العنف الأسري.. أكثر الجرائم التي لا يتم التبليغ عنها

العنف الأسري
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

مع استمرار إجراءات الحجر المنزلي المفروض على السكان في معظم دول العالم لمواجهة وباء فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ونتيجة بقاء الناس داخل منازلهم لفترات طويلة، إضافة لسوء الأحوال الاقتصادية لكثيرين منهم، وما يتولد عن ذلك من ضغوط نفسية، كل ذلك أدى إلى تفاقم ظاهرة العنف الأسري، ومع أن تلك الظاهرة من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية، فهي قديمة قدم الإنسان الذي ارتبط وما زال يرتبط بروابط اجتماعية مع الوسط الذي فيه يؤثر يتأثر وبه، فإن مظاهرها وأشكالها تطورت وتنوعت بأنواع جديدة نتيجة للحياة العصرية، حتى أصبح العنف الأسري أهم أنواع العنف البشري انتشارًا في كل المجتمعات على حد سواء.

ما المقصود بالعنف الأسري

يعرّف “العُنْف” لغة على أنه الشدة والقسوة، ويعرّف “العنف الأسري” (يسمى أيضا “العنف المنزلي”) اصطلاحًا بأنه الإساءة المتعمدة بين أشخاص تربطهم علاقات ضمن حدود العائلة الواحدة أو يؤدون وظيفة الأسرة، كعنف الزوج ضد زوجته، وعنف الزوجة ضد زوجها، وعنف أحد الوالدين أو كليهما تجاه الأولاد، أو عنف الأولاد تجاه والديهم، أو العنف بين الأشقاء، أو عنف الحموات والكنائن، وعادة ما يكون المُعنِّف هو الطرف الأقوى الذي يمارس العنف ضد المُعنَّف الذي يمثل الطرف الأضعف، وقد تبين من جميع الدراسات التي أُجريت أن الزوجة هي الضحية الأولى للعنف الأسري، ويأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات والمسنون، وتبين أنه بنسبة 99% تقريبًا يكون مصدر العنف الأسري رجلًا، كما ذكرت دراسة أجرتها منظمة الأمم المتحدة للمرأة على مستوى العالم، أن التقديرات تشير إلى أن 35% من النساء في جميع أنحاء العالم قد تعرضن لأحد أشكال العنف الأسري في مرحلة ما من حياتهن.

ويمكن للعنف الأسري أن يكون عنفًا جسديًا أو نفسيًا أو جنسيًا أو اقتصاديًا، وتختلف طبيعة هذا العنف، فيمكن أن يكون عنفًا لفظيًا كالإساءة بالكلام أو التهديد بالعنف، أو الإهمال، أو سلب الحقوق من أصحابها، أو الحرمان الاقتصادي، أو أن يصل إلى العنف الجسدي مثل الضرب والاغتصاب وجرائم الشرف.

ويعتبر العنف الأسري من أكثر الجرائم التي لا يتم التبليغ عنها من قبل النساء أو الرجال، على مستوى العالم، لاعتقاد كثير من الناس أن العنف الأسري مقبول به ومبرر، ويندرج تحت مفهوم “المشاكل الأسرية”.

ما دوافع العنف الأسري؟

*الدوافع الاجتماعية: تتمثل في العادات والتقاليد التي يرثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وتكون أحيانًا مرتكزة على الفهم الخاطئ للدين، والتي تركز على قيادة الرجل لأسرته بالعنف والقوة، ومن هذه المعتقدات أن للرجل الحق في السيطرة على شريكة حياته، وأنه من الواجب إعطاء رب الأسرة قدرًا عاليًا من الهيبة، والاعتقاد بأن مقدار رجولته يتمثل في مقدار قدرته على السيطرة على عائلته وإرهابها، بينما تقل هذه الدوافع كلما زادت نسبة الثقافة والوعي في المجتمع، إلا أن بعض الأفراد لا يؤمنون بهذه التقاليد، لكن الضغط الاجتماعي من حولهم يدفعهم إلى تعنيف عائلاتهم.

  • دوافع الاقتصادية: تدفع ظروف المعيشة الصعبة والضغط النفسي الناتج عن فقدان الوظيفة، أو تراكم الديون، أو اللجوء للرهن، إلى ممارسة الفرد العنف تجاه أفراد أسرته، وذلك نتيجة مشاعر الإحباط والخيبة والتوتر بسبب حالة الفقر التي يعيشها.
  • دوافع ذاتية ونفسية: تعرّف الدوافع الذاتية بأنها الدوافع التي تنبع من داخل الإنسان وتدفعه نحو ممارسة العنف، نتيجة سوء التربية والنشأة في بيئة عنيفة في تعاملها، ويُمكن تلخيص هذه الدوافع في صعوبة التحكّم بالغضب، وتدنّي احترام الذات، والشعور بالنقص، واضطرابات الشخصية، وتعاطي الكحول والمخدرات.
  • اضطراب العلاقة بين الزوجين نتيجة عدم الانسجام بينهما في مختلف جوانب الحياة التربوية والتعليمية والاجتماعية والفكرية والبيئية، ما يؤدي إلى غياب ثقافة الحوار والتشاور داخل الأسرة، مع ضعف الوازع الديني والأخلاقي.

ما أنواع العنف الأسري؟

العنف الجسدي:

يعرّف بأنه أي إيذاء يترتب عليه ألم جسدي أو إصابة جسدية لأحد أفراد الأسرة، فالعنف الجسدي يتحقق بتوفر شرطين:

  1. الشرط الأول، أن يفعل الفرد أو يمتنع عن فعل أمر معين ينتج عنه أذى بدني.
  2. الشرط الثاني، أن يكون هذا الفعل عن سبق إصرار في إحداث الأذى الجسدي.

ولا يشترط أن يحدث الشرطان في وقت واحد، فقد تفصل بينهما فترة زمنية، كحالة إهمال الآباء والأمهات لمتابعة أطفالهم، ما يلحق بهم الضرر الجسدي.

كما أنه لا يُنظر إلى دوافع العنف الجسدي كتبرير لفعل العنف سواء كانت بدافع التأديب، أو التربية، أو الانتقام، أو السيطرة على الضحية، أو الحصول على المال.

تختلف الأدوات المستخدمة لإحداث الضرر الجسدي، فمنها ما هو بسيط كشد الشعر أو الصفع أو الدفع أو الركل أو الخنق، ومنها ما هو شديد كاستخدام الآلات الحادة أو الأسلحة، كما يعتبر المنع من تناول الأدوية، والحرمان من النوم، والإجبار على تناول الأدوية والكحوليات قسريًا أنواعًا أخرى من العنف الجسدي، كذلك فإن قيادة السيارة في أثناء وجود الشريك بطريقة متهوّرة هي من علامات العنف الجسدي.

العنف النفسي:

يعتبر العنف النفسي من أكثر أنواع العنف انتشارًا في المجتمع، إلا أنه من أصعب الأنواع في القدرة على تمييزه أو معرفة مدى أثره، وذلك لعدم وجود آثار مادية ظاهرة على الضحية.

ومن أشكال العنف النفسي، التعرض لألفاظ مؤذية تسبب احتقارًا لنفس الضحية، كالسب، والشتم، والقذف، أو منع أحد أفراد الأسرة من مخالطة أقاربه أو أصدقائه، كمنع الزوجة من زيارة أهلها مثلًا، أو التصرف مع الشريك بغيرة أو بشكل تملكي والمراقبة المستمرة لتحركاته، والإصرار على معرفة أين يقضي وقته ومع من يتحدث بالهاتف، والعبث بهاتف الشريك باستمرار، وفحص الصور، والرسائل، والمكالمات الصادرة والواردة، أو اتهامه بشكل متكرر بأنه غير مخلص، أو إتلاف الممتلكات الخاصة للطرف الآخر عند الغضب، أو التحكم بالمظهر الخارجي للشريك كاختيار الملابس ووضع مساحيق التجميل، أو التكبر على أحد أفراد الأسرة، أو إشعاره بأنه شخص غير مرغوب فيه، أو تجاهله والانتقاص من دوره وعدم الأخذ برأيه في أمور تخص الأسرة.

العنف الجنسي:

يعرّف العنف الجنسي بأنه أي فعل أو قول يمس كرامة الإنسان ويقتحم خصوصية الجسد سواء كان عنفًا جنسيًا ماديًا، كأي فعل أو دعوة جنسية غير مرغوب فيها توجه لشخص ما في الأسرة، مثل التحرش الجنسي الجسدي أو الاغتصاب أو أي نوع من أنواع الاعتداءات الجنسية أو الاغتصاب الزوجي أو إجبار الشريك على أشكال معينة للجماع، أو كان عنفًا جنسيًا معنويًا، كالألفاظ والتحرش الجنسي اللفظي والتعليقات الجنسية الجارحة، أو التهديد بإخبار الأصدقاء أو العائلة أو الزملاء أو أفراد المجتمع بأسرار الزوجية، ومن صور العنف الجنسي أيضًا إجبار الأطفال أو الزوجة أو الأخوات على ممارسة الدعارة أو استغلالهم بهدف كسب المال أو لأهداف أخرى.

العنف الاقتصادي:

هو نوع من أنواع العنف الذي يحدث عندما يقيد ويتحكم أحد أفراد الأسرة في قدر حصول فرد آخر على الموارد الاقتصادية، ويضم العنف الاقتصادي رفض الإسهام في توفير المستلزمات الأساسية للأسرة، أو سلب الطرف الآخر أمواله الخاصة دون إرادته حتى لو كان ذلك لتغطية نفقات الأسرة، أو منع الزوجة أو الأخت من الدراسة أو العمل والحصول على استقلالها الاقتصادي، كما يعد إجبار الضحية على توقيع ورق لبيع ممتلكاتها أو تغيير وصيتها شكلًا من أشكال العنف الاقتصادي.

ما مراحل العنف الأسري؟

تمر معظم حالات العنف الأسري في دورة متكررة ضمن ثلاث مراحل، وهي كالآتي:

مرحلة بناء التوتر:

وهي المرحلة التي تبدأ فيها العلاقات الأسرية بالتوتر، وتتميز هذه المرحلة بسوء التواصل والخوف من انفجار العلاقة بين الطرفين، لذلك تحاول الضحية تجنب إثارة المعتدي، وتستمر المرحلة من بضع ساعات إلى عدة أشهر، وكلما زادت الفترة زادت أسباب حدوث حالة عنف محتمة.

مرحلة العنف:

وهي المرحلة التي يعتدي فيها الطرف المعتدي على الشريك الضحية، وتتميز بمجموعة من الحوادث العنيفة والمسيئة، كالاعتداء الجسدي، أو الاعتداء الجنسي، أو الإساءة النفسية، أو الحرمان.

مرحلة شهر العسل:

وفيها يشعر المعتدي بمشاعر ساحقة من الندم والحزن، ويبدأ بالاعتذار والتودد للضحية وتقديم الوعود بعدم تكرار الإساءة بهدف استمرار العلاقة، وقد يبتعد بعض المعتدين عن جو الأسرة، بينما يغرق آخرون ضحاياهم بالمحبة والتعاطف والهدايا طلبًا للسماح، ومن الجدير بالذكر أن حالات العنف لا تمر جميعها بهذه المرحلة.

ثم تبدأ حالة توتر جديدة بدءًا بدورة عنف جديدة، وهكذا.

أخيرًا، نؤكد أن للعنف الأسري آثارًا سيئة على الفرد والأسرة والمجتمع، فقد يتسبب في نشوء العقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية أو سلوكيات عدائية أو إجرامية، كما يؤدي إلى تفكك الروابط الأسرية وانعدام الثقة وتلاشي الاحساس بالأمان، وربما نصل إلى درجة تلاشي الأسرة، ولأن الأسرة هي نواة المجتمع فإن أي تهديد سيوجه نحوها سيقود بالنهاية إلى تهديد كيان المجتمع بأسره.

وسنعرّف في العدد المقبل بالآثار السلبية لظاهرة العنف الأسري بشيء من التفصيل، وسنعرض بعض المقترحات لعلاج هذه الظاهرة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة