلاح”، كما أنها سلطة لا شرعية انتخابية لها، وليس من صلاحيتها إصدار القوانين بالأصل.

تمييز ديني وطائفي

نصت المادة “19” من قانون ”حماية وإدارة أملاك الغائب” الملغى على تكليف لجنة ممثلة عن السريان والآشوريين والأرمن الموجودين في مناطق شمال شرقي سوريا، بإدارة أملاكهم وفق أحكام القانون، وتتخذ اللجنة قراراتها فيما يخص بيع وشراء واستثمار أملاكهم.

الحقوقي المطلع قال إن “الإدارة الذاتية” مارست تمييزًا دينيًا وطائفيًا، بمعاملتها أملاك السريان والآشوريين والأرمن معاملة تفضيلية، ما يعني أن المستهدف من القانون هو أملاك المسلمين فقط.

وهذا يدل على تمييز ديني وطائفي مدان ومستهجن لإخلاله بمبدأ المساواة بين السوريين، ويتنافى مع كل المواثيق والأعراف الدولية، وخاصة المادة “2” من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة “26” من “العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية”، بحسب قوله.

كيف يحافظ المغتربون على أملاكهم

المحامي أحمد صوان أشار في حديث لعنب بلدي إلى أنه لا مجال اليوم للغائبين إلا المحافظة على مستندات ملكياتهم العقارية، من سند ملكية، وبيان قيد عقاري صادر عن المصالح العقارية، أو وكالة بيع لدى الكاتب بالعدل، أو قرار حكم بتثبيت الشراء، أو عقد عادي مذيّل ببصمة أو توقيع وشهود، أو أي إيصال صادر عن البلدية أو المالية، والمطالبة بحقوقهم على المستوى الدولي، كالأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة