القانون بات وشيكًا.. ماذا يحقق؟

أربعة مرتكزات لقانون “قيصر” تحدد نطاق تأثيره

معرض صور قيصر في الأمم المتحدة (لوموند)

camera iconمعرض صور قيصر في الأمم المتحدة (لوموند)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حباء شحادة

بعد انتظار دام أربع سنوات، يتوجه قانون “قيصر” للخضوع للتصويت للمرة الأولى في مجلس الشيوخ من الكونغرس الأمريكي، الأسبوع المقبل، ليصبح إقراره “قاب قوسين أو أدنى”، حسب تقدير متابعيه وداعميه الذين هللوا له وروجوا لأهميته، رغم تصاعد أصوات أخرى شككت بجدواه وحذرت من خطره على الشعب السوري.

ائتمن الضابط السوري المنشق، المعروف باسم “قيصر”، الحكومة الأمريكية على 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل قتلوا في سجون النظام السوري تحت التعذيب، وقدم شهادته أربع مرات أمام مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي، بعد تأكيد مكتب التحقيق الفيدرالي (FBI) صحة صوره، مطالبًا بإيقاف الانتهاكات المرتكبة في الزنازين السورية.

إلا أن صوره، التي جالت العالم وسببت الصدمة والغضب، لم تفلح حتى الآن في إنتاج فعل واقعي من الحكومة الأمريكية ضد النظام السوري، سوى بتمرير ما عرف باسم “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا” ثلاث مرات من مجلس النواب دون أن ينال وقتًا للمناقشة في مجلس الشيوخ، وسط زحمة القوانين ذات الأولوية الأمريكية، حتى الآن.

عملت المنظمات السورية الأمريكية الداعمة للقانون على إيصاله هذا العام إلى مجلس الشيوخ من خلال إدراجه مع قانون آخر، هو قانون “تصريح الدفاع الوطني”، الذي يعتبر “مضمون” النجاح، حسبما قالت المحامية منى جندي، من منظمة “أمريكيون لسوريا حرة“، لعنب بلدي.

أنباء دفعت الدموع لعيون “قيصر”، من الفرحة والأمل، لأنه “بعد أكثر من ثماني سنوات، اقترب ضحايا وحشية الأسد وعائلاتهم من العدالة والمحاسبة”، حسبما قال متحدثًا لصحيفة “The Washington Post“.

أربعة مرتكزات للقانون

قانون “قيصر” هو قانون للعقوبات، ورغم أنه ليس الأول، مع فرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزمًا متنوعة من العقوبات على النظام السوري، منها ما سبق ومنها ما لحق بدء الاحتجاجات الشعبية عام 2011، يعتبر هذا القانون من “أهمها” لمرتكزات عدة:

عامل ردع

يستهدف في بنده الأول مصادر الأموال التي تقدم الدعم للنظام السوري، ويشمل فرض العقوبات على الأجانب المتورطين بالمعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات الحكومة السورية أو بمساعدة إصلاح أو توسعة الإنتاج المحلي لسوريا من الغاز والنفط أو مشتقاته، وعلى المتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو عن روسيا أو إيران أو أي ممن فُرضت عليهم العقوبات الخاصة بسوريا سابقًا.

وحسبما يرى رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، التي أسهمت بدعم القانون وإيصاله لمراحله الأخيرة، أيمن عبد النور، فإن هذه العقوبات ستغلق جميع المنافذ التي كانت بيد النظام السوري للالتفاف على العقوبات السابقة، وستمنعه من استمرار “حربه على الشعب السوري”.

ومع النطاق “الواسع” لعقوباته، التي ستشمل المؤسسات الحكومية لأي دولة تقدم الدعم للنظام السوري، بما فيها روسيا وإيران، وكل الميليشيات المحاربة مع قواته، وستقف في وجه المؤسسات والشركات الخاصة الساعية للإسهام في “إعادة الإعمار”، فهي ستؤدي إلى “إضعاف النظام السوري وشل اقتصاده”، حسبما قال عبد النور لعنب بلدي.

وبدوره اعتبر مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، في حديث إلى عنب بلدي، أن تلك العقوبات ستمثل “عامل ردع للعمل مع النظام”، مشيرًا إلى “أهميتها” خلال هذه الفترة، التي يحاول النظام السوري خلالها الحصول على التمويل لـ”إعادة الإعمار”، مروجًا لـ”نصره” و”انتهاء الحرب”.

عقاب “سريع” للمذنبين

يفرض القانون في بنده الثاني العقوبات على المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم، وحدد مجموعة من الشخصيات المقترح أن تشملها العقوبات، بينهم رئيس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه في سوريا.

وتشمل أيضًا مجلس الوزراء، ورئيس القوات المسلحة البرية والبحرية والاستخبارات، والمسؤولين في وزارة الداخلية من إدارة الأمن السياسي والمخابرات والشرطة، وقادة ونواب قادة الفرقة الرابعة من القوات المسلحة السورية، وقائد الحرس الجمهوري السوري، ومستشار الشؤون الاستراتيجية للرئيس السوري، ورئيس ونائب رئيس مركز الدراسات العلمية والأبحاث في سوريا، بالإضافة إلى المسؤولين عن السجون التي تسيطر عليها الحكومة السورية، والمحافظين ورؤساء الفروع الأمنية في المحافظات الـ14 في سوريا المعينين من قبل الرئيس السوري.

ويمتاز قانون “قيصر” بأنه لا يقتضي الإجراءات القانونية “الطويلة”، التي كانت تقتضيها العقوبات السابقة، حسبما قال رئيس جمعية “سوريون مسيحيون من أجل السلام”، أيمن عبد النور، مشيرًا إلى أن تلك الإجراءات كانت تحتاج خمسة إلى ستة أشهر من المعاملات والمراجعات من قبل القانونيين والمحامين في أمريكا.

وأضاف عبد النور أنه استنادًا إلى نص القانون، يكفي إثبات مشاركة شخص أو شركة ما بأي مجهود أو نشاط ينتهك حقوق الإنسان، أو يسهم في التعذيب أو الهجوم على المدنيين، حتى يتم وضعه على قائمة العقوبات.

ويمثل خفض سقف الأدلة المطلوبة “نقطة إيجابية وسلبية في آن واحد”، حسبما يرى “مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إذ إنه يقدم صلاحيات “مقلقة” لوزارة الخزانة الأمريكية.

حماية المدنيين وتوثيق “جرائم الحرب”

وتشمل فقرة مساعدة السوريين، تقييم برامج المساعدة الحالية وتقييم الوسائل المحتملة لتحسين حماية المدنيين، وهو ما يتطلب تقارير من وكالات أمريكية متعددة، ما يعني طرقًا عسكرية وغير عسكرية لحماية المدنيين المتعرضين للقصف والعالقين عند الحدود أو المهجرين.

ويقدم المساعدة لدعم الكيانات التي تجمع الأدلة للمحققين بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الحاصلة في سوريا منذ آذار 2011، وتتضمن دعم المنظمات غير الحكومية ونشاطاتها المرخصة، ووضع استراتيجية لتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية، دون تخصيص نفقات إضافية خاصة بالقانون.

رفع مرهون بتغيير سلوك النظام

البند الرابع يقول إن الرئيس الأمريكي وحده من بإمكانه رفع العقوبات، حين تتخذ الحكومة السورية خطوات “واقعية” تجاه ضمان حقوق الإنسان، بما في ذلك إنهاء القصف، وإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين السوريين.

وقال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، إن هذه “سابقة” في قوانين العقوبات، لأنها تضع شروطًا مرتبطة بمجال حقوق الإنسان لرفعها، إذ لم تكن هناك قوانين سابقة مرتبطة بإطلاق سراح المعتقلين أو التقدم بالحل السياسي.

إلا أن العبد الله شكّك في إمكانية نجاحها، مستشهدًا بفشل العقوبات بتغيير سلوك أنظمة كوريا الشمالية وإيران وكوبا والعراق وليبيا سابقًا، وأشار إلى ضرورة “مراقبة” أثرها، حتى ولو ألقى عليها النظام اللوم، كما هو متوقع، لما سيمر به الشعب من وضع اقتصادي، لتقييم مدى فائدتها وضررها.

معادلة العدالة “المستحيلة”

سيعاني الشعب السوري من أثر العقوبات الأمريكية، وسيتأذى بشكل “غير مباشر”، حسب رأي العبد الله، إلا أن رفعها سيؤدي إلى “إنعاش” النظام السوري بشكل “غير مباشر”، فلا حل لمعادلة العقوبات “المستحيلة”، على حد تعبيره.

وفي حين تخضع العقوبات لاعتبارات سياسية، تتمثل في ابتعاد الولايات المتحدة عن الملف السوري وعدم امتلاكها للوسائل والأدوات البديلة للضغط على النظام، إلا أنها “ليست بديلًا عن إجراءات العدالة”، من المحاكمات ولجان التحقيق وبرامج التعويضات وإصلاح الأجهزة الأمنية، حسبما قال مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”.

لن تجلب العقوبات “العدالة” لأحد، كما لم تفعل سابقًا، ودورها محدود بالضغط على النظام والحكومات الداعمة لتغيير سلوكها، وهو ما لا يتوقعه العبد الله، مشيرًا إلى سلوك النظام السوري خلال الأعوام التسعة الماضية.

إلا أن المحامية، وعضو اللجنة الدستورية من قائمة المجتمع المدني، منى جندي، وعضو اللجنة السياسية في منظمة “أمريكيون لسوريا حرة”، قالت في حديثها لعنب بلدي، إن أهمية القانون هي بكونه “أداة للضغط وأفضلية”، لإجبار النظام السوري وحلفائه على التعاون خلال المسار السياسي الأخير، الذي افتقدت فيه الجهات غير الحكومية ضمن اللجنة سابقًا الوسائل والأدوات التي قد تدفعه لـ”التفاوض الفعلي”.

رحلة قانون قيصر

وصل قانون “قيصر” الخاص بفرض عقوبات على النظام السوري إلى مرحلة التصويت في مجلس الشيوخ، في 7 من كانون الأول الحالي، للمرة الأولى منذ تقديمه قبل ثلاث سنوات.

وأُدرج قانون “قيصر” مع قانون الميزانية والتمويل الخاص بوزارة الدفاع الأمريكية، الذي يحظى بإجماع من قيادات الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، ما جعل فرص إقراره خلال الأسبوع المقبل شبه “أكيدة”.

قانون “قيصر”، المسمى نسبة للضابط السوري المنشق، الذي سرب 55 ألف صورة، عام 2014، لـ11 ألف معتقل قتلوا تحت التعذيب في سجون النظام، مر من مجلس النواب في الكونغرس الأمريكي مرتين من قبل، في عامي 2016 و2017، ومجددًا هذا العام، إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى مجلس الشيوخ في زحمة القوانين الأمريكية المختارة للنقاش كل عام.

تقدم مشاريع القوانين في الكونغرس عبر مجلس النواب ثم تحول إلى مجلس الشيوخ، حيث يكون على زعيم الأغلبية، وهو الآن السيناتور ميتش ماكونل، أن يرتب القوانين كي يطرحها للنقاش في المجلس.

ولأن أعداد القوانين المقدمة كبيرة، ينتقي زعيم الأغلبية القوانين الأكثر ضرورة وفق أولوية معينة، ويعيد ما دونها للمرور مجددًا على الكونغرس في دورة العام الذي يليه، وهو ما حصل مع قانون “قيصر” مرتين حتى الآن.

عملت المنظمات السورية الأمريكية الداعمة للقانون على إيصاله هذا العام إلى مجلس الشيوخ من خلال إدراجه مع قانون آخر، ويعتبر قانون “تصريح الدفاع الوطني” المتعلق بميزانية وزارة الدفاع الأمريكية، القانون “المضمون” الذي يتفق عليه أعضاء المجلس كل عام، منذ أكثر من 50 عامًا.

ولم يتبقَّ الآن سوى تقديمه للتصويت أمام مجلس الشيوخ، مع احتمالية مروره بنسبة كبيرة، مع استمرار المنظمات بإقناع الأعضاء بالتصويت لمصلحته.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة