tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

القصف الروسي على المعرة وسراقب وعلى قرى إدلب بلغ من الوحشية حدًا منقطع النظير، فهل روسيا غاضبة على تأخر انتصارها في سوريا، أم أن تململ الشعب الروسي بدأ يضغط على قادة الكرملين، وصارت ذكرى التدخل بأفغانستان قرينة لتدخلهم في سوريا؟

في الخامس والعشرين من كانون الأول الحالي، مرت الذكرى الأربعين للتدخل الروسي في أفغانستان عام 1979، وانهالت المقالات الروسية التي تعيد نكء الجرح الروسي هناك، وقد أجمعت معظم الآراء حتى من قبل بعض المحللين المقربين من الكرملين على أن الدخول إلى سوريا مشابه تمامًا للدخول إلى أفغانستان، ما يوحي بأن العار يقترب من هذا التدخل، وربما سيكون له أثر كبير على الدولة الروسية، كما كان للاحتلال الروسي لأفغانستان ذلك الأثر المجلجل الذي مهد لانهيار الاتحاد السوفيتي بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل تشرنوبل والانهيار الاقتصادي الذي حوّل الروس إلى شعب يعيش في الطوابير من أجل لقمة خبز أو وجبة طعام.

الروس صدّقوا الإيرانيين ودخلوا إلى سوريا وصدّقوا أن الانتصار قاب شهرين أو أقل في سوريا، وابتسم الأمريكيون لهم وطمأنوهم بأن تدخلهم لن يتم فهمه كعدوان على مصالحهم، وكانت لقاءات وزيري الخارجية الأمريكي، جون كيري، والروسي، سيرغي لافروف، تتم بمنتهى التفاهم ويتخللها تبادل الوجبات الجاهزة بين الوزيرين في نفس الوقت الذي يتم فيه تهجير مئات الألوف من السوريين وقتل الألوف منهم تحت القصف والتعذيب!

لقد أنقذ الروس نظام بشار الأسد من السقوط، وأعلنوا للعالم أن النازية الأسدية هي الحل بوجه إرهاب الشعب السوري ومطالبته بالتحرر من الدولة السورية التي بناها حافظ الأسد، كدولة استبداد مجهزة للبيع لأي جهة تحافظ على عائلة الأسد، وفات الروس أن سوريا كانت مباعة للإيرانيين قبل تدخلهم، لأن إيران دفعت مليارات الدولارات لدعم نظام الأسد ولاستمراره بقصف الشعب السوري منذ بداية الثورة الشعبية في ربيع عام 2011.

ما جدد الغضب الروسي هو إعلان بشار الأسد لقناة “فينكس” الصينية قبل أيام، أن إعادة الإعمار عملية مربحة للصينيين وأنه مستعد لتوقيع العقود من أجل التحاق سوريا بمشروع الطوق والطريق الذي ترعاه الدولة الصينية عبر العالم، فالدولة الأسدية مستعدة لتوقيع عقود سخية ومربحة مع الشركات الصينية من أجل إعادة الإعمار واستمرار نظام الأسد في الحكم بعد ذلك الإعمار، واستقبلت الصين تلك المقابلة بروح التعاون واستعملت “الفيتو” مع الروس خلال الأسبوع الماضي من جديد ضد تقديم المساعدات للسوريين الذين يتم تهجيرهم وطردهم من بيوتهم نتيجة جهود مشتركة من قبل النظام وإيران وروسيا، فالطائرات الروسية والمدفعية الإيرانية والميليشيات تتقدم اليوم باتجاه إدلب بطريقة السجادة النارية التي يستعملها النازيون والمحتلون الذين لا يهمهم الشعب بقدر ما تهمهم الأراضي والمكتسبات التي يحصلون عليها.

سارع وزير خارجية النظام بالذهاب إلى روسيا لتصحيح الخطأ الذي ارتكبه بشار الأسد في مقابلته مع القناة الصينية، بمحاولته إعادة بيع سوريا للمرة الثالثة بعد أن قام بالبيع للإيرانيين وللروس من قبل، وذلك على طريقة بعض المكاتب العقارية التي تحترف النصب والاحتيال، عندما تبيع العقارات عدة مرات بنفس الوقت ودون موافقة أصحاب العقار، إذ يتواطأ المشتري الأول ويوافق على البيع المشبوه، ولكنه لا يعرف أن أعمال البيع المتتالية ستتم بعيدًا عنه كما حصلت سابقًا وبعيدًا عن أصحاب العقار.

ومع وصول وليد المعلم، أطلق الكرملين الدبلوماسي الروسي- الفلسطيني رامي الشاعر، وكتب مقالًا في صحيفة “زافترا” الروسية لتقريع بشار الأسد الذي لا يهتم بمأساة الشعب السوري، كما يقول، ولا بالحل السياسي المبني على القرار 2254، وهو الذي يعرقل اللجنة الدستورية، ويضع روسيا في وضع دبلوماسي محرج، رغم أن الروس لا يشعرون بأي إحراج دبلوماسي أو أخلاقي وهم يقصفون الآن المدن والقرى في الشمال السوري، بل ويلاحقون السيارات و”التركتورات” الفارة بالمدنيين ويقصفونها!

محاولة استرضاء الروس بعقود إضافية مع طباخ بوتين يفغيني بريغوجين لم ترضِ االكرملين، خاصة أن إدخال الصينيين سيشكل همًا جديدًا لهم مع الهم الإيراني الذي يضع مقاولة الروس التي رضي بها الأمريكيون والإسرائيليون في سوريا موضع قسمة مع طرف ثالث هم الصينيين، ناهيك عن تصريح وزير الخارجية السوري بأن مسار سوتشي الذي كان بوتين صانعه قد فشل، وأن الحل العسكري هو الوحيد المتبقي لبقاء الأسد، ما قد يعني أن كل القمم الروسية مع تركيا وإيران كانت بلا فائدة، وربما تكشف أقواله بأنها كانت مجرد تكتيكات متفق عليها مع الروس لإخفاء الحقيقة المتمثلة بتدمير سوريا.

يتورط الروس كل يوم بالدم السوري ويوغلون بارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، ما يجعل الورم الأفغاني يعاود حضوره في الذاكرة الروسية، فالتدخل في سوريا صار همًا ثقيلًا لقادة الكرملين، الذين بشّروا الروس في بداية التدخل في أيلول 2015 بأن النصر قريب، والقيادة الشرعية والشعب السوري يرجونهم من أجل التدخل، تمامًا كما رجاهم الرئيس الأفغاني، بابرك كارمل، والشعب الأفغاني من أجل التدخل عام 1979، عندما تورطوا في هزيمة أسهمت بتفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1991، فهل سيكون التدخل الروسي في سوريا سببًا في تفكيك حكم بوتين، خاصة أن قانون “قيصر” الأمريكي، الذي صدر قبل أسبوعين، قد وضع حدًا لكل محاولات جني الأرباح في سوريا!

وهل غضب روسيا وحدّة اعتدائها على المدنيين إشارة إلى هذا اليأس من تدخلها الذي لا تبدو له نهاية قريبة أو بعيدة ما دامت معادية للشعب السوري ولطموحه المشروع في الحياة والحرية؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة