تعا تفرج

بمناسبة “كورونا”.. لا تزعلي يا خالة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أقسم صديقي أبو إبراهيم يمينًا معظمة على أنه بعد شهر وعشرة أيام من ظهور وباء “كورونا”، ومن كثرة ما سمع عنه وقرأ وشاهد، صار يعرف كل شيء عن الأعراض الرئيسة للإصابة، والأعراض الجانبية، ومراحل المرض، وعلائم الشفاء، والحالات التي تجعل المرء يعض على لسانه ويتوكل. وأصبح يحفظ، عن ظهر قلب، أنواع الأطعمة والمشروبات التي تقوي المناعة، وتلك التي يحذر الأطباء من استخدامها، وأسماء المختبرات العالمية التي تشتغل على إيجاد دواء، والتي تحاول الوصول إلى لقاح. وصار يعرف أسماء الأطباء الذين يظهرون على الفضائيات، وطرائقهم في الحكي والتعبير، ومَن منهم ينصح بدواء الكلوروكوين، ومن يفضل عليه البلازما المأخوذة من دم مريض شفي، ومن يحكي عن الجلطات الرئوية، ومن يؤثر استخدام الدواء الذي كان يعطى للجربانين في أستراليا، ومن يقول إن هذا المرض لا دواء له سوى تقوية المناعة. وهؤلاء جميعهم، بلا استثناء، يطلبون من المريض ألا يزعل، لأن الزعل يضعف المناعة، ويساعد الفيروس على الفتك بالمريض.

يتذكر أبو إبراهيم، في هذه المناسبة، عبارة كان يسمعها في صباه من أمه وخالاته وعماته وجاراته بعد عودتهن من زيارة الطبيب، وهي: ..وقال لي الحكيم يا خالتي لا تزعلي.

كانت زيارة الحكيم في تلك الأيام من الأعمال النادرة التي يقوم بها الإنسان. فإذا أصيبت عمتي بالصداع كانت تقول: وجعني راسي ولكني ما رديت عليه، نجقته وطنشته، ولأنه لم يهدأ ربطته بقماشة بيضاء وشددته بقوة، والحمد لله طاب. وإذا ارتفعت حرارة جارتنا أم صلوح، وشعرت بآلام في الحلق، وخفقان في القلب، كانت ابنتها تغلي لها كأسًا من البابونج، وتغطيها (تكمرها) بلحافين وثلاث بطانيات، حتى تتعرق، ويفك عنها الوجع. وهكذا حتى تفشل الإجراءات العلاجية المنزلية كلها، ووقتها يذهب المريض أو المريضة إلى الحكيم، بهيصة وزنبريطة، ولولا الحياء لرافقه طبل وزمر ودبيكة!

بعد العودة المظفرة، تحكي المريضة لوفود النساء اللواتي يأتين للاطمئنان عليها، كيف وضع الحكيم السماعة على صدرها وطلب منها أن تأخذ نفسًا، وتعطي زفيرًا، وقاس لها الضغط والحرارة، وسألها مئة سؤال، وبالأخير كتب لها ستة أنواع حب وشراب وبلعات وتحاميل، وقال لها: يا خالتي أهم شي إنك ما تزعلي.

وقارن أبو ابراهيم بين الامتناع عن الزعل الذي كان يحصل قديمًا، والذي ينصحنا به معالجو “كورونا” اليوم. وأوضح أن خالته كانت تخبر جاراتها باستحالة التطنيش، “شلون ما بدي إزعل إذا طول النهار كنتي تجاكرني، ويكون زوجها نائمًا وهي تدق بالهاون قرب رأسه، وأنا شكوت لابني أفعالها، وتوقعت أنه سيطبق يده ويضربها بالبوكس على فمها، ولكنه قال لي معليشي يا أمي يعني إذا زوجتي بودها تدق التوم مع الكزبرة أين تدقهن؟ عند الجيران؟”!

ونحن كيف لا نزعل، إذا كان بشار الأسد، بعد تسع سنين ثورة، لا يزال يفتك بالشعب، وصار عندنا مليون قتيل، وسوريا مقسمة لمناطق نفوذ، ونحن رضينا بالهجرة والعيش في المنفى، وفوق كل هذا يسجنوننا في بيوتنا، وتريد منا ألا نزعل؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة