حباء شحادة | مراد عبد الجليل
“بعد أكثر من ثمانية أعوام، اقترب ضحايا وحشية الأسد وعائلاتهم خطوة من العدالة والمحاسبة”، بهذه الكلمات وهو يبكي، استقبل الضابط السوري المنشق المعروف باسم “قيصر” نبأ تقدم مشروع القانون الذي سُمّي باسمه لتعتمده الولايات المتحدة رسميًا.
سرّب “قيصر” 55 ألف صورة لمعتقلين قتلوا تحت التعذيب في السجون السورية، وقدم شهادته أربع مرات في الكونغرس الأمريكي، مطالبًا بإيقاف القتل في سوريا ومحاسبة المجرمين.
“قيصر” هو قانون العقوبات “الأكبر” على النظام السوري وحلفائه، الذي أُقر بعد خمس سنوات من دورانه في أروقة الكونغرس الأمريكي، ليضمن “محاسبة نظام الأسد.. والعدالة لضحاياه”، حسبما كتب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عبر حسابه في “تويتر“.
وعرّف الكونغرس الأمريكي، وفق آخر تحديثاته في حزيران الماضي، القانون بأنه من وسائل الضغط الاقتصادي “لإجبار حكومة بشار الأسد على إيقاف هجماتها القاتلة على الشعب السوري، ولدعم انتقال سوريا لحكومة تحترم حكم القانون، وحقوق الإنسان، والتعايش السلمي مع جيرانها”.
لكن توقيع القانون من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، مساء الجمعة 20 من كانون الأول الحالي، لا يعني بحد ذاته الوصول مباشرة إلى محاسبة مجرمي الحرب في سوريا، ويعتبره قانونيون وحقوقيون التقتهم عنب بلدي محاولة للضغط السياسي والاقتصادي على النظام السوري، وسط تخوف من تحمل المواطنين السوريين تبعاته.
العقوبات لا تجلب العدالة لأحد
لا آليات حقوقية.. ضغط سياسي- اقتصادي
يتكرر مصطلحا “المساءلة والمحاسبة” في نص قانون “قيصر”، ما يدل للوهلة الأولى على توجه الولايات المتحدة الأمريكية إلى ملاحقة مجرمي الحرب في سوريا ومحاكمتهم، وفي مقدمتهم رئيس النظام السوري، بشار الأسد، كما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها، في 20 من كانون الأول الحالي.
لكن القانون لا يؤدي بشكل مباشر إلى هذا المفهوم، بل هو أداة ضغط سياسية واقتصادية على النظام السوري وحلفائه، وليس أداة قضائية بمعنى إلقاء القبض على أشخاص ومحاكمتهم.
عنب بلدي التقت مجموعة من الحقوقيين والقانونيين وناقشت مدى علاقة القانون بملاحقة مجرمي الحرب، والآليات التي يمكن الاعتماد فيها على “قيصر”.
مدير البرنامج السوري للتطوير القانوني، إبراهيم علبي، اعتبر أنه يجب بداية توسيع مفهوم المحاسبة والمساءلة، فالمحاسبة لا تعني فقط الإجراءات القضائية، وإنما أي إجراء يمكن اتخاذه يضيّق على النظام السوري أو يزعجه، إن كان عقوبات اقتصادية أو منع إعطائه الشرعية.
وأوضح أن قانون “قيصر” لا يملك أداة محاسبة قضائية، بمعنى إلقاء القبض على المرتكبين لجرائم حرب ومحاكمتهم، وإنما يدرج أسماء على قوائم العقوبات ويمنع التواصل معهم ماليًا، ويفرض عقوبات مالية واقتصادية على أي طرف يخترق هذه العقوبات.
في حين يعتقد مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أن هناك نوعًا من “المواربة” من قبل الأمريكيين في القانون، وعلى الرغم من وجود ألفاظ المساءلة والمحاسبة، فإن القانون لا يتحدث عن آلية للمحاسبة واتخاذ إجراءات بحق مرتكبي الجرائم، وإنما يتحدث عن عقوبات ضد النظام.
وقال الأحمد لعنب بلدي إن أمريكا تتحدث عن تعزيز قضية المساءلة، كما ذكرت الخارجية في بيانها الذي جاء فيه أن “قيصر يقدم للولايات المتحدة أدوات من أجل المساعدة في وضع حد للصراع الرهيب والمستمر في سوريا من خلال تعزيز قضية مساءلة نظام الأسد”، وقد يظن البعض للوهلة الأولى أنه ستكون هناك آليات للمحاسبة وتوثيق الجرائم وملاحقة قضائية واتخاذ إجراءات بحق مرتكبي هذه الجرائم، إلا أن نص القانون يتحدث عن مجموعة من الإجراءات والعقوبات بحق شخصيات معينة في سوريا مثل الرئيس وأي طرف يقدم دعمًا للنظام.
وأكد الأحمد أنه لا توجد آليات يمكن الاعتماد فيها على القانون لإيصال مجرمي الحرب في سوريا إلى المحاكم الدولية أو إلى محكمة الجنايات، لأنه ليس “آلية محاسبة صافية”، مثل “الآلية الدولية المحايدة” التي تجمع الأدلة على الانتهاكات وتحفظها وتحللها، وإنما هو أداة ضغط سياسي من أجل دفع النظام السوري إلى تقديم تنازلات سياسية، وخاصة فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية التي تجري محادثاتها في جنيف بإشراف الأمم المتحدة.
من جهته، قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن العقوبات لا تجلب العدالة لأحد، ولم تكن إطلاقًا بديلًا عن إجراءات العدالة، مثل إقامة محاكمات ولجان حقوقية وبرامج تعويضات وإصلاح أجهزة أمنية، مؤكدًا أن القانون هو للضغط على النظام السوري وداعميه بهدف تغيير سلوكه.
على ماذا ينص “قيصر”؟
لقانون “قيصر” أربعة بنود أساسية، تتعلق بفرض العقوبات على النظام السوري وحلفائه، ولخصت عنب بلدي شروط رفعها، وهي:
فرض العقوبات على الأجانب المتورطين بصفقات خاصة
يفرض الرئيس الأمريكي، خلال 180 يومًا من التوقيع على القانون، عقوباته على الأجانب الذين يقرر تورطهم بنشاطات معينة، تشمل تقديم الدعم المالي والمادي أو التقني، عن سابق معرفة، للحكومة السورية أو لأحد الكيانات التابعة لها أو لأحد السياسيين فيها.
وتُفرض العقوبات أيضًا على المتعاقدين العسكريين والمرتزقة أو القوات شبه العسكرية، التي تنفذ نشاطاتها الحربية، عن سابق معرفة، داخل سوريا أو بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسوريا سابقًا.
وتشمل العقوبات كل من يبيع أو يوفر بضائع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو أيًا من أنواع الدعم، الذي يسهل الحفاظ على الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي والنفط أو المنتجات النفطية، أو توسيع هذا الإنتاج.
إضافة إلى من يبيع أو يقدم الطائرات أو قطعها للاستخدام العسكري في سوريا، ومن يقدم عن سابق معرفة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خدمات البناء أو الهندسة للحكومة السورية.
وفيما يخص مناطق النازحين في سوريا، يجب على الرئيس الأمريكي تحديد تلك المناطق ومن يسيطر عليها وما سبب تهجير الناس قسريًا منها، لضمان منع الأجانب من دخولها بعقود لإعادة الإعمار، قد تعود بالنفع على الحكومة السورية وحلفائها.
وتشمل العقوبات حجز الملكية ومنع الحصول على تأشيرات أو أي منافع من دوائر الهجرة الأمريكية، مع سحب التأشيرات الجارية بشكل مباشر، وفرض غرامات على الأشخاص المشمولين فيها.
معاقبة منتهكي حقوق الإنسان
تُفرض العقوبات على الأشخاص المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم، وحدد القانون مجموعة من الشخصيات الذين يقترح أن تشملهم العقوبات، والذين يجب على الرئيس الأمريكي تقديم لائحة بأسمائهم، خلال 300 يوم من فرض القانون، بعد أن يقرر الرئيس إن كانوا مسؤولين أو مشاركين، عن سابق معرفة، في انتهاكات حقوق الإنسان، ثم تجدد سنويًا.
وبين الشخصيات المقترحة: رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه في سوريا، ومجلس الوزراء، ورئيس القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولون في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة.
إلى جانب قادة ونواب الفرقة الرابعة من القوات المسلحة السورية، وقائد الحرس الجمهوري السوري، ومستشار الشؤون الاستراتيجية للرئيس السوري، ورئيس ونائب رئيس مركز الدراسات العلمية والأبحاث في سوريا.
بالإضافة إلى المسؤولين عن السجون التي تسيطر عليها الحكومة السورية، والمحافظين ورؤساء الفروع الأمنية في المحافظات الـ14 في سوريا المعينين من قبل الرئيس السوري.
مساعدة الشعب السوري
دعا القانون الكونغرس للاستمرار بدعم الشعب السوري لضمان السلام والاستقرار والتنمية، عبر تقييم برامج المساعدة الحالية، ومنح مهلة 180 يومًا يقدم خلالها وزير الخارجية ومدير وكالة التنمية الدولية الأمريكية تقريرًا للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، لمراقبة وتقييم البرامج وأهدافها وأدائها والمصاعب التي تواجهها.
وخلال فترة لا تتعدى 90 يومًا، على الرئيس الأمريكي تقديم تقييم للّجنتين يبين فيه فاعلية ومخاطر ومتطلبات الوسائل العسكرية أو غير العسكرية لحماية المدنيين في سوريا، خاصة من هم في المناطق المحاصرة أو العالقين عند الحدود أو النازحين داخليًا.
ويمنح القانون التفويض لوزير الخارجية، بعد استشارة المدعي العام ورؤساء الوكالات الفيدرالية ذات العلاقة، لتقديم المساعدة لدعم الكيانات التي تقوم بالتحقيق في الجرائم وتدعم المدعين العامين أو تقوم بجمع الأدلة، لتتم المحاكمة القضائية لمن ارتكب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك من ساعد على ارتكابها من الحكومات الأجنبية والمنظمات الداعمة للحكومة السورية منذ آذار 2011.
ويتضمن القانون دعم المنظمات غير الحكومية ونشاطاتها المرخصة، ووضع استراتيجية لتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية، دون تخصيص نفقات إضافية خاصة بالقانون.
ماذا عن تجميد العقوبات؟
بإمكان الرئيس الأمريكي، وفقًا للقانون، تجميد كامل أو بعض العقوبات التي يتضمنها القانون، لفترات لا تتعدى 180 يومًا، في حال اتُّبعت شروط معينة في سوريا.
تشمل هذه الشروط التوقف عن استخدام المجال الجوي السوري من قبل سوريا أو روسيا لاستهداف المدنيين بالمتفجرات، مثل البراميل المتفجرة، والأسلحة الكيماوية، والأسلحة غير التقليدية، والصواريخ.
إضافة إلى السماح بمرور المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من قبل سوريا أو روسيا أو إيران أو أي داعم أجنبي، والسماح بحرية الحركة والمساعدة الطبية، والتوقف عن استهداف المنشآت الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية والأسواق.
ومن الشروط أيضًا إطلاق الحكومة السورية لكل المعتقلين السياسيين المحتجزين ضمن زنازينها، وسماحها بدخول المحققين والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان لمعاينتها، واتخاذ الحكومة السورية خطوات للالتزام بتعهداتها لمنع إنتاج واستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وسماحها بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للنازحين واللاجئين السوريين، وإنشاء وسائل فعلية لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وتوفير العدالة للضحايا.
ويمنح القانون استثناءات لما يتعارض مع المصالح القومية الأمريكية، والمصالح الإنسانية، فيما يتعلق بتقديم المنظمات غير الحكومية للأنشطة الإنسانية.
صناعة القوانين في الكونغرس الأمريكي
يمثل الكونغرس الفرع التشريعي من الحكومة الأمريكية، ويتألف من مجلس النواب، الذي يضم 435 عضوًا، ومجلس الشيوخ، الذي يضم 100 عضو.
يستطيع أي عضو في الكونغرس أن يقدم مشروع قانون لمجموعته التشريعية، التي تحوله إلى نقاشات بين اللجان المختصة، وفي حال الموافقة عليه تحيله اللجنة إلى مجلس النواب أو مجلس الشيوخ للتصويت عليه.
وحينما توافق الأغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ أن المشروع يجب أن يتحول إلى قانون، يتم توقيعه ثم إرساله إلى رئيس الولايات المتحدة.
وقد يوقعه الرئيس ليحوله إلى قانون أو قد يرفضه بالفيتو، وفي حال رفضه فبإمكان الكونغرس التخلص من الفيتو الرئاسي من خلال موافقة ثلثي أعضائه في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب ليتحول إلى قانون رغم رفض الرئيس.
سياسيًا: جعل الحياة أسوأ ما يمكن على النظام
بالعودة إلى تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، في أيلول عام 2018، التي أعلن فيها أن الولايات المتحدة تعتزم تبني “استراتيجية عزلة” مع حلفائها تشمل عقوبات مشددة، إذا عرقل رئيس النظام السوري العملية السياسية الرامية لإنهاء الحرب، أو تقاعس عن التعاون بخصوص إعادة كتابة الدستور تمهيدًا لإجراء انتخابات.
وجاء إقرار “قانون قيصر” بعد عرقلة النظام السوري عمل اللجنة الدستورية، التي عقدت الجولة الثانية منها أواخر الشهر الماضي، وانتهت بفشل عقد أي اجتماع بين المعارضة والنظام، بسبب رفض الأخير جدول أعمال المعارضة والدخول في مناقشة المبادئ الدستورية، وطلبه مناقشة ما أطلق عليها “مرتكزات وطنية تهم الشعب السوري”.
واتهمت الخارجية الأمريكية في بيان لها، في 1 من كانون الأول الحالي، النظام السوري بتعطيل عمل اللجنة الدستورية بسبب وضعه شروطًا مسبقة لعملها.
وتهدف إدارة الرئيس الأمريكي إلى “جعل الحياة أسوأ ما يمكن لهذا النظام المتداعي، وجعل الروس والإيرانيين الذين أحدثوا هذه الفوضى يهربون منها”، بحسب تعبير جيفري.
وبحسب بيان وزارة الخارجية الأمريكية، في 20 من كانون الأول الحالي، فإن “غاية عملنا (في قانون قيصر) هي الاستجابة لنداءات الشعب السوري التي تطالب بالتوصل إلى حل سياسي دائم للنزاع السوري تماشيًا مع قرار مجلس الأمن رقم “2254“، الذي ينص على تشكيل هيئة حكومة مؤقتة وتشكيل دستور وإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشرافها.
وتعتقد عضو منظمة “أمريكيون لسوريا حرة” وقائمة المجتمع المدني في اللجنة الدستورية، منى جندي، أن القانون قد يكون “وسيلة ضغط” على النظام السوري من أجل إجباره على التفاوض، معربة عن أملها في استخدام القانون للدفع بعملية سياسية حقيقية.
من جهته أكد مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن الهدف من القانون الضغط على النظام لتغيير سلوكه، لكنه استدرك أن العقوبات ستطال الشعب السوري “فهي معادلة شبه مستحيلة الحل فإن تم فرضها ستؤذي الشعب السوري بشكل غير مباشر، وإن تم رفعها ستنعش النظام السوري بشكل غير مباشر”، مشيرًا إلى “اعتبارات سياسية، فالولايات المتحدة لا تملك أسلحة وأدوات بالملف السوري، والعقوبات هي وسيلتها الوحيدة”.
لكن العبد الله أكد ضرورة مراقبة مدى فاعلية وتأثير العقوبات على الشعب السوري، خاصة أن هناك تجارب سابقة لفرض عقوبات على عدة بلدان مثل العراق وليبيا وكوريا الشمالية وإيران، ولم تنجح بتغيير سلوك النظام.
وبحسب استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر صفحتها في “فيس بوك”، أظهرت النتائج انقسام جمهور عنب بلدي حول إسهام قانون “قيصر” بالضغط باتجاه حلول سياسية، إذ أيد 46% (502 صوت) إمكانية لعب القانون دورًا في دفع النظام السوري للدخول في عملية سياسية جادة، في حين استبعد 54% (599 صوتًا) أن يكون للقانون دور في ذلك.
قانون “قيصر”
– يفرض الرئيس الأمريكي عقوباته خلال 180 يومًا من إقراره.
– يدوم لخمسة أعوام.
– يدرس فرض العقوبات على البنك المركزي السوري.
– يعاقب الأجانب الداعمين للنظام السوري من أشخاص وشركات ودول اقتصاديًا وعسكريًا ومعلوماتيًا.
– يعاقب منتهكي حقوق الإنسان والمتواطئين معهم.
– يساعد الشعب السوري ويبحث في سبل حمايته ويدعم جمع الأدلة والتحقيق لمحاسبة مجرمي الحرب.
– يربط رفع العقوبات بالتزام الحكومة السورية بحقوق الإنسان وإيقاف الانتهاكات والإفراج عن المعتقلين.
سلاح اقتصادي ذو حدين
لا يُنظر إلى نتائج قانون العقوبات الجديد بتفاؤل بما يخص الأثر على النظام، بل بتخوف من تبعاته على المواطنين السوريين، الذين يعيش 83% منهم تحت خط الفقر، بحسب تقييم احتياجات الأمم المتحدة لعام 2019.
ورغم تقديم القانون للإدارة الأمريكية مهلة ستة أشهر لفرض العقوبات، ظهرت آثاره مباشرة مع انخفاض قيمة الليرة غداة توقيعه من الرئيس الأمريكي، من 900 إلى 920 ليرة مقابل الدولار الواحد، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار العملات.
وفترة ستة أشهر تعد “قصيرة” على الملاحقين بالعقوبات، فبحسب المحامية السورية- الأمريكية وعضو منظمة “أمريكيون لسوريا حرة”، منى جندي، تقدم القوانين الأمريكية “عادة” مهلة عام للإدارة قبل فرض العقوبات، وهذا لـ”منح الوقت لمنتهكي العقوبات المحتملين، لإيقاف نشاطاتهم والتوقف عن الاستثمار وإغلاق حساباتهم المصرفية”.
يكبح التوجه لإعادة الإعمار
في الوقت الذي يحقق فيه النظام السوري مكاسب في الحرب الميدانية، وينشط في الترويج لـ”إعادة الإعمار” وعودة الوفود الأجنبية، أقرت واشنطن “قيصر” ليكون “أكبر” قانون للعقوبات وإن لم يكن أولها.
وتشمل بنود القانون جميع المساعدات المحتملة للنظام السوري، من الأشخاص والشركات والدول الأجنبية، بما فيها روسيا وإيران، التي قدمت له دعمها في المجال السياسي والعسكري والمالي خلال أعوام النزاع، ووقعت معه عقودًا في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ويحرم هذا القانون، بحسب تقدير رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، اقتصاد النظام السوري من “أي دعم خارجي”، مثل وضع وديعة لدعم الليرة السورية أو إسهام شركات الإعمار ودخولها السوق السوري، ما يعني “كارثة” اقتصادية جديدة له.
ويضغط القانون على موارد النظام الاقتصادية “بشكل كبير”، حسبما قال القاضي لعنب بلدي، وينذر بانخفاض جديد لقيمة العملة السورية، وإعاقة أي عمل تنموي صناعي أو زراعي أو تجاري، وتخلي حلفاء النظام الاقتصاديين عنه.
ومع حصول القانون على موافقة مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الأمريكي، بات قانونًا ملزمًا لأي إدارة أمريكية مقبلة، وبالتالي يكون من الصعب على أي رئيس مقبل أن يوقف العقوبات من دون موافقة الكونغرس مرة أخرى.
وللشعب نصيب
ينعكس قانون “قيصر”، بانخفاض في إسهامات القطاع الزراعي والصناعي والطاقة والتجارة، وانخفاض “أشد من ذي قبل” في مستويات معيشة السوريين، وارتفاع معدلات البطالة، بحسب تقدير رئيس “مجموعة عمل اقتصاد سوريا”، الدكتور أسامة القاضي، الذي تنبأ بأن تتجاوز معدلات الفقر أكثر من 90% ممن تبقى من سكان سوريا.
ولا يملك النظام السوري لمواجهة القانون سوى خيارين، بحسب رأي القاضي، إما “التعنت” والامتناع عن السير في الحل السياسي العادل، مع تجاهل العقوبات ومعاناة السوريين وجوعهم، ومتابعة استعانته بحلفائه، الذين هم أصلًا تحت الحظر والمقاطعة.
أو أن يستجيب للدعوات الأممية والسير في تطبيق قرارات جنيف والقرار “2254“، وإيقاف قصف المدنيين وانتهاك حقوق الإنسان.
وكانت الدعوات الأممية والدولية قد توالت منذ عام 2011، وترافقت مع التقارير التي وثقت انتهاكات وصفتها بـ”الجرائم ضد الإنسانية”، وسط إنكار ورفض من النظام، حتى الآن.
تحايل.. لكن بصعوبة
مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أكد أنه سيكون هناك نوع من التحايل على القانون، وخاصة من قبل الدول الداعمة للنظام ممن لها وزن سياسي واقتصادي، كروسيا وإيران والصين، لكن كيفية التحايل وطرقه ستكون مرهونة بالزمن لتوضيحها.
ورغم تأكيده أن التحايل على القانون صعب، أشار الأحمد إلى أنه يمكن للنظام وحلفائه التحايل عبر وضع أشخاص في واجهة التعامل وتسجيل شركات “الأوف شور” في دول مثل بنما.
لكن ما يمكن العمل عليه هو إعداد ملفات قانونية ضد أشخاص وتجار معينين تنطبق عليهم المعايير التي ذكرها القانون والتواصل مع الجهات المختصة بالولايات المتحدة الأمريكية لإدراجهم على قائمة العقوبات، بحسب ما ذكره مدير البرنامج السوري للتطوير القانوني، إبراهيم علبي.
ويمكن استخدام مواد القانون كوسيلة لتهديد أي جهة أو دولة تحاول شرعنة النظام السوري وإعادة علاقتها معه، بحسب علبي، مشيرًا إلى أن البرنامج السوري للتطوير القانوني لديه وحدة مختصة بحقوق الأعمال والتجار ويعمل على ملاحقة التجار ورجال الأعمال الداعمين للنظام السوري، يمكن التواصل معها حول هذه الملفات.
أبرز المنظمات والجمعيات التي أسهمت في تبني القانون
وصل “قيصر” إلى البيت الأبيض بعد جهود المئات من السوريين، الذين أسهموا في دعم رحلة القانون سياسيًا وقانونيًا وماليًا، عبر نشاطهم في المنظمات التي تبنت قضية إيقاف الانتهاكات التي يرتكبها النظام السوري.
الحركة الوطنية السورية(SNM)
انطلقت الحركة كجزء من “المجلس الوطني”، الذي انضوى تحت “الائتلاف الوطني المعارض”، وكانت حركة سياسية شكل أعضاؤها “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي”، في آذار 2015، وكانت أولى المنظمات التي حملت ملف “قيصر”، وتمكنت من إيصاله إلى الكونغرس الأمريكي عام 2014.
المجلس السوري- الأمريكي (SAC)
تعرف نفسها بأنها منظمة شعبية مكرسة لتعزيز التنمية التعليمية والمدنية والاقتصادية والبشرية، والنهوض بالحريات المدنية والكرامة الإنسانية في سوريا، تطمح إلى بناء جسور التفاهم والتعاون بين الشعب والمؤسسات الأمريكية والسورية، أُسست عام 2005، في ولاية إلينوي الأمريكية.
أمريكيون من أجل سوريا حرة (AFS)
منظمة غير حكومية وغير ربحية، تساعد في سن تشريعات وسياسات تشجع الحرية وحقوق الإنسان والمساءلة وسيادة القانون والديمقراطية العلمانية للشعب السوري، وتقول إنها تعمل من خلال الضغط المباشر في الكونغرس، ومن خلال تمكين “جماعات ضغط المواطنين”.
فريق الطوارئ السوري (SETF)
أُسس عام 2011 لدعم مطلب الشعب السوري بالحرية والديمقراطية، بغض النظر عن العرق أو المنطقة أو الخلفية. يقول الفريق إنه يدعم الشعب السوري عبر إطلاع وتثقيف الجمهور الأمريكي بالقضية السورية، بهدف معالجة الأزمة الإنسانية الهائلة، وتعزيز تنمية المجتمع المدني السوري، بما يضمن احترام كرامة الإنسان وحريته.
سوريون مسيحيون من أجل السلام (SCFP)
أُسست عام 2014، وتضم عددًا من المعارضين السوريين المسيحيين، تسعى إلى تقديم الإغاثة الإنسانية والطبية للشعب السوري، وتعزيز العلاقات الودية بين شعب الولايات المتحدة وشعب سوريا، وتشجيع المشاريع والحملات الداعمة للجهود الديمقراطية والشاملة بين السوريين في الولايات المتحدة وخارجها.
كما تهدف، بحسب ما تعرّف عن نفسها، إلى تثقيف الجمهور حول أهمية الحوار متعدد الطوائف والأعراق كما هو متعلق بسوريا، وتشجيع أخوة السوريين من جميع الخلفيات الدينية والعرقية، بما في ذلك التأكيد على التعاون التاريخي والوحدة للمواطنين السوريين والمسلمين في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :