تعا تفرج

بلاد الزبالة والأنقاض

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

يقول خبر نشرته “عنب بلدي” إن بلدية الشعب التابعة لمجلس الرقة المدني استأنفت عملية ترحيل الأنقاض التي بدأت عقب خروج تنظيم “الدولة” (داعش) من المدينة عام 2017.

هذا الخبر، في الحقيقة، يفتح شهية الإنسان على التفكير والتأمل والحكي.

كان الرجل من أهل حلب، في القديم، يستأجر حوشًا (بيتًا) ليسكنه مع عائلته، وخلال الأشهر الأولى للسكنى يراقب دخلَه، أي رزقه، يا ترى زاد أم نقص؟ وينتبه لصحة عياله، هل أصبح ابنه مثل الجاموس الشبعان، وابنته سكرى بخمر العافية -كما يغني وديع الصافي- أم أن صحتهم تضعضعت، و”لاحت الصابونة” على وجوههم؟

إذا زاد الرزق والصحة، يحمد الرجل ربه ويشكره، وإن حصل العكس فسرعان ما يأمر أم العيال والبنات بضب الكلاكيش، تمهيدًا للانتقال إلى حوش آخر، وإذا سئل عن سبب هذا القرار المفاجئ يقول: “هالحوش ما إجا وجُّه علينا إغر”. يعني: وجهه لم يجلب لنا السعد.

وجه تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لم يأتِ علينا نحن السوريين والعراقيين “إغر”، بل إنه أصبح ملازمًا لوجود الأنقاض الغارقة بالدماء والأشلاء، حتى صار السوريون يحسدون الشعب اللبناني على طبقتهم السياسية الفاسدة، ويقولون: ما أحلى الزبالة بالمقارنة مع الأنقاض!

الرجال “الدواعش” جاؤوا إلينا من مجاهل التاريخ، ومن كل حدب وصوب، يرتدون القنابيز الغريبة، والأحزمة الناسفة، ويقتلون من يقع في متناولهم دونما تمييز. إذا صادفوا بناء أثريًا فجروه، وإن أعجبهم بيت اتهموا صاحبه بالتشبيح وصادروه، وإن عثروا على قبر عليه نقوش وخطوط كسروه، ونبشوه. سكاكينهم لا تبرح أيديهم، يعالجون بها رقبة كل مَن لا يمتثل لقوانينهم. لهم في الحياة هدفان أساسيان هما: محاربة الآخرين جميعهم، بلا استثناء، وقتلهم، ومعاقبة المرأة بوصفها المسبب الأكبر لكل الشرور والآثام، وهذا الهدف الأخير، أعني معاقبة المرأة، يتحقق بأشكال مختلفة، كحرمانها من الحقوق الإنسانية والمدنية، وطمرها بالألبسة السوداء السميكة، ووضعها وراء الأسوار والأقفال، والزواج منها! الآخرون استشعروا خطر “داعش”، فشكلوا لمحاربتها أساطيل جوية عملاقة، دمرت ما لم تدمره “داعش”، وقتلت من لم يتسنَّ لها قتله، فتأمل يا رعاك الله.

إذا قلت لي إن وجه حافظ الأسد ووريثه من بعده لا يقل وبالًا وشؤمًا علينا من وجه “داعش”، فسوف أسارع إلى أقرب حنفية، وأتوضأ، وأحلف لك على أقرب مصحف أن كلامك صحيح، بل إن “داعش” لم تدمر سوى نسبة قليلة من الأحواش، ولم تصل سكاكينها إلا إلى عدد قليل من رقاب السوريين، وأما ابن حافظ الأسد فتولى قتل مليون سوري، وهدم البنى التحتية للمجتمع السوري، وجعل المدن والبلدات والقرى والكفور والدساكر قاعًا صفصفًا، وجعل الحلم الوحيد للسوري المنحوس الذي يعيش تحت حكمه أن يحظى بعطف دولة أخرى، تفتح له أبوابها، وتخصصه ببيت صغير، ولا شك أن وجه هذا البيت سيأتي عليه “إغرًا” لأنه أولًا، لا يتعرض للقصف، وثانيًا يستحيل أن تتمكن دورية من الأمن الجوي أن تداهمه عند الفجر، وتشحطه من بين عياله، وتودعه في معتقل يحسد ساكنوه الحميرَ على عيشتهم الآمنة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة