ثمن استقلال سوريا من الفرنسيين دفعته في أيار.. حامية البرلمان
في أيار من عام 1945، خاضت سوريا آخر فصول الاستقلال من الانتداب الفرنسي، إذ رفضت وقتها النخب السياسية تدخل الانتداب في السلطة، وحتى فيما يخص حامية البرلمان السوري.
وبعد استسلام ألمانيا نهاية الحرب العالمية الثانية، أقام الجيش الفرنسي والقوات السنغالية في وسط مدينة دمشق احتفالات بدءًا من 8 من أيار، طاف خلالها الجنود الفرنسيون في شوارع المدينة للاحتفال بـ”حلول السلام”، فقابلت هذه الاحتفالات احتجاجات شعبية هتفت بالحرية والاستقلال، طالبت خلالها بجلاء الجيش الفرنسي عن سوريا.
اقرأ أيضًا: أول رئيس لسوريا لم يتقن العربية وحابى الفرنسيين.. ماذا تعرف عن صبحي بركات
رفض سوري- لبناني وبداية التوتر
بعد عشرة أيام من تلك الاحتجاجات، طلب المندوب الفرنسي، الجنرال بينيت، في 18 من أيار، من الحكومة السورية التوقيع على ثلاث اتفاقيات، تتعلق الأولى بضمان استقلال المنشآت الثقافية الفرنسية، والثانية بصيانة مصالح فرنسا الاقتصادية في المنطقة، والثالثة بتأسيس قواعد جوية وبحرية لها على الأراضي السورية، مع الاحتفاظ بتبعية تلك القواعد لفرنسا.
في اليوم التالي من طلب بينيت، اجتمعت الحكومتان السورية واللبنانية في قرية شتورة بمحافظة البقاع غربي لبنان، وقررتا رفض الاتفاقيات الثلاث، إضافة إلى الاحتجاج لدى الحكومة الفرنسية على إنزال الجيش الفرنسي- السنغالي في سوريا ولبنان.
وعندما عُرضت الاتفاقيات على مجلس النواب السوري، في 26 من أيار، قرر رفض الاتفاقيات أيضًا، وبررت خطب النواب ذلك برفضهم إعطاء فرنسا مركزًا سياسيًا ممتازًا في سوريا التي صارت مستقلة واعترف باستقلالها كل من الاتحاد السوفيتي القائم حينها وأمريكا وبريطانيا، بالإضافة إلى اعتراف فرنسا نفسها بذلك، وترافقت الجلسة مع خطب حماسية للنواب.
ووفقًا لكتاب “سورية والانتداب الفرنسي” للكاتب السوري يوسف الحكيم (صفحة 342)، فإن فرنسا لم تتنبه إلى أن الوضع السائد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد يسمح بالاستعمار التقليدي، فأوعزت إلى ممثليها في سوريا ولبنان اللجوء إلى القوة لإرغام كلتا الحكومتين الرضوخ لطلباتها، وذلك رغم إعلانها رسميًا استقلال البلدين.
اقرأ أيضًا: لطفي الحفار.. ساقي مدينة دمشق
امتداد الاحتجاجات
خلال انعقاد جلسة البرلمان في 26 من أيار، خرج أهالي دمشق بمظاهرات معادية للانتداب ومطالبة بالاستقلال، وتكرر ذلك في اليوم التالي، مع إضراب طلاب المدارس والمعاهد والجامعات السورية الذي امتد إلى حمص وحماة.
وتخللت المظاهرات أعمال عدائية للمظاهر الفرنسية في المدن السورية، كنزع لافتات المحلات التجارية المكتوبة باللغة الفرنسية، وحرق الكتب الفرنسية علنًا أمام دار الحكومة.
وفي اليوم الثالث من المظاهرات، أي في 28 من أيار، أُحرقت عدد من الآليات والمكاتب الفرنسية، وسحبت فرنسا موظفيها إلى أماكن آمنة محددة داخل المدينة، في حين كانت دمشق “تنتفض عن بكرة أبيها“.
اعتداء 29 من أيار
في مساء الثلاثاء، 29 من أيار عام 1945، وهو موعد انعقاد جلسة المجلس النيابي، فوجئت دمشق بإطلاق النار من الثكنات العسكرية والمواقع التي كان يشغلها الجيش الفرنسي، وشوهد الأهالي يركضون قاصدين منازلهم.
لم يتوقف القصف طوال ليل 29 من أيار ونهار اليوم التالي، وخلال القصف وجه الضابط الفرنسي أوليفر روجيه أمرًا لشرطة حرس مبنى البرلمان السوري بأداء التحية للعلم الفرنسي، فأجاب قائد شرطة البرلمان بأن التعليمات الرسمية من قبل رئيس المجلس النيابي، سعد الله الجابري، تحول دون أداء التحية لغير العلم السوري.
بعد رفض حامية البرلمان أمر روجيه، أنذرهم الضابط الفرنسي بإطلاق النار في حال عدم أداء التحية للعلم الفرنسي، فردت حامية الجيش بالتصريح بأن “أي اعتداء سيقابل بالمثل“.
بعد مدة قصيرة من ذلك التصعيد، ضُرب بالبوق لتحية العلم الفرنسي المرفوع على دار الأركان الفرنسية الذي كان مقره مقابل مبنى البرلمان، ولم تؤدِّ المفرزة السورية التحية، فرد أحد الجنود السنغاليين الموجودين أمام البرلمان بإطلاق قنبلة يدوية جرحت بشظاياها عددًا من أفراد المفرزة.
ردت المفرزة بإطلاق النار على الجندي السنغالي، الذي قُتل برصاصة الجنود السوريين، لينهال الرصاص بعدها على مبنى المجلس النيابي والقائمين على حراسته من مقر القيادة.
وقُتل نتيجة تلك المعركة 30 شرطيًا من حامية البرلمان، كما هُدم قسم من المبنى، في حين “نهبه السنغاليون، ومثلوا بجثث القتلى السوريين“.
انتقل وقتها الرئيس شكري القوتلي وعدد من الوزراء إلى قصر “خالد العظم” في سوق ساروجة، في حين غادر رئيس مجلس النواب، سعد الله الجابري، إلى بيروت بسيارة بطريرك روسيا الذي كان يزور البلاد.
وكان رئيس الوزارء، فارس الخوري، وقت المعركة في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة.
وخلال الاعتداء على البرلمان وقصف دمشق، نظم طلاب المعاهد وجامعة دمشق أنفسهم لإسعاف ونقل الجرحى، الذين كان يتقدمهم مسلم البارودي، وقُتل خلال إسعافه جرحى بالقرب من محطة حديد الحجاز.
آخر فصول الانتداب
بعد ذلك الاعتداء، تدخلت الحكومة البريطانية لحل الصراع بين فرنسا والحكومة السورية، ونتجت عن ذلك التدخل عدة مفاوضات ثلاثية أدت إلى تسلم السلطات السورية مسؤولية الثكنات العسكرية في كل البلاد، وإنشاء الجيش السوري، في 1 من آب، الذي غدا عيد الجيش.
وفي أيلول عام 1945، توصلت المفاوضات الثلاثية إلى رفع القضية لمجلس الأمن الدولي، مع تعهد فرنسا وبريطانيا بعدم استعمال حق النقض، فناقش المجلس القضية السورية واتخذ في شباط عام 1946 قراره بوجوب جلاء فرنسا وزوال الانتداب عن سوريا.
نفذت فرنسا قرار مجلس الأمن سريعًا، وسحبت آخر قواتها من سوريا في 17 من نيسان عام 1946، وهو اليوم الذي بات اليوم الوطني للبلاد.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :