كيف تفاقمت المشكلة العقارية خلال سنوات النزاع السوري

tag icon ع ع ع

رياض علي

صحيح أن المشكلة العقارية في سوريا ليست وليدة النزاع الدائر حاليًا، إلا أن هذا النزاع أرخى بظلاله على هذه المسألة أيضًا، وفاقم من حجمها وزادها تعقيدًا. فإن كان تملك عقار للسكن أو للاستثمار يشكل حلمًا صعب المنال للكثير من السوريين في السابق، إلا أنه وبعد نشوب الحرب في سوريا بات الحفاظ على تلك العقارات وملكيتها، يشكل هاجسًا أكبر وكابوسًا يفرض نفسه على الكثير من المالكين الذين فقدوا عقاراتهم أو الوثائق التي تُثبت تملكهم لها.

قبل انطلاق الثورة السورية عام 2011، كانت مشاكل السوريين المتعلقة بالعقارات تتمثل بشكل رئيس في السكن العشوائي المبني بمناطق المخالفات، وتعدد المالكين للعقار الواحد بسبب البناء في أراضٍ غير مخصصة لذلك وعدم قدرة المالكين، لا سيما ذوي الدخل المحدود، على إجراء معاملات تصحيح الأوصاف والإفراز وتقسيمه بينهم نظرًا لتكاليفها الباهظة وإجراءاتها المعقدة.

ولم تتعامل الدولة السورية مع هذه المشاكل بروح المسؤولية، كما لم تحاول البحث عن الحلول الواجب اتخاذها لعلاجها، بل عمدت إلى ترك المالكين تحت رحمة المسؤولين، لاسيما ضعاف النفوس منهم، الذين استخدموا تلك المخالفات “القانونية” كوسيلة لابتزاز المواطنين وسرقة أموالهم، وإضافة لذلك أصدرت الحكومات السورية المتعاقبة العديد من القوانين التي نصت في ظاهرها على إعادة التنظيم والتخطيط العمراني، لكنها كانت في جوهرها بمثابة وسيلة لسلب ممتلكات المواطنين ونهبها بشكل يخالف ما تم النص عليه صراحة في الدساتير السورية المتعاقبة، التي أضفت نوعًا من القداسة على هذا الحق.

وبُعيد انطلاق الاحتجاجات والمظاهرات في عموم الأراضي السورية، لم يكتفِ النظام السوري بقتل واعتقال وتعذيب معارضيه، بل وإمعانًا في الانتقام منهم لجأ إلى كل ما خطر على باله من أساليب تُهين المواطن وتُنكّد عيشه وتجبره على النزوح واللجوء، وكان منها مصادرة ممتلكاته العقارية، سواء من خلال “محكمة الإرهاب” التي أنشأها عام 2012، والتي مُنِحَت صلاحية مصادرة ممتلكات المعارضين الذين يحاكمون أمامها حتى وإن كانوا متوارين عن الأنظار بسبب الخوف من بطش السلطات الأمنية، (مع ملاحظة أن هذه المحكمة معفاة من التقيد بالأصول والإجراءات القانونية)، أو من خلال إصدار قوانين تجيز للحكومة الاستيلاء على ممتلكات الكثير من السوريين، ومنها على سبيل المثال القانون رقم (10) لعام 2018 الذي فرض على المالكين في المناطق التي ستكون محلًا للمخططات التنظيمية، تقديم الوثائق المؤيدة للملكية ووجوب الحضور للاعتراض على القرارات المتعلقة بتقدير قيم العقارات، وغيرها من الالتزامات التي ستكون صعبة التحقيق إن لم نقل مستحيلة، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن ما يقارب نصف الشعب السوري مهجر من أماكن سكناه.

وعلاوة على ذلك فقد تعرضت الكثير من المساكن والممتلكات العامة والخاصة إلى التدمير نتيجة استخدام النظام السوري جميع أنواع الأسلحة في حربه ضد شعبه بما فيها المحرمة دوليًا، وهو الأمر الذي ترافق مع تلف وسرقة الوثائق والأوراق المؤيدة لملكية الكثير من العقارات في المناطق التي نالت نصيبها من التدمير، فضلًا عن عمليات السيطرة على العقارات والمساكن من قبل عناصر النظام وأفراد الميليشيات الموالية له، عن طريق عقود البيع والشراء التي تمت وتتم بالإكراه أو بناء على وثائق مزورة، أو من خلال استغلال غياب المالك الحقيقي نتيجة عمليات القتل والاختفاء القسري والتهجير، وللأسف تم استخدام كل هذه الأساليب من قبل الفصائل والميليشيات العسكرية الراديكالية أيضًا، المتحكمة بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

وإن قُدِّرَ لنا رؤية نور المرحلة الانتقالية التي تم النص عليها في القرارات والمواثيق الدولية الخاصة بالقضية السورية، لا سيما القرار الأممي رقم (2254) لعام 2015، سيكون من شبه المستحيل الحديث عن البيئة الآمنة والمحايدة والعودة الآمنة والطوعية والكريمة للنازحين واللاجئين السوريين، إن لم يكن بمقدورنا إيجاد حلول للكثير من الكوارث التي خلفتها الحرب، ومنها الإشكاليات العقارية التي أشرنا إليها آنفًا، أو على الأقل الغالبية العظمى منها، وهو ما سيقتضي الاستفادة من بعض النصوص الموجودة أصلًا في القوانين السورية والدستور الجديد المزمع كتابته في أروقة الأمم المتحدة، والبحث في العهود والمواثيق الدولية المؤكدة لحرمة حق الملكية، وكذلك في تجارب الدول التي مرت بظروف مشابهة لتلك التي مرت بها سوريا خلال السنوات السابقة، وذلك بهدف إيجاد الحلول التي تتلاءم وخصوصية الحالة السورية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة