إدلب ومفترق الطرق الذاهبة إلى نهايات الصراع السوري

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

أمْر الصراع على إدلب أُجّل بقرار دولي، بسبب اجتياح وباء “كورونا” العالم، هذا التأجيل لا يمثّل تثبيتًا لمعادلة الأمر الواقع في هذه المنطقة، التي تسمى وفق اتفاقات مساري “أستانة/ سوتشي” بمنطقة “خفض التصعيد الرابعة”، التي يقع على كاهل تركيا ترتيب الوضع الأمني والعسكري والسكاني فيها، إلى حين التوصل لاتفاق شامل بين السوريين، عبر مفاوضات جنيف بين النظام السوري والمعارضة.

التأجيل لن يكون نهاية للصراع في إدلب، فتركيا لا تزال تصرّ على مطلبها، بانسحاب تام لقوات النظام السوري وميليشيات إيرانية تسانده، من المناطق التي احتلتها بمساندة روسية، فالأتراك لم يحشدوا قواتهم للاستعراض، وهم يصرّون على مطلبهم، وهذا أمر التقطته موسكو، وبنت عليه بعد المعركة الأخيرة، قبل “كورونا” بقليل، حيث رأت بأم عينيها قدرة الأتراك العسكرية المتفوقة.

ومع بداية انحسار وباء “كورونا”، سيتجدد النشاط العسكري في إدلب، وستلجأ تركيا إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، وهما إضعاف وسحق قوات النظام في إدلب، وسحق المخطط الإيراني في هذه المنطقة. لهذا سيكون سحق الطموحات الإيرانية في إدلب إشارة بدء لطرد إيران من الجغرافيا السورية.

المراقبون المتابعون لشأن الصراع السوري، يقولون إن معركة إدلب ستفتح أكثر من طريق نحو نهايات الصراع السوري. أول هذه الطرق هو سحق قوات النظام عسكريًا في إدلب، ما يمهّد لخلخلة النظام سياسيًا في دمشق، هذه الخلخلة باتت ضرورية كمطلب دولي، وكحاجة ضرورية روسية. ولا نعتقد أن معركة إدلب ستكون مجرد “قرصة أذن” تركية للنظام، بل ستكون تمهيدًا لبدء تغيير سياسي في البلاد.

التمهيد التركي لبدء تغيير معادلة الصراع السوري، يأتي على قاعدة معلنة من تفاهمات دولية على طي صفحة هذا الصراع، وهذا يتطلب فتح طريق آخر موازٍ، ويمكن اعتباره الطريق الثاني، يتمّ فيه سحق ميليشيات إيران في إدلب، ما يمهد لطردها من سوريا، وهذا أمر يدخل في صلب السياسة الأمريكية، والسياسة الإسرائيلية، فالأمريكيون حشدوا قوات كبيرة قرب البوكمال، للبدء بعمليات طرد الميليشيات الإيرانية.

الدور الروسي بات واضحًا في الصراع السوري، فالقيادة الروسية باتت على قناعة، أن أي استثمار إضافي روسي في الصراع لمصلحة النظام، سينقلب وبالًا عسكريًا على وجودها واستثمارها العسكري في هذا البلد، فلم يبقَ أمام الروس من أوراق يمكنهم كسبها، كما فعلوا في الغوطتين ودرعا وحمص، فأي لعب روسي في إدلب سيضعهم بمواجهة حقيقية مع تركيا، وهذا ما لا يخدمهم استراتيجيًا، لذلك سيتركون النظام لقبضة الجيش التركي الفولاذية.

كذلك الأمر فيما يتعلق بمنطقة “شرق الفرات”، فالروس ليسوا بوارد مواجهة عسكرية مع الأمريكيين الموجودين في المنطقة، الذين يمنعون النظام وحلفاءه من الاقتراب من منابع النفط، لهذا يمكن اعتبار أن الموقف الروسي بات أقرب بشكل كبير إلى تثبيت مكتسباته من الصراع السوري، أكثر من موقفه في المغامرة بها.

الموقف الروسي الذي تكفّلت جهات إعلامية أو دبلوماسية روسية عديدة بتوضيحه، يرتكز على ثلاث نقاط رئيسة تريدها موسكو، أو توافق عليها.

النقطة الأولى وهي مفصلية في الصراع، وتتمثل باستعداد الروس لإزاحة رأس النظام وحلقته العسكرية والأمنية القابضة على السلطة، وهذا يتطلب العثور على بديل يخدم المصالح الروسية في سوريا، ويكون على عداء مضمر أو علني لإيران ووجودها في هذا البلد.

لكنّ الروس يدركون أن العثور على بديل، لن يتمّ من دون توافق مع المجموعة الدولية ومع تركيا، وهذه هي النقطة الثانية، وهو ما سيقود حكمًا إلى إضعاف شديد للدور الإيراني والميليشياوي، الذي يراهن بقوة على الاحتفاظ بورقة الأسد المحروقة. فإيران تعرف أن النظام السوري بصورته الأسدية هو من قدّم لها التسهيلات، ومن فتح الباب لها للاستثمار السياسي والعسكري والأيديولوجي في سوريا، ولهذا تقاتل بشراسة في إدلب للاحتفاظ بأوراق تفاوضها لاحقًا في حالة الحل السياسي.

الروس يبدو أنهم التقطوا إشارات من الغرب وإسرائيل بضمان مصالحهم في سوريا مقابل رفع اليد عن طرد إيران وسحق قوات الأسد في إدلب، وهذه هي النقطة الثالثة التي تغيّر بموجبها الموقف الروسي.

لهذا، ودرءًا لعقوبات أمريكية، يفرضها قانون “سيزر” بحق كل الجهات المتعاملة مع النظام السوري، سواء كانت دولًا أو مجموعات اقتصادية أو شركات، بدأ الروس يحضّرون لمرحلة ما بعد الأسد، من خلال اتهامه على أنه نظام فاسد غير قابل للإصلاح.

الروس الذين حموا هذا النظام الفاسد، واستخدموه كورقة لفرض نفوذهم في منطقة الشرق الأوسط، باتوا يدركون بعمق أن زمن رميه في مزبلة التاريخ صار على مرمى حجر.

وفق ما تقدم، يمكننا القول، إن معركة إدلب المفترضة قريبًا، لن تكون مجرد معركة إبعاد قوات النظام وحلفائها من الميليشيات عن إدلب، بل ستكون معركة فتح طرق تذهب وتلتقي في نهاياتها بعملية تغيير سياسي شامل في سوريا، وهذا أمر يدركه النظام، وحاول تسخير الدور الروسي لتحقيق مكاسبه فيها، لكن الروس يدركون أن انزلاقهم في معركة مواجهة مع تركيا، يمكن أن تسبب لهم هزيمة لاحقة في هذا البلد.

إذًا، فإدلب فاتحة التغييرات في المشهد السياسي الكلي في سوريا، وربما (وهذا متوقع الحدوث) تتزامن المعارك القادمة، مع معارك ضد النظام وحلفه الشيعي في إدلب، ومعارك طرد إيران من سوريا، وتحديدًا من خاصرتها الشرقية في دير الزور.

مجمل هذه المعارك سيقود حتمًا إلى إجبار النظام على تقديم تنازلات كبرى في مفاوضات جنيف، أو مواجهة احتمال فرض الاستقالة عليه بالقوة، أو بالتهديد بانقلاب عسكري عليه من ضمن ضباطه الموالين له.

لكنّ الأرجح في الواقع هو الإطاحة به قبل نهاية ولايته، فهذا النظام يعرف الروس أنه نظام غير قابل للإصلاح أو تنظيف الذات، ويدركون أيضًا أن السوريين، بمن فيهم حاضنة النظام الشعبية في طرطوس واللاذقية وحمص، باتوا على قناعة أن هذا النظام سيضعهم في فم النار، ولهذا سيتخلون عنه حفاظًا على عدم تعرضهم إلى ما تُحمد عقباه.

بوابة الصراع في إدلب ستفتح طرق النهايات الأكيدة للصراع في سوريا، التي سيخرج نظام الأسد بموجبها من حكم البلاد إلى ما لا يعرفه أحد من مصير له.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة