علي درويش | زينب مصري | ميس شتيان
في خيمة أشبه بـ”أكياس النايلون” لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف، تعيش أم طارق مع أبنائها الثلاثة معاناة مستمرة، فبعد اعتقال زوجها وانقطاع المعلومات عنه، لجأت من مدينة القصير إلى الجارة اللبنانية عرسال، في أقصى الشمال الشرقي من محافظة البقاع، لتختارها ملاذًا آمنًا.
لكن موجة الصقيع التي ضربت لبنان مؤخرًا، زادت من معاناة العائلة اللاجئة وعائلات أخرى تقطن في سبعة آلاف خيمة في المنطقة، تتشابه فيها الأزمات، بين الوضع المعيشي وصعوبة تأمين فرص العمل والتعليم، والضغط الأمني على الساكنين.
تعود عرسال إلى الواجهة كل شتاء، نظرًا للقصص الواردة من مخيمات المنطقة، والمشابهة لقصة أم طارق، ونداءات الاستغاثة التي يطلقها اللاجئون، أو “النازحون” بالمسمى اللبناني، فلا تلقى آذانًا صاغية.
لكن البرد ليس كل ما يعانيه سوريو عرسال الملاصقة لحدود بلادهم، بل هو جزء من معاناة أكبر مستمرة منذ سبعة أعوام، تعرضوا فيها للملاحقة الأمنية والاعتقال، وللمنع من العمل والبناء، ويصارع أبناؤهم للحصول على التعليم.
تواصلت عنب بلدي في هذا الملف مع عشرة مصادر من قاطني مخيمات عرسال والقائمين عليها والناشطين الإغاثيين والتعليميين، لتسليط الضوء على أوضاع السوريين في المنطقة، وطلب أغلبهم، نتيجة الخوف من “الإعادة الطوعية” إلى سوريا، ألا تُنشر أسماؤهم.
الثلج يعيد المأساة إلى الواجهة..
سوريو عرسال بلا تدفئة وخدمات طبية
تحيط المياه بخيمة أم طارق من ثلاثة جوانب، وتتسرب في إحدى الليالي إلى داخلها مبللة الفرش والسجاد، فتسارع مع طفلها الأكبر لرفع أغراض الخيمة، ويحاول الابن نقل أخيه الصغير إلى خيمة الجيران، مارًا ببرك المياه الباردة التي تتوسط الممرات بين الخيم والتي تبلل ملابسه حتى ركبتيه، الأمر الذي سبب للطفل “عقدة” من لمس المياه الباردة، كما تقول والدته.
تصف أم طارق (43 عامًا) لعنب بلدي الوضع بـ”المأساوي”، مشيرة إلى غياب الصيانة عن الخيام، وتقول إن قنوات الصرف الصحي في الخيام تطوف، ما يؤدي إلى تسرب مياه الصرف الصحي إلى داخلها، مسببة التلوث والأمراض إلى جانب البرد.
لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة لـ”أبو فرج” (48 عامًا) الذي يصارع البرد وشح المواد الغذائية وغلاءها معًا، ليعيل عائلته المؤلفة من زوجته وثمانية أبناء وبنات، والتي يقيم معها في خيمة أبعادها 24 مترًا مربعًا.
أبو فرج من سكان مخيمات عرسال، لاجئ عاطل عن العمل بسبب قلة الفرص واستغلال أرباب العمل للاجئين السوريين، بحسب تعبيره، لا يجد الحليب لطفله الرضيع ذي العشرة أشهر ولا لتوأمه ذي الأربعة أعوام، ويطالب بتوفير كروت المواد الغذائية، وبإعادة تسجيل السوريين من سكان مخيمات عرسال المفصولين من قوائم “الأمم المتحدة” الإغاثية.
لا وسائل للتدفئة
تتمثل أهم احتياجات سكان مخيمات عرسال بالخيام والمدافئ ومواد التدفئة ومواد التغذية والأدوية، فالعديد من الخيام تتمزق بفعل الهواء البارد بعد تجمدها بسبب الثلوج، كما أن العديد من العائلات تمتلك مدافئ تعطلت بعد مرور أكثر من خمس سنوات على منحها لهم، وإلى الآن تحاول بعض العائلات إصلاحها واستعمالها.
وإلى جانب المدافئ تحتاج هذه العائلات إلى المحروقات للتدفئة، الأمر الذي أكده أحد متطوعي فريق “ملهم” التطوعي الناشطين في عرسال، إذ قال في حديث لعنب بلدي إن سكان الخيام يحتاجون بالدرجة الأولى للتدفئة لذلك يعمل فريق “ملهم” حاليًا على تقديم مادة المازوت للمخيمات، وبعد التدفئة يحتاج السكان للمساعدات بشكل عام، كالمواد الغذائية ودفع إيجارات الأراضي، لأن أغلبية اللاجئين في مخيمات عرسال بلا عمل.
وأشار إلى أن القوانين اللبنانية لم تقيد وصول المساعدات إلى أهل المخيم، “على العكس ففي بعض الأحيان كانت آليات الجيش تساعد الناشطين ضمن العاصفة وتفتح بعض الطرقات التي تراكمت فيها الثلوج”.
وتوزع بعض المنظمات الإغاثية عشرين لترًا من مادة المازوت لكل خيمة في بعض المخيمات المسؤولة عنها، وتكفي العائلة لمدة ثلاثة أو أربعة أيام كحد أقصى، ووصل التوزيع في بعض المخيمات إلى أربع مرات منذ بداية الشتاء حتى الآن، مجموعها “غير كافٍ” لدرء برد الشتاء وموجة الصقيع التي يحملها الطقس في لبنان، بحسب ما قاله “أبو فارس” أحد سكان وناشطي مخيم “بنيان القلمون” في عرسال لعنب بلدي.
مساعدات قليلة
قدّر أبو فارس أن 30% من سكان مخيمات عرسال مفصولون بشكل نهائي من قوائم المساعدات الإغاثية التابعة لـ”الأمم المتحدة”، مشيرًا إلى أن “المصيبة” توجد عند هذه الشريحة، بسبب احتياجهم شهريًا لما يقارب 400 دولار أمريكي بشكل وسطي لتغطية احتياجاتهم الأساسية فقط.
ويعد غياب التنسيق بين المنظمات العاملة في المجال الإغاثي بمخيمات عرسال أحد أهم الأسباب التي تؤدي إلى عدم وصول المساعدات بشكل متكافئ لعدد كبير من سكان المخيم، إذ توجد العديد من المنظمات التي تدعم بعض المخيمات عدة مرات في السنة، في وقت لا تدعم أي منطمة المخيمات الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى عدم وجود توازن في المساعدات المقدمة.
وفي حال تكافلت جهود المنظمات العاملة في عرسال، ستغطى احتياجات المخيمات بشكل كامل، بحسب ما قالته الناشطة الاجتماعية في مخيمات عرسال هدى البريدي، لعنب بلدي.
وترافق حاجة اللاجئين في مخيمات عرسال للتدفئة ولوازمها، حاجتهم أيضًا للكوادر الطبية المتخصصة وللوازم الطبية وخاصة أدوية الأطفال بشكل عام من خافضات للحرارة ومضادات حيوية ومسكنات وأدوية الرشح والاحتقان والسعال.
نقاط طبية لا تكفي
يقول الطبيب أحمد خلوف العامل في “مشفى الهيئة الطبية” في عرسال وبمركزين صحيين آخرين في نفس المنطقة، إن أكثر ما ينقص المشافي هناك أدوية الضغط والقلب والأمراض المزمنة والأمراض المعدية السارية، ومع توفر هذه الأدوية في الصيدليات اللبنانية، تباع بسعر مرتفع في عرسال، لتشكل عبئًا ماديًا لا يستطيع اللاجئ السوري تحمله.
ويشير خلوف في حديث لعنب بلدي، إلى غياب الدعم الصحي عن المشافي السورية في عرسال، إذ تغطي منظمة “الصليب الأحمر الدولي” 15% من حاجات مشفى “الهيئة الطبية” الذي يعمل به، ويعتمد المشفى على الرسوم “الرمزية” التي يحصلها من المراجعين السوريين، إذ يدفع المريض السوري ثلاثة آلاف ليرة لبنانية أي ما يعادل دولارين اثنين كرسم رمزي للمعاينة الطبية، لكنه يعاني عند شراء الدواء الموصوف له، بسبب عدم توفره.
ويبلغ عدد النقاط الطبية المتوفرة لمئة ألف نسمة في عرسال كاملة ثماني نقاط فقط، في حين تستقبل خمس منها اللاجئين السورين، وهي مشفى “الهيئة الطبية” ومستوصف “نيو عرسال” ومشفى “الرحمة” ومركز “الآمال” ومستوصف “الكرفانات” بالإضافة إلى مستوصفات تابعة لمنظمة “أطباء بلا حدود”، أقرب في عملها إلى المشافي الميدانية.
ويعاني مشفى “الهيئة الطبية” من ضغط “هائل” بحسب خلوف، لأن المرضى السوريين يأتون إليه من مناطق طرابلس والبقاع ومناطق لبنانية أخرى، بسبب انخفاض تكاليف الطبابة، بالإضافة إلى توفيره عيادات متعددة، وامتلاكه ست حواضن أطفال، ومركزًا لغسيل الكلى بثلاثة أجهزة، وغرف عمليات للجراحة العظمية والعامة والتوليد.
كما يعاني مستوصف “نيو عرسال” من انعدام “شبه تام” للأدوية ولمادة المازوت، الأمر الذي جعل إدارة المستوصف تطلب المحروقات من السكان لتدفئة المستوصف ومعالجة المرضى.
حجة “الإرهابيين”..
كيف تخلص منها أهالي عرسال
تراجعت القبضة الأمنية على السوريين في عرسال، خلال العامين الماضيين، مقارنة بالفترة التي تلت وصول فصائل “الجيش الحر” وتنظيمي “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية”، من مناطق سيطرتهما في مناطق جرود القلمون المحاذية للحدود السورية اللبنانية، إلى عرسال.
وذلك عقب العمليات العسكرية التي أطلقتها قوات النظام السوري وميليشيا “حزب الله” اللبناني و”الدفاع الوطني” السوري، وشارك الجيش اللبناني بها في حزيران 2017.
وأجرى الجيش والقوى الأمنية العديد من المداهمات سواء للمخيمات أو لبيوت مطلوبين أمنيًا لديها خلال تلك الفترة، ليعود الوضع بشكل تدريجي إلى “مريح”، حسبما وصفه سوريون التقتهم عنب بلدي في البلدة.
وأعلنت القوات الأمنية سابقًا القبض على العديد من الأشخاص بتهمة الانتماء إلى تنظيمات “إرهابية”، وهي اتهامات وُجهت لسوريين في عرسال خاصة كونها ينظر إليها في الداخل اللبناني ومن قوى الأمن والجيش كمركز “للإرهابيين”، بسبب وجودها على الحدود السورية اللبنانية وسيطرة تنظيمي “النصرة” و”الدولة” على مناطق محاذية لها سابقًا.
كيف تتواصل الجهات الأمنية مع لاجئي عرسال حاليًا
تلعب إدارة مخيمات اللاجئين في عرسال دورًا رئيسًا في عملية التواصل بين الجهات الأمنية والحكومية اللبنانية واللاجئين السوريين حاليًا، في حال كان الأمر متعلقًا بمخيم معين أو شخص معين في أحد المخيمات، حسب ما أفاد به رؤساء مخيمات تواصلت معهم عنب بلدي.
أما إذا تعدى الأمر مخيمًا بعينه، إلى قضية تتعلق بالسوريين بشكل عام في عرسال، فيبرز دور اللجان الشعبية السورية والناشطين السوريين إلى جانب إدارة المخيمات في عمليات التواصل.
وتوعز السلطات اللبنانية إلى الجهات السابقة بالأوامر أو بالمستجدات والتنبيهات، عن تحديثات الأوضاع الأمنية وغيرها المتعلقة بالسوريين، كإرشادات الجهات الأمنية للسوريين بعدم حراكهم وتحييدهم عن الوضع في لبنان، بعد اندلاع مظاهرات 17 من تشرين الأول 2019 التي طالب فيها اللبنانيون في معظم مناطق لبنان برحيل الطبقة السياسية الحاكمة وتشكيل حكومة “تكنوقراط”.
كما أن أي إشكال بين اللاجئين والجهات اللبنانية يستدعي التواصل بين الهيئات والناشطين.
وتتوسط البلدية، التي وصفها بعض من التقتهم عنب بلدي في عرسال “بأم البلد”، عملية التواصل، وفي حال حصول مشكلة تتوجه الجهات السورية إليها (غالبًا يتم اللقاء مع رئيس البلدية أو أمين السر).
فعلى سبيل المثال، عند صدور قرار هدم داخل خيام اللاجئين في أيار 2019، لمن تجاوز بناء الحائط الداخلي من “البلوك” المتر، وهو ما سمحت به الجهات اللبنانية، إضافة إلى هدم المخيمات الإسمنتية، رعت البلدية التواصل بين الهيئات السورية ورؤساء المخيمات من جهة، والضابط المسؤول في الجيش اللبناني عن المنطقة لتسهيل العملية.
غلاء معيشي ومساعدات “بالقطارة”..
كيف يؤمّن لاجئو عرسال قوتهم
يبلغ مجموع مخيمات السوريين في عرسال 135 مخيمًا، ويضم كل مخيم من 50 إلى 100 خيمة، بينما تضم المنطقة نحو 2500 منزل يقطنها سوريون، بحسب مسؤول في لجنة التنسيق والمتابعة الخاصة بمخيمات المنطقة (تحفظ على نشر اسمه).
تشير اللجنة إلى أن الأسرة الواحدة تحتاج وسطيًا إلى 400 دولار شهريًا، لتتمكن من تغطية نفقاتها الأساسية، وتبلغ نسبة النازحين المستفيدين من دعم المفوضية نحو 80% من سكان المخيمات.
أعمال لا تسد إيجار خيمة
“أبو أحمد”، نازح سوري في مخيم عرسال، يصف لعنب بلدي حاله وعائلته بـ”السيئة”، فهو يعمل منذ عامين في متجر أغذية، منذ السادسة صباحًا حتى الثالثة ظهرًا، مقابل ثلاثة دولارات فقط في اليوم الواحد، أي أقل من 100 دولار شهريًا.
يعيش “أبو أحمد” مع عائلته المكونة من زوجة وثلاثة أطفال، في خيمة مأجورة، يدفع مقابلها 15 دولارًا في الشهر، كما يتكلف مصاريف كهرباء ومياه وخدمات نظافة، حوالي 23 دولارًا شهريًا، كما تحتاج الخيمة إلى أمبير واحد من الكهرباء الخاصة في الشهر الواحد، بسعر 12 دولارًا.
يقول “أبو أحمد”، إنه على الرغم حصوله شهريًا من مفوضية اللاجئين على 125 دولارًا، (27 دولارًا عن كل فرد من العائلة)، إلا أن هذا لا يكفي، وهو بحاجة إلى 450 دولارًا على الأقل لتغطية نفقات أسرته وتكاليف دراسة أولاده، ما يضطره للجوء إلى الاستدانة بشكر متكرر.
وكونه يعمل في متجر مواد غذائية، أشار إلى ارتفاع كبير تشهده أسعار المواد الغذائية بسبب تراجع قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار، إذ تسجل 2250 ليرة أمام الدولار، بعد أن كانت في السابق 1500 ليرة مقابل الدولار الواحد، وهو ما ينعكس على القدرة الشرائية للسوريين في المنطقة.
وبالنسبة إلى وقود التدفئة، تحتاج الأسرة، بحسب “أبو أحمد” إلى 300 لتر من مادة المازوت في الشتاء، بسعر 150 دولارًا.
أعمال محددة
لا تتعدى نسبة العاملين بشكل قانوني بموجب تصاريح عمل من إجمالي السوريين في عرسال 5%، بينما سمحت الحكومة اللبنانية للاجئين بالعمل فقط في مجالي الزراعة والبناء، ويمنع على السوري مزاولة أي عمل خاص، بحسب المسؤول في لجنة التنسيق والمتابعة.
من تبقى من سكان المخيم يزاولون، بشكل غير قانوني، أعمالًا حرة، مثل أعمال مناشر الحجر والخشب وأعمال الإكساء، ولا تتجاوز أجرة العامل عشرة دولارات يوميًا.
ويعاني جزء من الشباب من بطالة مرتفعة بسبب قلة فرص العمل أو بسبب الإعاقة، كما أن كبار السن ليست لديهم القدرة على مزاولة الأعمال الشاقة والمجهدة.
أما بالنسبة للزراعة، فهي أساسًا مهنة غير رائجة في عرسال بسبب طبيعة الأرض غير المؤهلة للزراعة، والطقس غير الملائم خصوصًا في فصل الشتاء، ويعتمد من يعمل بالزراعة على البيوت البلاستيكية، أو على زراعة أرض ذات مساحة صغيرة، أو مزاولة عمل في أراضٍ زراعية، مثل “تقليم الشجر”.
هدم المساكن الإسمنتية..
وسيلة ضغط لـ”إعادة طوعية”
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون في عرسال، هدم الجيش اللبناني في تموز 2019، منازل لهم، بذريعة مخالفة القانون في شروط البناء، وذلك بموجب قرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع اللبناني، في أيار من العام ذاته.
ويقدر عدد الخيام في منطقة عرسال بنحو 15 ألف خيمة، منها سبعة آلاف خيمة بجدران حجرية، ونحو 2500 مكونة من جدران إسمنتية، وفقًا لمسؤول برنامج الرعاية الصحية في “اتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية” العامل في المنطقة، زياد عزيز.
وقال عزيز في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن بناء المخيمات العشوائية أو “المخالفة”، في إشارة للخيام الإسمنتية، جاء لأمور خاصة تتعلق بمنطقة عرسال تحديدًا، وذلك في ظل غياب الدولة عن المنطقة لزمن طويل، إضافة إلى طول فترة اللجوء وانعدام أي رؤية سياسية تنهي أزمتهم في سوريا ليبدؤوا بالعودة.
البرد الشديد هو أحد الأسباب التي دفعت اللاجئين لإنشاء الجدران الإسمنتية لخيامهم في عرسال، كونها أكثر دفئًا ومقاومة للرياح والعواصف الثلجية والمطرية من الخيام القماشية، إلى جانب إحكامها بأبواب ونوافذ تتناسب مع معيشة اللاجئين، بحسب سامر المصري، أحد المتطوعين لدى “مفوضية شؤون اللاجئين” و”لجنة الإنقاذ الدولية بعرسال”.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” قالت إن الجيش اللبناني هدم مساكن للاجئين السوريين في 1 من تموز 2019، بسبب عدم ملاءمتها لقوانين السكن القائمة منذ فترة طويلة، والتي “نادرًا ما تُطبّق”.
كما انتقد مدير برنامج حقوق اللاجئين في “هيومن رايتس ووتش”، بيل فريليك، هدم الخيام، وقال بعدما شاهد اللاجئين السوريين في عرسال وسهل البقاع يهدمون مساكنهم، “يجب الالتفات إلى حقيقة هذه الحملة على انتهاكات قانون السكن، وهي الضغط غير الشرعي على اللاجئين السوريين لمغادرة لبنان”.
وأضاف فريليك أن الأمر بالهدم هو واحد من عدد من الإجراءات الأخيرة لزيادة الضغط على اللاجئين السوريين للعودة، التي تشمل الاعتقالات الجماعية، والترحيل، وإغلاق المتاجر، ومصادرة أو إتلاف المركبات غير المرخصة، بالإضافة إلى القيود الأخرى القائمة منذ زمن، بما فيها حظر التجول والإخلاء، والحواجز أمام تعليم اللاجئين وحصولهم على الإقامة القانونية وإجازات العمل.
فبينما تُبرَّر قرارات إزالة الخيام الإسمنتية بـ“مخاوف استيطانية للاجئين”، تتصاعد أصوات المسؤولين اللبنانيين بضرورة التسريع في حل ملف اللاجئين عبر إعادتهم إلى بلدهم.
وكانت الدولة اللبنانية بدأت عام 2018 باتخاذ خطواتها لإعادة السوريين، عبر تنسيق بين الأمن العام اللبناني والنظام السوري و”مركز المصالحة الروسي في حميميم”، وعادت دفعات كثيرة أحدثها في مطلع شباط الحالي، حين عاد أكثر من 900 شخص “طوعيًا” خلال يوم واحد من لبنان.
ثلاثة أنواع للتعليم..
مستقبل أطفال عرسال “ضائع” بين شهادات مختلفة
بينما تنعدم فرص التعليم الجامعي بالنسبة للسوريين في عرسال، تتنوع أشكال التعليم المدرسي للأطفال نسبة إلى الجهات التي توفره، كما تقل قيمته وأثره نتيجة أزمة عدم الاعتراف بالشهادات التي يحصل عليها أغلب الطلاب.
تواصلت عنب بلدي مع الناشط في المجال التعليمي المهندس ماجد برشا، ومدير مدرسة “قرية حياة” في عرسال، نصوح حمود، للوقوف على وضع التعليم المدرسي في المنطقة، الذي ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
أول أشكال التعليم هو الحكومي الرسمي اللبناني، ويتوزع على أربع مدارس لبنانية يحضر فيها ثلاثة آلاف و200 طالب سوري كدوام ثانٍ، بعد انتهاء دوام الطلاب اللبنانيين، ويحصل الطلاب على شهادات صادرة عن وزارة التربية اللبنانية، تؤهلهم الدخول إلى الجامعات اللبنانية.
والنوع الثاني مدعوم من قبل جمعيات، ويتم في المدارس (المراكز) السورية أو مدارس خاصة لبنانية كدوام ثانٍ أيضًا للسوريين، ويتوزع على 14 مدرسة بعدد طلاب خمسة آلاف و990 طالبًا، بينما كان عددهم العام الماضي ستة آلاف و688 طالبًا.
وتصدر شهادات النوع الثاني عن وزارة التربية في “الحكومة السورية المؤقتة”، التي لم تقدم دعمًا للتعليم في عرسال، سوى بتوفير الشهادات، وحتى الكتب التي دُرّست فيها لمدة ست سنوات، استُبدل بها منهاج لبناني.
ما مشاكل شهادات “الحكومة المؤقتة”؟
لا تخول شهادة “الحكومة السورية المؤقتة” حاملها إتمام تعليمه الجامعي في لبنان، وهو ما دفع ببعض الطلاب إلى تقديم امتحانات الشهادة الثانوية في سوريا، عبر وسيط، لضمان مستقبل شهادة أكثر اعترافًا، ومتابعة الدراسة الجامعية في سوريا.
يضطر الطالب الحاصل على شهادة “الحكومة المؤقتة” إلى أحد حلول التسجيل الجامعي، وهي الالتحاق بمعهد “الحكومة المؤقتة” في عرسال الذي أصبح شبه مشلول، أو السفر إلى تركيا عن طريق منح دراسية لا يحصل عليها طلاب من عرسال إلا نادرًا.
ومن الحلول المطروحة الانتظار حتى يصبح عمر الطالب 18 عامًا، ليتقدم إلى امتحان الشهادة الإعدادية اللبنانية كطالب حر، أو لعمر 21 عامًا لتقديم امتحانات الثانوية كطالب حر أيضًا، أو يكتفي بالقدر الذي تعلمه، وهو ما يفعله أغلب الطلاب، لذلك ترتفع نسبة التسرب المدرسي في الأعمار بين 12 و15 عامًا.
وتدرّس المدارس السورية منهاجين، إما منهاج “الحكومة المؤقتة” أو وزارة التربية اللبنانية المعرّب، لأن مواده الأساسية باللغة الفرنسية، لكن بالمجمل جميع الشهادات الصادرة عنها في النهاية هي شهادات “الحكومة المؤقتة”.
التعليم الموازي ونظام “ALP”
النوع الثالث من التعليم في مخيمات عرسال هو التعليم الموازي للتعليم الرسمي، تدعمه جمعيات محلية ودولية بالتنسيق مع وزارة التربية اللبنانية.
وتجري الجمعيات دورات محو أمية (الأمي هنا كل طفل خارج التعليم الرسمي) مدتها من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتدرّس منهاجًا خاصًا بكل جمعية بإشراف وزارة التربية اللبنانية.
وهذ النوع من التعليم لا يمنح شهادة لطلاب محو الأمية، ويحوَّل من يريد منهم إلى برنامج “ALP” (التعليم المكثف)، ويمنحون إفادة موقعة من وزارة التربية لطلاب التعليم المبكر، تخولهم الالتحاق بالصف الأول في المدارس الرسمية.
وبعد اجتياز برنامج “ALP”، ينتقل الطلاب إلى المدارس الرسمية، وهذا بحسب مستواهم، ويمكن ألا يجد الطالب مكانًا، لذلك يمكن أن تجد طفلًا في مدرسة سورية ودورة محو أمية معًا، لأن وزارة التربية اللبنانية تمنع أي جمعية من تعليم السوريين تعليمًا نظاميًا.
كما طبقت الوزارة قرارًا خلال العامين الماضيين، بمنع تسجيل أي طالب سوري في المدارس الرسمية إلا في حالات محددة جدًا، منها مرحلة الروضة، أو إذا كان لديه تسلسل دراسي من سوريا، أو لديه وثيقة باجتياز برنامج “ALP”.
ما هو برنامج “ALP”
تطلقه وزارة التربية اللبنانية كل عام، ويعني برنامج “التعليم المكثف”، والغرض منه تعليم الطلاب السوريين غير المسجلين في المدارس الحكومية أو الخاصة لمدة محددة، ثم يخضعون لامتحان، إذا اجتازوه يستطيعون التسجيل في المدرسة الرسمية أو الخاصة إن كانت أعمارهم فوق سبع سنوات وأقل من 14.
لكن السوريين لا يرغبون بالالتحاق عادة بالبرنامج لعدة أسباب، أهمها أن معظم الطلاب السوريين وأهاليهم لا يتقنون اللغة الفرنسية ولا يفضلونها، وكون المدارس الرسمية في عرسال تدرّس كلها باللغة الفرنسية، لذلك برنامج “التعليم المكثف” بالفرنسية أيضًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :