حملات التوعية بين التعريف والتطبيق

واقع يفصل أهالي الشمال السوري عن جائحة العالم

halab

camera iconجانب من حملات التوعية من قبل الجهات المدنية والفرق التطوعية في مخيمي قبتان والحردانة شمالي حلب للتأكيد على الحجر المنزلي والوقاية من فيروس كورونا - 24 آذار 2020 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عبدالله الخطيب

عملت منظمات عدة في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في محافظتي إدلب وحلب شمالي سوريا، على إعداد حملات توعوية للمقيمين والنازحين، هدفها التعريف بإجراءات محاربة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) ومنع وصوله إليهم، إلا أن نتائجها لم تنعكس على المجتمع هناك بالشكل المطلوب.

نشر “الدفاع المدني السوري”، في 23 من آذار الحالي، أن فرقه، وضمن الإمكانات المتوفرة، تطهّر المرافق العامة بالشمال السوري للوقاية من فيروس “كورونا”، وتقيم حملات التعريف به وسبل الوقاية منه، وذلك بالتوازي مع مواصلة حملة “خليك ببيتك” الهادفة لحث المدنيين على البقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا في حال الضرورة.

رغم ذلك، أظهرت دراسة أجراها فريق “منسقو الاستجابة” في الشمال السوري ونشرها في 27 من آذار الحالي، وشملت 6300 شخص، أن 79٪ من العينة لا يملكون أي معلومات عن المرض، و15٪ لديهم معرفة “إلى حد ما” به، و5٪ فقط يشعرون أن لديهم ما يكفي من المعرفة.

حملات غير كافية أم تجاهل مجتمعي

تحدثت عنب بلدي مع أربعة أشخاص يقيمون في مناطق مختلفة شمالي سوريا هي: أطمة، وبنش، والباب، وبعضهم ضمن مخيمات تابعة لها، أكدوا جميعهم عدم كفاية الحملات، وعدم التزام السكان بها.

منذر سعيد، شاب من مدينة بنش بريف إدلب، قال إنه التزم نوعًا ما بالإرشادات الوقائية الخاصة بفيروس “كورونا” بعد تعريف الحملات التوعوية بها، آخذًا الأمر على محمل الجد، فبحسب قوله، إذا ما وصل الفيروس إلى مناطقهم ستكون حجم الكارثة التي سيسببها أضخم مما سببته السنوات التسع التي مرت عليهم.

لكن أغلب أهالي بنش لم يلتزموا بعد بالتعليمات، ولم يتعاملوا بجدية مع الوضع، ويتجولون بكل أريحية دون أي وقاية، بحسب منذر.

أحمد غريبي، يعمل بائعًا في محل للألبسة ببلدة أطمة في ريف إدلب الشمالي، عرّفته حملات الدفاع المدني بالفيروس، إلا أنه لم يرَ التزامًا بها على نطاق واسع، مستنتجًا ذلك من مكان عمله وسط السوق، ورؤيته للكثافة الاعتيادية للناس، كما تشير أسئلة معظمهم له إلى عدم معرفتهم بالفيروس.

بالمقابل، لم ينكر عادل جلاوي، أحد نازحي مخيم الأزرق التابع لمدينة الباب بريف حلب، خلال حديثه لعنب بلدي، المعرفة التي أضافتها حملات التوعية له، من خلال توزيع مناشير عن طرق الوقاية والسلامة العامة من الفيروس، واستجابة الناس الجيدة لها.

واستشهد عادل بمثل شعبي، “لولا المربي ما عرفت أربي”، بإفادة هذه الحملات النازحين، ولولاها لجهلوا أي شيء يتعلق بالفيروس، مؤكدًا وعي النازحين الكبير بالموضوع والتزام أغلبهم بالإرشادات.

إلا أنه أنكر إمكانية تطبيق هذه الإرشادات الوقائية في ظل أوضاع المخيم، تاركًا الحكم على أثرها بالجانب النظري لا العملي، ونافيًا وصول أي من الوسائل الوقائية لهم عبر المنظمات (كمامات طبية، قفازات، معقمات).

ياسر الدرويش، مدير مخيم الأزرق، أكد ما قاله عادل، بعدم وجود أي إمكانية للالتزام بالأساليب الوقائية التي نشرتها المنظمات، مرجعًا ذلك للسبب ذاته، وهو بيئة المخيمات، ومن المستحيل، بحسب رأيه، تأمين حجر صحي في حالة إصابة أحد النازحين.

وأكد الدرويش أن الحملات التي جرت ليست كافية من ناحية، والنازحون لم يلتزموا بشيء منها، من الناحية الأخرى.

لماذا لا يستجيب الأهالي

يرى اختصاصي الإرشاد النفسي عمر النمر أن مجتمعًا بهذا الموروث الكبير من المآسي والأحزان والتجهيل، يحتاج إلى جهد مضاعف لإقناعه بالالتزام بالتعليمات، ويحتاج إلى الأدوات المناسبة لذلك وهي قليلة، وبرأيه فإن أساليب الوعظ والإرشاد لم تعد كافية أو مقنعة، ولا بد من طرق حديثة لمخاطبته.

“فالمواطن السوري أصبح نموذجًا فريدًا في تعاطيه مع الأمور، لما مر عليه وعاشه خلال أعوامه الأخيرة، وقبلها لما رُبّي عليه من عادات أنشأتها الظروف الاجتماعية والسياسية والدينية بداخله”، بحسب ما قاله النمر لعنب بلدي.

قسّم النمر أسباب عدم استجابة السوريين، خاصة في الشمال، لدوافع داخلية، وأخرى خارجية.

أول الأسباب الداخلية، هو الجهل بالخطر الحقيقي القادم من عدو غير مرئي، والفهم الخاطئ للتوكل على الله والإيمان بالقضاء والقدر، دون الأخذ بالأسباب الدنيوية.

أما الأسباب الخارجية فتتعلق بأزمة الثقة التي نشأت داخل نفوس السوريين بسبب ما اعتادوا عليه من كذب وإخفاء للحقيقة، ما جعلهم لا يأخذون الفيروس على محمل الجد، رغم وصوله إلى سوريا، كما عايش المجتمع السوري المخاطر والموت بأنواعه، ما جعله يستصغر جائحة “كورونا”، ويستسهل حتى الموت بها.

مدير مخيم الأزرق أكد ما قاله الاختصاصي النفسي، فمن وجهة نظره “تعرضنا لقصف همجي وأتينا إلى المخيم بطقس قارس وعانينا الكثير، لذا فالنازحون هنا غير مكترثين بقضية كورونا”.

لقمة العيش أقوى من الموت

وعن تبريرات عدم الالتزام بقواعد الحجر واتخاذ أساليب الوقاية، يرى الاختصاصي النفسي عمر النمر، سببًا وحيدًا محقًا، هو عدم توفر أساسيات العيش التي تأتي على رأس أولويات الإنسان، وفقًا لهرم “ماسلو” للاحتياجات الإنسانية.

النمر يرى أن من خرج ليؤمّن خبز أطفاله وقوت أهله، سيخرج ولو إلى الموت، وهنا يأتي دور المنظمات والمؤسسات الدولية في تأمين الاحتياجات الأساسية لكي يبقى الأهالي في منازلهم آمنين.

وهذا ما قاله أحمد، بائع الألبسة في أطمة، فهو يذهب إلى العمل يوميًا بشكل طبيعي، لعدم استطاعته البقاء في المنزل مع تدني مستوى دخل الفرد وارتفاع الأسعار.

تحذير دولي: سوريا ستصبح أكبر منطقة تفشٍّ

وجه مدير الصحة في محافظة إدلب، في 24 من آذار الحالي، رسالة إلى المنظمات والمانحين والمغتربين، تحدث فيها عن عدم التزام الأهالي في إدلب بحملات التوعية والحظر المجتمعي بسبب عدم امتلاكهم ما يؤمّن لهم الماء والغذاء، مطالبًا إياها بزيادة المخصصات لهذه المنطقة.

بدورها، حذرت “لجنة الإنقاذ الدولية” (IRC)، من أن تتحول سوريا إلى أكبر منطقة تفشٍّ في العالم بـ”كورونا”، بسبب سنوات الحرب وتدمير الواقع الصحي.

وحددت المنظمة محافظة إدلب على وجه الخصوص، بعدما نزح منها أكثر من مليون شخص منذ كانون الأول عام 2019، بسبب الحملات العسكرية من قبل النظام وروسيا عليها.

فإقامة كثير من النازحين بأماكن مزدحمة ومكتظة بالسكان والصرف الصحي فيها سيئ، جعل مسألة الإبعاد الاجتماعي تكاد تكون مستحيلة، والوصول إلى الخدمات الأساسية محدود للغاية، وفقًا لـ”IRC”.

وقال مدير السياسة الإقليمية والمناصرة بالشرق الأوسط في “IRC”، ميستي بوسويل، إن الظروف في إدلب ناضجة لانتشار المرض، لنقص الغذاء، والمياه الملوثة، والتعرض للطقس البارد، ما يجعل مئات الآلاف من الناس في حالة صحية سيئة، وهذا ما يعرضهم أكثر للإصابة بـ”كورونا” ويسرّع من انتشاره.

وتحدث أيضًا بوسويل، عن وجود نقص في الأدوية بالمنطقة، وأضاف أن شراء المعدات والأدوية للاستجابة لتفشي مرض ينتشر بهذه السرعة مثل “كورونا”، صعب بالفعل.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة