أين اتفاق "التسوية"؟

شبح التجنيد الإجباري يخيم على ريف حمص الشمالي مجددًا

عناصر من قوات الأسد في ريف حمص الشمالي - 2018 (سبوتنيك)

camera iconعناصر من قوات الأسد في ريف حمص الشمالي - 2018 (سبوتنيك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- عروة المنذر

عاد شبح التجنيد الإجباري ليهدد الشبان الذي آثروا البقاء في حمص على “التهجير”، بعد اتفاق “التسوية” الذي فُرض من قبل قوات النظام وحليفته روسيا،
على الأهالي بريف حمص الشمالي، في أيار 2018.

إسماعيل، شاب من مدينة الرستن، متخلف عن الخدمة الإلزامية، تحدث لعنب بلدي عن أزمة اختبائه في أثناء حملات التجنيد الإجباري الأخيرة، وتحفظ على نشر اسمه الكامل لاعتبارات أمنية.

قلة الحركة لإسماعيل وللشباب الذين بنفس وضعه القانوني، لم تمنع قوات النظام في الآونة الأخيرة من التضييق عليهم أكثر، بحسب تعبيره، مؤكدًا أن دوريات الشرطة العسكرية وحواجزها الطيارة تظهر وتختفي بشكل عشوائي، يصعب عليه توقعه.

وعلى الرغم من كثافة دوريات الشرطة العسكرية إلا أن اعتقاله ومن مثله، وسَوقهم إلى الخدمة العسكرية عملية ليست نهائية، ووفقًا لإسماعيل، فباستطاعة المال أن يخلص الشخص منها، مشيرًا إلى أن التسعيرة المتوافق عليها تبدأ من 50 ألف ليرة سورية.

وجاهة لم تلقَ آذانًا صاغية

تحرك وجهاء المنطقة في ريف حمص، لمطالبة أمين شعبة حزب “البعث”، وبعض رؤساء المفارز الأمنية، بالتوسط لدى مخفر الشرطة العسكرية للتقليل من كثافة الدوريات والحواجز الطيارة، إلا أنهم لم يجدوا سامعًا لهم.

وشكل وجهاء وأعضاء من مجلس مدينتي الرستن وتلبيسة، وفدًا للتفاوض مع النظام، وقابلوا المسؤولين عن هذه القضية من شعبة الحزب، إلا أنهم تنصلوا من أي مسؤولية، وفق ما أكده أحد أعضاء الوفد لعنب بلدي (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية).

أما بالنسبة لمدير المنطقة ومسؤولي مفارز الأمن، فأجابوا أن هذا عملهم وأنهم (عناصر النظام) “يريدون العيش”، في إشارة اعتبرها العضو، أنهم راضون عن ابتزاز عناصر مخفر الشرطة العسكرية، لشبان المنطقة.

وتعهد كل من أمين شعبة الحزب، ومدير المنطقة، ورؤساء المفارز، للوفد المفاوض، بمنع مخفر الشرطة العسكرية من مداهمة أي منزل، واقتصار عملهم على الدوريات والحواجز الطيارة.

من “الرديفة” إلى “النظامية”

رغم هذه الوعود المقطوعة من قبل المسؤولين في المنطقة، إلا أن عدة مداهمات حصلت خلال كانون الثاني الماضي، بحسب ما أكده أبو محمد، أحد أهالي قرية غرانة بريف حمص الشمالي، لعنب بلدي.

“أبو محمد” (تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية) ضرب مثالًا عاينه بنفسه، إذ داهمت عناصر الشرطة العسكرية أحد المنازل في القرية لسَوق متخلف عن الخدمة العسكرية، وعَرض أهله على الضباط مبلغ 175 ألف ليرة سورية، لم يُقنع الدورية التي أصرت على اعتقال الشاب، بحسب “أبو محمد”.

واتضح لاحقًا وفقًا لـ”أبو محمد”، أن الشاب كان متطوعًا في فوج “التدخل السريع” المدعوم من إيران، وبمجرد تركه الخدمة معهم، دوهم منزله وسيق بالقوة إلى الخدمة الإلزامية.

ليست المرة الأولى

وُقع اتفاق “التسوية” في أيار من عام 2018، بين فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي والقوات الروسية، التي ضمنت التزام النظام السوري ببنوده.

وقضى الاتفاق بترحيل الفصائل المقاتلة الرافضة له إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، ونص أيضًا حينها على الإبقاء على “جيش التوحيد” بقيادة منهل الصلوح، الذي كان عرابًا للاتفاق بالتنسيق مع “تيار الغد” الذي يترأسه أحمد الجربا.

وبعد أشهر قليلة على بدء التسوية، عاد التشديد الأمني إلى المنطقة بأشكال عدة، أبرزها الاعتقالات وعمليات الخطف، والسَّوق إلى الخدمة العسكرية.

كما لم تمضِ أشهر على الاتفاق حتى بدأت مكاتب التجنيد لمصلحة القوات الرديفة باستقطاب الشباب، وترويج أعضاء “المصالحة” للالتحاق بالخدمة الإلزامية، إلى جانب بدء دوريات الشرطة العسكرية بنصب الحواجز واعتقال المطلوبين للخدمة الإلزامية، ما دفع أعدادًا كبيرة من الشباب في الريف الشمالي إلى الالتحاق بقوات النظام طوعًا على أمل عدم زجهم في جبهات القتال.

وفي 25 من آب 2018، نقل النظام السوري 400 مقاتل من فصائل “التسوية” في ريف حمص إلى محيط إدلب، للمشاركة في العملية العسكرية، وينضوي المقاتلون في فصيل “جيش التوحيد” ونُقلوا بمرافقة “قوات النمر” إلى منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي.

ومنذ بدء الحملة العسكرية للنظام على مناطق إدلب وريف حماة، في شباط 2019، يستقبل ريف حمص الشمالي ما لا يقل عن عشرة قتلى كل أسبوعين، موزعين على قرى سهل الحولة وتلبيسة والرستن وأريافها، بحسب ما رصدته عنب بلدي، إذ يتم تسليم جثتين وسطيًا كل 15 يومًا إلى الأهالي في المدن الرئيسة، كمدينة تلبيسة والرستن والحولة، بالإضافة إلى الأرياف.

ولا توجد إحصائيات رسمية أو اعتراف من قبل النظام السوري حول عدد الذين يُقتلون في جبهات إدلب وحماة من “عناصر التسويات”، ويقتصر ما يمكن توثيقه على ما تنشره الصفحات المحلية والموالية للنظام السوري، أو صفحات الكتائب العسكرية غير الرسمية في مواقع التواصل.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة