تعا تفرج

مجلس اعزاز لا تكن كالأسد

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

تعا تفرج، أو اقرأ، أو تأمل هذا الخبر، وأحصِ الأفعالَ الدالة على الفرض والإجبار والتهديد. يقول الخبر، بالحرف: (حدد) المجلس المحلي في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي سعر جرة الغاز بـ8500 ليرة سورية، (مجبرًا) البائعين على (الالتزام) به، و(هدد) المخالفين بـ(مساءلة) قانونية. المصدر: عنب بلدي.

لست بصدد توجيه انتقادات لمجلس اعزاز المحلي، لأنني –حقيقة- لا أعرف كثيرًا عن ظروف مدينة اعزاز المعيشية، ولكنني وجدت وجهًا للشبه بين اللغة الحربجية لهذا البيان واللغة البعثية، حاشاكم، لغة أعادتني ستين سنة إلى الوراء، حينما كنا نسمع بيانات الانقلابات العسكرية، وتتردد فيها عبارات الضرب بيد من حديد، وقطع دابر المؤامرات، وجعل الموت من نصيب المتخاذلين والمتآمرين، ولأول مرة في حياتنا عرفنا أن للموت عند البعثيين أنواعًا، أهمها “الزؤام”، وهكذا دواليك حتى استقرت لهم الأمور، ودخلنا في عصر الاستبداد الأسدي، حيث الموت بات يتربص بالجميع، وبالأخص الزؤام.

رأى حافظ الأسد أن أفضل طريقة للسيطرة على السوريين، وتحويل سوريا التي يقاس عمرها بآلاف السنين إلى “سوريا الأسد”، لا يكون إلا بالسيطرة على الشعب السوري معيشيًا.. وسرعان ما أمر بأن يجعل لكل سلعة استهلاكية يحتاجها الشعب السوري سعرين، أو ثلاثة، فالدولار في البنك التجاري السوري بأربعين ليرة، والسعر الموازي خمس وأربعون، وفي السوق السوداء بسبعين، والسكر يباع بالبطاقة التموينية بعشر ليرات، والسكر الحر بخمس عشرة ليرة، وفي السوق السوداء بثلاث وعشرين.. وأنت تستطيع أن تتحدث عن أسعار البنزين والمازوت والكاز والغاز بما يكفي لأن تملأ جريدة، على أن تنشر تتمة أخبارك على الصفحة 11.

حققت فوضى الأسعار التي صممتها ونفذتها الطغمة الأسدية لحافظ الأسد أكثر مما كان يبتغيه من فوائد، فتخفيض سعر الخبز ودعمه من خزينة الدولة جعل السوريين يحتشدون عند أبواب الأفران، يتزاحمون ويتدافشون ويتبادلون الصراخ والسباب، وأعطى فرصة لأزلام الأسد بأن يهرّبوه ويبيعوه للناس بسعر أعلى، والسعر المنخفض أغرى مربي المواشي لأن يشتروه ويجففوه ويطعموه للدواب، لأنه أرخص من العلف.. وأما دعم المحروقات فمنح جيشًا كبيرًا من الموظفين الكبار وضباط المخابرات يعملون في التهريب إلى لبنان وتركيا، ولو أمكنهم لهرّبوه إلى إسرائيل، ويجمعون من ورائه ثروات مرعبة، وقدم لموظفي وزارة التمرين فرصة ذهبية لإرعاب الناس، وتهديدهم بالأحكام العرفية، فمن لا يدفع لهم ينظمون بحقه ضبطًا ويساق إلى محكمة الأمن الاقتصادي بتهمة التلاعب بقوت الشعب.

ومع أن معظم الناس يعرفون حقيقة ما يجري على الأرض، كان لا بد لهم أن يخرجوا من بيوتهم ومقرات أعمالهم، طائعين أو مرغمين، ويسيروا في الشوارع وهم يحملون الأعلام واللافتات وصور حافظ باني سوريا الحديثة، مطبقين ما قاله أحمد شوقي في مسرحية مصرع كليوباترا (انظر الشعب دُيون، كيف يوحون إليه، ملأ الجو هتافًا، بحياة قاتليه).

المعلومة الابتدائية الأولى التي يتعلمها أي دارس لعلم الاقتصاد تقول إن سعر السلعة يتحدد بالعرض والطلب. نعم. وللعلم فإن أي سعر يفرض على الناس بالقوة ينتمي إلى الطريقة البعثية حتمًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة