تعا تفرج

200 يورو محروقة لرفعت الأسد

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

بينما أنا أقرأ، في صحيفة “عنب بلدي”، أخبار الرفيق رفعت الأسد الذي يُحَاكَمُ الآن في باريس، بتهمة غسيل الأموال، إذ خطر ببالي أمر يتعلق بالسباب، وقلت لنفسي إن المفروض بنا، نحن الأدباء، أن نكون مهذبين، محتشمين.. وتذكرتُ أحدَ أبناء منطقتنا الذي قال لي، بعدما قرأ لي بوستًا مشفترًا:

– يا أستاذ أنت أديب، ولازم تكون مأدب!

قلتُ لنفسي: معه حق.. فأنا لم أعد ذلك الفتى المعرتمصريني، الزقاقي، المُشَفْتَر، الداشر في الأزقة.. بالعكس، أنا أديب، ومؤدب، وأحمل شهادة جامعية، وأكتب في الصحف والمجلات.. وبعدما غادرت المسلخ، أقصد “سوريا الأسد”، صرتُ أجلس في أحسن الأماكن، وأدعى إلى أمهات العواصم. هل تصدقون أنني زرت القاهرة مرتين، سنة 2012، و2013؟ نَعَمْ، القاهرة، أم الدنيا التي تمتلئ شوارعها بالأوساخ وسماؤها بالدخان.. وفي سنة الـ2013 ذاتها سافرت إلى باريس، ودخلت إلى مطار شارل ديجول مرفوع الرأس كالفاتحين، وكنت على وشك أن أهتف في وجه موظف المطار بعبارة “ديجول خَبّرْ دولتَك، باريس مربط خيلنا”.. ولكن الموظف فاجأني بحقيقتي المرعبة، إذ قال لي: أنت سوري! وأوقفني جانبًا حتى فرغَ من كل الزبائن، وقال لي، تعال لأشوف.. وصار يعاملني مثلما يعامَلُ أيُّ سوري هارب من براميل ابن حافظ الأسد، بريبة، وشك، واستعلاء.. ويوجه إليَّ أسئلته رشًا مثلما كان يفعل عناصر المخابرات السورية في المناسبات السعيدة، فقد أطلقوا الرصاصَ رشًا يوم انتصر الشقيقان حافظ ورفعت على الإخوان المسلمين، ويوم شُفي حافظ الأسد من مرضه، ويوم نجح حافظ في إخراج رفعت من سوريا، ويوم تمكن باسل من سجن منافسه وفاز بالجائزة الذهبية لسباق الفروسية، ويوم قَتَلَ الإخوان المسلمون أنور السادات، ويوم أخرجوا ميشيل عون من لبنان، ويوم وقعوا اتفاقية أضنة وأخرجوا أوجلان من سوريا، هذا إضافة إلى رش الرصاص في الأعراس، والخلفة، وطهور الأولاد، ومراقص الحَجِّيَّات بسهل الغاب، وترفيع الضباط، ونزول أسماء بعض المرشحين في قائمة الجبهة.

تذكرت هذا كله وأنا أقرأ اللغة المهذبة التي ووجه بها الرفيق رفعت الأسد في القضاء الفرنسي، اللغة التي تقول إنه “من المحتمل، أو من المرجح” أن يكون رفعت قد حصل على بعض أموال الشعب السوري، وإنه “لربما” يقوم بغسيل بعض الأموال.

على ذكر الأموال، والأسئلة التي تطرح على السوريين رشًا، كان آخر سؤال وجه إلي في المطار: كم لديك من المال؟ فأخرجت من جيب البنطال عدة قطع من فئة الخمسين ليرة تركية، ومن جيب الجاكيت الخارجي مبلغ مئتي يورو، وأريتها له، فقال: هل يكفيك 200 يورو للعيش في باريس ثلاثة أيام؟! فضحكتُ وقلت له: تكفيني؟ إنني مدعو على حساب صديق عزيز علي، ولن أستخدم من الـ200 يورو شيئًا إلا في الضرورات القصوى.

عندما انتهيت من قراءة اللغة المهذبة لخبر محاكمة رفعت الأسد، قفز إلى فمي سيل من الشتائم أردتُ أن أوجهها للفرنسيين، وأسألهم: بدكم تحاكموه بسرقة أموال وغسيل أموال بس؟ آخ يا أولاد الشـ..؟ ولكنني تذكرتُ أني مؤدب. فتراجعت.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة