“الباب”.. خطب جمعة “تنمط” الدين وتغرد بعيدًا عن مشاكل الناس
ريف حلب – عاصم ملحم
تغيب القضايا التي تمس واقع الناس عن خطبة الجمعة وتنحصر بالأسلوب الوعظي، ما يفقد المنابر أثرها على المتلقين في الشمال السوري، لتعيد إلى ذاكرتهم الخطب في عهد حزب “البعث”.
الجمعة تنفصل عن واقع المصلين
“خطباء الجمعة هم الأشد انفصالًا عن الواقع، وما انفكوا عن حالة ما قبل الثورة، وتزامنًا مع حاضر تُحرق فيه إدلب، يتلقى المصلون خطبًا عن فضل صيام التطوع، وبهذا ينأى الخطيب بنفسه عن المشاكل والتهديدات بمواضيع لا تغضب سلطة، ولا تثير شعبًا”، بحسب ما قاله الشاب معتز ناصر، لعنب بلدي، في استطلاع لآراء الناس أجرته في مدينة الباب بريف حلب الشرقي.
وبرأي محمد دباغ، فإن معظم الخطب باتت مملة وجالبة للنوم، عوضًا عن رفعها للهمم وحثها على العمل. أما محمد عمر، فاعتبر الصعود على المنبر يوم الجمعة ملَكة للتواصل مع شرائح المجتمع الإسلامي، لكن الخطباء أضاعوا أهدافها وميزاتها ليخرجوها عن مهمتها الرئيسة.
لا خطب موجهة إلا في الأزمات
مدير أوقاف مدينة الباب، عبد الباسط الزالق، قال، في حديث إلى عنب بلدي، إنه لا يمكن تعميم الحكم على درجة انفصال الخطبة عن الواقع، على الرغم من وجود نسبة جيدة من الخطباء ينتهجون التقليدية، مرجعًا الفروق بين الخطباء إلى وعي كل منهم ودرجة تحصيله العلمي.
وتابع الزالق أن الخطبة تعبر عن أسلوب قائلها وتقديره لحاجة مجتمعه، مؤكدًا عدم توجيهها لهم من أي طرف، إلا في حالة “الأزمات”، إذ يتلقى الخطباء توجيهات من مديرية الأوقاف بأهمية الحديث عن موضوع معين.
وأشار إلى أن الأوقاف تسعى لتطوير الخطباء بتدريبهم على أساليب التأثير ومهارات الخطابة بدورات خاصة، مؤكدًا أنه كان من المقرر البدء بدورة خلال الشهر الحالي وأُجلت حتى شباط المقبل.
الخطيب حاج طالب أكد لعنب بلدي، أن التوجيه الذي يتلقاه هو فقط للتنبيه على المسائل الاجتماعية أو الخدمية أو التكافلية مثل: المخدرات، واللقاحات، ومساعدة المهجرين.
وأوضح حاج طالب أنه بغير هذه المواضيع لا يتلقى أي توجيهات من الأوقاف أو من غيرها، ليؤكد أن اختيار موضوع الخطبة وأفكارها وشواهدها هو من اجتهاد الخطيب.
وتابع أن خطيب الجمعة يعرف تلقائيًا الدائرة التي يستطيع البقاء فيها وملامسة حوافها، ولا يخرج عنها خوفًا من اعتقال أو اغتيال أو تطاول، لكنه استدرك أن للخطيب كامل الحرية في انتقاء مواضيع خطبه وطرحها والتعبير عنها.
وأرجع حاج طالب تقليدية أغلب الخطب والخطباء لضعف المعلومات أو لضعف في التحضير أو لبعد الخطيب عن واقع الناس.
في ظل غياب الخطاب الثوري.. منهج تقليدي مُسن وآثار سلبية
الحالة ليست وليدة اليوم، إنما هي معضلة عمرها عقود، وتشكلت بسبب الخوف من السلطات المسيطرة، برأي الباحث في علوم الشريعة علاء البيطار، الذي أوضح لعنب بلدي أن الاستبداد عمل على قتل روح الإبداع ومحاربة الانتماء، وحضور الطابع التقليدي الموجود عند الخطباء بالأصل، ما أدى إلى “تنميط” الدين حول الشكليات والفرعيات الفقهية خلال تلك العقود.
ويرى البيطار أن الثورة غيرت بشكل جذري وعلى مدى تسع سنوات من خصائص المجتمع الذي تأقلم مع حالة الخطب الراهنة، لذا أصبح يطلب ويبحث عما يماثله من تغيير في الخطاب الديني يتناسب وإياه.
ومن شأن التقليدية إخراج جيل غير محصن أمام التحديات والشبهات التي تجتاح واقعه، وهو ما يجعله ضحية لدعوات التطرف أو الإلحاد، بحسب ما قاله قتيبة العيسى، الحائز على ماجستير في التربية الإسلامية، لعنب بلدي.
وبحسب العيسى، فإن خلو الخطب من المحتوى الثوري تزعزع ثقة المجتمع بخطبائه ومشايخه.
وبمقارنته بين حالة الخطيب بعد الثورة وقبلها يرى الشيخ حاج طالب، أن الخطاب الثوري والتخصيص في الدعاء بالاسم مسألة قديمة حديثة، ففي زمن النظام كان خطباء يدعون لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، تلقائيًا ومن دون طلب من أحد، وبالمقابل كان هناك من يرفض الدعاء له بالاسم، وإن دعا له فذلك خوفًا من وضع إشارة عليه أو توجيه إنذار له من الأفرع الأمنية.
وبرأي حاج طالب، تنطبق هذه الحالة اليوم في عصر الثورة، معللًا أن الخطيب قد لا يواجه الانتهاكات وجرائم الحرب التي تحصل في المنطقة، لصلة له بمناطق سيطرة النظام لا يريد قطعها، أو خشية من إيذاء قريب له في دوائر النظام بسببه، وبرأيه أن الأمر يرجع لقناعة الخطيب وإيمانياته.
جمهور عنب بلدي: خطب سوريا منفصلة عن الواقع
وباستطلاع أجرته عنب بلدي عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك“، في 10 من كانون الثاني الحالي، أظهرت فيه آراء الناس حول القضية، بسؤال: هل تعبر خطب الجمعة في سوريا عن مشكلات وواقع الناس وتلعب أدوارًا في حلها؟
أجاب عن هذا التساؤل 1100 شخص، صوت 83% منهم لـخيار “لا”، و17% منهم فقط بـ”نعم”.
وعلق 25 شخصًا، جميعهم أكدوا غياب الخطبة عن واقع الناس ومشكلاتهم، فكتب أدهم هاموتا، “عندما يعبر خطيب الجمعة عن قلبه ودينه تعبر الخطبة عن كل شيء، لكن عندما تكتب له الورقة ويتسلمها قبل الصعود إلى المنبر، فنسلم أمرنا إلى الله!”.
وأيده أحمد المحمد معلقًا أن “الخطيب في وادٍ والجماهير في وادٍ، والله يعين العباد!”، بينما يقول مصطفى الحمدوني إن الخطب “كلها مكتوبة قبل الجمعة ومحضرة، وكأنك تحضر درسًا سياسيًا ويجب عليك أن تقتنع”.
في حين قال إمام وخطيب مسجد فاطمة في مدينة الباب، براء حاج طالب، إنه شخصيًا يحاول تقديم الأهم من المواضيع التي من شأنها ملامسة واقع الناس، وأن تعود بنفعها على آذان المستمع، بحسب تعبيره.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :