«هتفنا أمام الناس أننا سندافع عنهم، ولن نخذلهم»

حلب تفقد «ليثها» على جبهات «الفتح»

tag icon ع ع ع

ليان الحلبي

عاد مسرعًا إلى بيته وبحوزته بعض الحاجات التي طلبتها زوجته صباحًا، تناول سحوره الأخير معها وودّع طفلته شام ذات الأشهر الثماني، ثم غادر للقاء عمه (والد زوجته) يحادثه كما المعتاد «لكن نبرته كانت غير اعتيادية وكلماته غريبة» كما وصفها صديقه وئام بكداش؛ كلّم أصدقاءه المقربين واعدًا إياهم بلقاء قريب، وانطلق.

إنه يوم الجمعة منتصف رمضان (الثالث من تموز)، دخل عبادة ساحة معركة تحرير حي الزهراء في حلب ضمن معارك «فتح حلب» مقتحمًا كعادته فهو «رجل الاقتحامات» كما يصفه أصدقاؤه، وبعد ساعات من الاشتباكات سيطر مع أصدقائه على المبنى المراد.

التفّت عليهم قوات الأسد وحاصرتهم لكنه رفض وصديقه أبو الوليد -العريس الجديد- الاستسلام،  وقاوموا عدة ساعات قبل أن يرى أصدقاؤه من بعيد انهيار البناء معلنًا خسارة حلب لـ «زينة الشباب».

عبادة أبو الليث، القائد العسكري في كتائب ثوار الشام وابن الـ 23 ربيعًا، ترك كلية الهندسة الكهربائية والتحق بفعاليات الثورة السورية منذ بدايتها، وتزوج في شباط عام 2014 ليصبح صهرًا للشهيد ماجد كرمان، الذي قتل أيضًا في معارك نبّل والزهراء في تشرين الثاني عام 2014.

التحق عبادة بعد أشهر على انطلاقة الثورة السلمية بكتائب (أبو عمارة) للمهام الخاصة ضمن فريق الاغتيالات، بحسب صديقه عروة قنواتي، الذي ينقل عن أبي الليث قوله «ما كنا نستهدف إلا من ثبت بالدليل القاطع ومن عدة مصادر وشهادات تورطه بأعمال قتل الثوار، فلا يمكن أن أضع برقبتي دمًا حرامًا أبدًا».

وبعد تحرير عدة  أحياء من مدينة حلب صيف 2012 انتقل إلى المناطق المحررة واستمر في عمله مع كتائب أبي عمارة، وعرف حينها بـ «القناص» لخبرته، ويضيف صديقه أبو محمد أرمنازي «كان حلمه أن يمتلك قناصته الخاصة يوجهها ضد عدوه متى شاء؛ ولكنه استشهد قبل أن يحقق أمنيته».

قبل أشهر تحوّل عبادة ليصبح قائدًا عسكريًا في حركة النور الإسلامية، وشارك في معظم الاقتحامات والمعارك ما عرّضه لإصابات متكررة آخرها خلال اقتحام الراموسة منذ شهرين.

لم يكن أبو الليث قائدًا عسكريًا متقوقعًا في بوتقة السلاح، بل عرف عنه المشاركة في الفعاليات الثورية والمدنية، كالنشاطات الرياضية وفعاليات مجلس ثوار حلب وتوزيع أعلام الثورة وصور الشهداء، ويتحدّث قنواتي عن «همة» عبادة أثناء موجة الشتاء القاسية التي اجتاحت حلب مطلع العام، إذ ساهم مع أصدقائه بتأمين الملابس الشتوية والحطب والمازوت ووزعها بنفسه على بيوت العائلات المحتاجة.

ويقول قنواتي «استغربت بأن يقوم قائد عسكري بهذه المهمة بدلًا من الالتفات للجبهات»، لكن عبادة ردّ «أليس المدنيون أمانةً في أعناقنا؟ أليس واجبي أن أقدم جهدي للناس حتى إذا رحلت يومًا أبدلني الله بمن يهتم لأمر عائلتي من بعدي».

«خلوقٌ متديّنٌ ذو نفسٍ عزيزةٍ اشتهر بها، وأحبّ الناس كما أحبوه»، وفق عروة؛ وقد كان وقع استشهاده كبيرًا بين أصدقائه ومحبيه إذ ملأت نعواته مواقع التواصل الاجتماعي.

قلبت ابنته شام حياته وصار يرسل صورها لأصدقائه باستمرار، وتملّكه -كأي أب- خوف متزايد عليها، فهي تعيش في أخطر مدن العالم تحت قصف الطيران؛ لكنه رفض الهجرة مع زوجته وابنته إلى الخارج معلّلًا ذلك إلى صديقه عروة بالقول «مثلهم مثل باقي العائلات التي بقيت في حلب، لن أتأخر عن واجبي أبدًا؛ هتفنا أمام الناس أننا سندافع عنهم ولن أخذلهم».




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة