شرق الفرات في مواجهة “كورونا”.. بنى تحتية ضعيفة ونقص بالمساعدات
عنب بلدي – نينار خليفة
لا تعلم ورود محمد من مدينة الرقة إذا حصلت إصابات بفيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19) أو اشتباه بحالات مرضية في مدينتها، إذ إن أجهزة الفحوص المخبرية للكشف عن الفيروس غير متوفرة، والأهالي يتداولون كثيرًا من الإشاعات.
لكن ورود تحدثت لعنب بلدي عن التزامها، كما الكثير من أهالي المنطقة، بالبقاء بالمنزل في أوقات الحظر المفروض، مشيرة إلى خلو الأسواق والشوارع الرئيسة من المارة باستثناء بعض التجمعات في عدد من الأحياء الشعبية.
تعتبر ورود محمد أن الإجراءات الوقائية التي اتخذتها “الإدارة الذاتية” (الكردية) ومنظمات المجتمع المدني الفاعلة، من تعقيم للشوارع والمؤسسات، وتوزيع للمنشورات التوعوية، وفرض غرامات مالية على المخالفين، جيدة نسبيًا مقارنة بالإمكانيات المتوفرة، لكنها تشتكي من ارتفاع أسعار الكمامات والمعقمات في ظل استغلال بعض الصيادلة الطلب عليها، وعدم وجود ضوابط واضحة على الأسعار من قبل الجهات المعنية.
وقد لحقت مناطق شمال شرقي سوريا بركب المناطق المتأهبة لمواجهة فيروس “كورونا المستجد”، مع اتخاذ بعض الإجراءات الاحترازية، في ظل تحديات كبيرة تواجهها، وتحذيرات محلية وأممية من صعوبة احتواء تفشي الفيروس، بسبب هشاشة القطاع الصحي، وضعف المساعدات المقدمة، وتكرار انقطاع إمدادات المياه، إلى جانب حساسية وضع المخيمات الموجودة هناك، وتعذر تطبيق إجراءات التباعد المجتمعي فيها.
إجراءات وقائية ومناشدات للدعم
وكان الرئيس المشترك لـ”هيئة الصحة” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، جوان مصطفى، كشف عن عدم امتلاك الهيئة جهاز “PCR” لفحص الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس “كورونا”.
ولفت إلى وجود مركز واحد فقط يحتوي هذا الجهاز، وهو موجود في دمشق، مشيرًا إلى أنهم يعانون من إرسال العينات إلى مناطق النظام السوري.
من جهتها، أعلنت “هيئة الصحة” في نداء عاجل لها، عن افتقارها إلى “المعدات والأدوية الأساسية لعلاج المصابين، بما في ذلك أجهزة التنفس والاحتواء الأولي للمرض، إلى جانب حاجتها الماسة إلى الأدوات الوقائية والمواد المعقمة”.
واتخذت “الإدارة الذاتية” مجموعة من الإجراءات للتصدي لـ“كورونا،” إذ فرضت حظرًا للتجول في جميع مناطق سيطرتها بدءًا من الساعة السادسة من صباح الاثنين 23 من آذار الحالي، لمدة 15 يومًا قابلة للتمديد، ومنعت الحركة والتنقل بين المدن الرئيسة و”الإدارات الذاتية والمدنية”، كما أغلقت الأماكن العامة من مطاعم ومقاهٍ وبازارات وحدائق عامة وعيادات طبية خاصة وصالات الأفراح وخيم العزاء، إضافة لقيام المجالس المحلية التابعة للإدارة بحملات رش وتعقيم للشوارع والمؤسسات.
الصحفي عز الدين صالح، من مدينة القامشلي، أشار إلى أن أهالي المدينة لا يخرجون من منازلهم سوى في الحالات الطارئة ولشراء المواد الأساسية، كما أن جميع محلات بيع المواد الغذائية تغلق عند الساعة السادسة مساء لتصبح الشوارع شبه مقفرة وخالية من السكان.
ولفت الصحفي، في حديثه لعنب بلدي، إلى انتشار القوى الأمنية والفرق الصحية بكثافة في جميع المناطق، وقيام “لجان الصحة” بحملات تعقيم للشوارع والمراكز العامة.
لكن عز الدين أكد في الوقت نفسه افتقار المنطقة للتجهيزات الطبية الأساسية والأدوية لعلاج المصابين، فضلًا عن غلاء أسعار المعقمات والكمامات، إذ وصل سعر علبة الكمامات إلى نحو تسعة دولارات.
الهلال الأحمر الكردي متأهب
تحدث الإداري وعضو لجنة التعامل مع “كورونا”، فرحان علي سليمان، حول الإجراءات الطبية الاحترازية التي اتخذها الهلال الأحمر الكردي، لمواجهة انتشار فيروس “كورونا” في مناطق شمال شرقي سوريا.
وأوضح لعنب بلدي أنه تم تجهيز 13 سيارة إسعاف خاصة، موزعة على كامل منطقة الحسكة، مع كادر مدرب بالتعاون مع “اتحاد الأطباء” لدى “الإدارة الذاتية”، منها ثلاث سيارات مزودة بأجهزة حديثة للحالات الصعبة، لافتًا إلى أنها ستبقى متأهبة على مدار 24 ساعة.
وأضاف أنه تم تجهيز سبعة مراكز صحية لاستقبال الحالات المرضية، التي قسّم التعامل معها إلى ثلاث مراحل، الأولى تضم حالات الاشتباه بوجود المرض لمن تظهر عليهم أعراض خفيفة، إذ يجري التعامل معهم بالحجر المنزلي مع المراقبة الشديدة وإجراء التحاليل لهم باستمرار.
وفي المرحلة الثانية يوضع المرضى في مراكز الحجر الصحي، حيث يتوفر لهم الحصول على الأوكسجين، والعناية الطبية الدقيقة، وإجراء التحاليل.
أما في المرحلة الثالثة التي تضم الحالات الصعبة من المرض، فيوضع المرضى بشكل فوري في مراكز العناية المشددة.
ولفت فرحان إلى توفير تسعة مراكز حجر صحي موزعة على كامل مناطق شمال شرقي سوريا، وخطة لتجهيز 100 سرير عناية مشددة في كل مدينة، إلى جانب مراكز التدخل الدولي.
كما شُكلت “غرفة عمليات” مكونة من المؤسسات الصحية والبلديات ستكون جاهزة على مدار الساعة، وقد تم تدريب عناصرها على كيفية التعامل مع لباس المرضى، وتحديد أماكن خاصة للتخلص من الفضلات، وفقًا لفرحان.
ضعف البنى التحتية
الدكتور فراس ممدوح الفهد، رئيس منظمة “صناع الأمل” الإنسانية، اعتبر في حديثه لعنب بلدي أن البنية التحتية في مناطق شمال شرقي سوريا ليست مجهزة كما يجب لاستقبال عدد كبير من حالات الإصابة بـ“كورونا” في حال انتشار الفيروس.
وأشار إلى أن الإجراءات الوقائية المتخذة رغم أهميتها تبقى غير كافية، في ظل ضعف المرافق الطبية والمشافي العامة، ومحدودية غرف العناية المشددة، وندرة أجهزة التنفس الصناعي، التي تعد العامل الأول بشفاء مرضى “كورونا” كون الفيروس يهاجم الجهاز التنفسي.
وأضاف أنه بناء على ذلك فإن الوضع سيكون كارثيًا جدًا في حال تفشي الفيروس، خاصة أن المنظمات الدولية، لا سيما الطبية منها، لم تقدم حتى الآن إسهامات في الوقاية من الفيروس، ولم توفر أجهزة طبية للمشافي العامة.
فضلًا عن أن “هيئة الصحة” لدى “الإدارة الذاتية” لم تتعاون مع “وزارة الصحة” التابعة للنظام لدرء خطر “كورونا” مع أنهم يعملون بمناطق واحدة كالحسكة والقامشلي.
وتحدث الدكتور فراس الفهد عن مبادرات فردية قامت بها مشافٍ خاصة في الرقة تمثلت بإعلانها استقبال الحالات المرضية بشكل مجاني، إضافة إلى تطوع عدد من الأطباء بمدينة الطبقة من ذوي الاختصاصات المختلفة باستقبال مجاني لجميع المرضى.
خلية أزمة في الرقة.. ولكن
الإعلامي في مجلس الرقة المدني أسامة الخلف، أكد إعلان المجلس، منذ مطلع آذار الحالي، عن تشكيل خلية أزمة لمواجهة خطر فيروس “كورونا” وتجفيف أسباب انتشاره.
وقد عملت “لجنة الصحة” على تجهيز مركز للحجر الصحي الوقائي كخطوة أولى، إلى جانب تأهيل كوادر صحية وطبية في مدينة الرقة وريفها.
وكخطوة ثانية، عملت على رش المواد الطبية الكيميائية على الأسطح الخارجية في الأماكن العامة والمدارس والمؤسسات والجوامع.
وفي المرحلة الثالثة، أعلنت “الإدارة الذاتية” فرض حظر التجول وإغلاق المؤسسات والأسواق والمعابر، وتخصيص أرقام للطوارئ، وتوزيع كمامات وقفازات على العاملين في ورش التعقيم والنظافة والصحة والإطفاء.
كما عملت عدد من منظمات المجتمع المدني الفاعلة في الرقة كفريق “صناع المستقبل” على نشر حملات إعلامية ورسم جداريات بهدف زيادة وعي الأهالي حول أهمية الالتزام بالبقاء في بيوتهم، وتوضيح خطورة المرض.
لكن الإجراءات المتخذة تبدو محدودة التأثير في ظل افتقار مناطق شمال شرقي سوريا للمعدات الوقائية الطبية الحديثة.
إذ أوضح أسامة أن أغلبية المعقمات المستخدمة لا تحتوي على المواد الكيميائية الناجعة، فالمادة الدوائية المستعملة فيها هي من مشتقات الكلور المخفف ومواد مكافحة بيوض الحشرات.
كما يغيب مختبر طبي دقيق لكشف الإصابات بالمرض، ويقتصر الأمر على توفر ميزان لفحص درجة حرارة الأشخاص على أبواب المشافي والمؤسسات، رغم أن درجة الحرارة قد تكون عرضًا مرضيًا أو تشخيصًا لأمراض أخرى غير الإصابة بـ”كورونا”.
ما وضع المخيمات؟
تضم مناطق شمال شرقي سوريا نحو مليون و27 ألفًا من النازحين، يتوزعون على عدد من المخيمات، أبرزها مخيم “الهول” الذي يوجد فيه أكثر من 69 ألفًا.
وتعاني هذه المخيمات، إلى جانب اكتظاظها الشديد، من ظروف إنسانية ومعيشية سيئة، ما يجعل تطبيق الإجراءات الوقائية للحماية من الفيروس فيها أمرًا صعبًا، الأمر الذي يزيد من فرص انتشاره.
وحول إجراءات الحماية في المخيمات، قال الرئيس المشترك لـ”هيئة الصحة” التابعة لـ”الإدارة الذاتية”، جوان مصطفى، في تصريحات لوكالة “فرانس برس”، إنه “منع الدخول والخروج من هذه المخيمات إلا في الحالات الضرورية”.
وأضاف أنه في حال تفشي الفيروس “ستخصص خيمة كبيرة للحجر الصحي في كل مخيم، وما عدا ذلك لا إمكانية لدينا”.
وكانت “لجنة الإنقاذ الدولية” حذرت في بيان لها من أنه، “مع عدم تمكن الأمم المتحدة من توفير الإمدادات الطبية عبر الحدود، فإن قدرة العديد من المنظمات الإنسانية على تلبية حاجات الرعاية الصحية لمن هم في المخيمات، كالهول مثلًا، مهددة أساسًا”.
وفي كانون الثاني الماضي، استبعدت الأمم المتحدة، بضغط روسي، معبر “اليعربية” شمال شرقي سوريا من المعابر المفوض لها إيصال المساعدات دون الرجوع إلى حكومة النظام السوري، إلى جانب معبر “الرمثا” مع الأردن، بينما أبقي على معبري “باب الهوى” و”باب السلامة” الحدوديين مع تركيا.
مخاوف من قطع المياه المتكرر
يعاني سكان مناطق شمال شرقي سوريا من انقطاع إمدادات المياه بشكل متكرر، ما يزيد من مخاطر الإصابة بفيروس “كورونا”، وفق ما أكدته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف).
وقبل أيام أوقفت محطة مياه “علوك”، الواقعة قرب مدينة رأس العين الحدودية مع تركيا، ضخ المياه للمرة الثانية خلال شهر، إلى نحو 460 ألف نسمة من أهالي مدينتي الحسكة وتل تمر، ومخيمي “الهول” و”العريشة”.
وحذرت المنظمة في بيان لها من تداعيات ذلك قائلة، إن “انقطاع إمدادات المياه خلال الجهود الحالية للحد من انتشار مرض فيروس كورونا يعرّض الأطفال والأسر لخطر غير مقبول، إذ إن غسل اليدين بالصابون أمر بالغ الأهمية في مكافحة المرض”.
وأشارت إلى أن الحصول على مياه آمنة وموثوقة أمر ضروري لضمان عدم إصابة الأطفال والأسر في المنطقة بالأمراض، مضيفة، “تنقذ المياه النظيفة وغسل اليدين الأرواح”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :