“تحرير الشام” بين ناري الحاضنة والدولار.. أيهما تختار؟

camera iconمقاتل يشاهد حافلات كفريا والفوعة تخرج من المدينة - 17 من تموز 2018(afp)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

تعود قضية الخلافات على المعابر التجارية والإصرار على فتحها مع النظام السوري إلى الواجهة مجددًا في الشمال السوري، ولكن الخلاف هذه المرة ليس بين الفصائل و”هيئة تحرير الشام”، كما هو المعهود خلال السنوات الماضية عندما دارت معارك بين الطرفين بهدف السيطرة على الحركة التجارية، وإنما بين “الهيئة” ومواطنين رافضين لفتح أي معبر تجاري مع النظام.

كانت المعابر التجارية خلال السنوات الماضية مصدر دخل رئيس للفصائل التي تتحكم بها، عبر دخول مواد أساسية وغذائيات لا تخضع للتفتيش ولا لأي من القوانين الجمركية المعمول بها بين الدول، وإنما كانت تخضع لقوانين حواجز النظام السوري وقوانين الفصائل و”تحرير الشام”، ولا يمكن إدخال أو إخراج شيء دون دفع مبالغ مالية وإتاوات.

لكن هذه المعابر، سواء كانت في ريف حلب الجنوبي أو في ريف حماة الشمالي، توقفت جميعها وأُلغيت عقب تقدم قوات النظام في عدة حملات منذ نيسان 2019، إذ لم تعد تملك “تحرير الشام” أي معابر داخلية مع النظام، الأمر الذي دفعها خلال الأيام الماضية، وبعد الهدوء الذي يخيّم على الشمال السوري، بموجب الاتفاق الروسي- التركي الموقّع في 5 من آذار الماضي، للبحث عن فتح معبر تجاري، مقدمة القضية بأنها لتصدير الفائض من المنتجات.

طريقان لا ثالث لهما

“لا إله إلا الله، الجولاني عدو الله” و”المعرة حرة حرة الجولاني يطلع برا”، هتافات نادت بها جموع من المتظاهرين في عدد من المناطق بالشمال السوري، ضد “هيئة تحرير الشام” وقائدها العام، “أبو محمد الجولاني”، عقب مقتل مدني برصاص “الهيئة” وإصرارها على فتح معبر في معارة النعسان.

وتقف “تحرير الشام” على مفترق طريقين لا ثالث لهما، في ظل تصاعد الغليان الشعبي ضدها، إما فتح المعابر وملء خزينتها جراء التبادل التجاري، أو التمسك بالحاضنة الرافضة لفتح المعبر.

وكان التحرك الأول لـ”تحرير الشام” بهدف فتح معابر، في 18 من نيسان الماضي، في منطقة سراقب بريف إدلب الشرقي، التي سيطر عليها النظام خلال المعارك في شباط الماضي، أما التحرك الثاني فكان فتح المعبر في بلدة معارة النعسان.

وقوبلت تحركات “الهيئة” برفض شعبي واسع من قبل مواطنين وناشطين في المنطقتين، وصدرت عدة بيانات رافضة، كما دعا عدد من الناشطين إلى النزول والتظاهر سلميًا على الطريق احتجاجًا على فتحه.

وأسفر الرفض الشعبي عن رضوخ “الهيئة” في المرة الأولى، لكن في التحرك الثاني أصرت على فتح المعبر ودخول الشاحنات من مناطق سيطرة النظام السوري، ما أدى إلى تصاعد التوتر مع المعتصمين وإطلاق عنصر من “الهيئة” النار ضدهم، ما أسفر عن مقتل مدني وإصابة أشخاص آخرين، ليسود التوتر في إدلب وتبدأ التظاهرات ضد الفصيل وسياساتها.

وعادت “الهيئة” لترضخ مرة أخرى، وأصدرت بيانًا، في 1 من أيار الحالي، قالت فيه إنها أوقفت فتح المعبر، وتتحمل المسؤولية عما حصل من أخطاء وتجاوزات، ووعدت بمحاسبة الفاعلين.

وأكدت أنها “ترفض استهداف أي تجمع مدني بغرض الإخافة والتفريق”، ووعدت بـ”محاسبة من تجرأ وأطلق النار”.

فتح المعابر مصلحة أم حاجة

تقدم “الهيئة” تبريرات بأن فتح المعبر يأتي في مصلحة المنطقة، ووسيلة لخفض الأسعار التي ارتفعت خلال الأسابيع الماضية، وأن القرار جاء عقب عدة لقاءات جمعت مسؤوليها مع عدد كبير من شرائح المجتمع، خلال الأسابيع الماضية، بحسب ما قاله مسؤول التواصل الإعلامي في “الهيئة”، تقي الدين عمر، في مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي.

وقال المسؤول في الإدارة العامة للمعابر التابعة لـ”الهيئة”، سعيد الأحمد، إن إغلاق المعابر وعدم البحث عن تصريف لمنتجات المنطقة يعني تكدّس البضائع، ما سيدفع الناس للتوقف عن الإنتاج الزراعي، موضحًا أن “التصدير يعطي القدرة على الاستيراد، ولولا التصدير لعاش سكان المناطق المحررة على الإغاثة فقط والمساعدات”، بحسب تعبيره.

وقال الأحمد، بحسب ما نقلت عنه شبكة “إباء” التابعة لـ”الهيئة”، في 27 من نيسان الماضي، إن المناطق المحررة تستورد بضائع من مناطق سيطرة النظام بنسبة 5% مقابل 95% من تركيا، في حين تصدّر مناطق الشمال السوري 50% من المنتجات الفائضة عن حاجتها إلى مناطق سيطرة النظام السوري بنسبة 90%، وإلى تركيا بنسبة 10% فقط.

لكن وزير الاقتصاد في “الحكومة السورية المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أكد أن ارتفاع الأسعار ليس بسبب إغلاق المعابر مع النظام فقط، وإنما توجد أسباب أخرى، مثل فقدان المعارضة لريف حلب الغربي وريف إدلب، ما يعني فقدان مناطق كبيرة كانت منتجة للخضار بأنواعها.

كما أرجع المصري، في حديث إلى عنب بلدي، ارتفاع الأسعار إلى انهيار قيمة الليرة بشكل متسارع، بالتزامن مع قدوم شهر رمضان، الذي ترتفع الأسعار في بدايته عادة.

وأشار المصري إلى أن من يريدون فتح المنافذ مع النظام يتحججون بالمواطنين والوضع الاقتصادي، متسائلًا، “هل من يفتح المنافذ سيُدخل البضائع دون فرض رسوم عليها؟ طبعًا لا”.

وحدد المصري عدة مخاطر لفتح المعابر، أولها انتقال فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) من مناطق سيطرة النظام (توجد 44 إصابة بحسب وزارة الصحة)، إضافة إلى “إدخال المخدرات للمناطق المحررة”، خاصة مع إلقاء الدول المجاورة لسوريا، خلال الأسابيع الماضية، القبض على شحنات حبوب مخدرة قادمة من سوريا، فـ”النظام لن يتوانى عن إدخالها للمناطق المحررة في ظل الإمكانات المحدودة بكشف المخدرات المخبأة بطرق كثيرة”، بحسب المصري.

وتحدث الوزير عن مخاطر نقل الدولار إلى مناطق النظام للاستفادة من فرق السعر، إلى جانب تقاضي النظام الرسوم على السيارات والاستفادة منها، موضحًا أن “حواجز النظام تتقاضى من السيارات التي تدخل إلى مناطقه رسمًا يصل إلى ثمانية آلاف دولار، بالنسبة للسيارات المحملة بالزيت، وكذلك تتقاضى رسمًا على السيارات الداخلة للمناطق المحررة، باستثناء المنتجات الزراعية المنتجة في الساحل، لتشجيع دخولها وتسويقها لتنافس المنتجات في المناطق المحررة أو المستوردة”.

“الهيئة” والمعابر.. حكاية دولار

حكاية “تحرير الشام” مع المعابر ليست جديدة، فقد خاضت معارك عسكرية خلال السنوات الماضية من أجل الاستيلاء عليها، بسبب المردود المالي الناتج عن حركة التبادل التجاري.

وعملت “الهيئة” على تحييد هذه المعابر عن العمليات العسكرية الكبرى، والتفاهم عليها “ضمنيًا” مع الجانب الآخر، لإقامة حركة تجارية ورفد خزينة أموالها.

ومن أشهر المعابر التي كانت تحت سيطرة “الهيئة” سابقًا قبل سيطرة قوات النظام السوري عليها، معبر قلعة المضيق ومعبر أبو دالي ومعبر مورك بريف حماة والعيس بريف حلب الجنوبي، التي رفدت خزينة الفصيل بملايين الدولارات، بحسب صالح الحموي، القيادي السابق في جبهة “فتح الشام” (التي غيرت مسماها إلى “تحرير الشام”)، وصاحب الحساب الشهير  “أس الصراع في الشام” عبر “تويتر”.

وقال الحموي في تغريدة عبر حسابه، في 17 من نيسان الماضي، إن “الهيئة” كان دخلها من معبر مورك 800 ألف دولار شهريًا، وبلغ دخلها من معبر العيس والمنصورة وقلعة المضيق وأبو الظهور شهريًا مليونًا ونصف المليون دولار.

وكان القيادي البارز في صفوف الفصيل، “أبو العبد أشداء”، تحدث في تسجيل مصور، في أيلول 2019، عن الفساد المالي والإداري داخل “الهيئة”، وأوضح أن دخل “تحرير الشام” 130 مليون دولار شهريًا، مشيرًا إلى أن القادة احتكروا استيراد أكثر البضائع لمصلحة طائفة محددة من التجار، “ما يوقع الغلاء على الشعب”.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة