“غرسة”.. حلم علا الجندي للنجاة الجماعية

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

بتسع دقائق، يحيط الفيلم السوري القصير “غرسة” بقصة تبدو لوهلة كلاسيكية معتادة الحصول في سوريا، حيث تراجع سيدة سورية أهم محطات حياتها خلال الثورة السورية، ببوح مباشر أمام الكاميرا، بدءًا من إحساسها بروح جديدة مع انطلاقة الثورة السورية، ومن ثم مشاركتها في الثورة واعتقالها مرتين، ثم خروجها من السجن ومغادرتها البلاد باتجاه لبنان، وعملها في المجال الإنساني والتعليمي هناك. لكن الاستثناء في هذه القصة، وهو ما يصل الفيلم به إلى مقولته الأساسية عن تلك الشخصية، هو رفضها السكن في السويد بعد نجاح ملف لم شملها من قبل زوجها اللاجئ في السويد، لصالح بقائها في ذلك المشروع الإنساني الذي أسسته تلك السيدة في مخيم للاجئين في لبنان.

فيلم “غرسة” يتناول غرسة علا الجندي، التي غرستها في المخيم، ورفضت تركها دون سقاية، رفضت أن يكون ما فعلته مؤقتًا، ينتهي بسفرها إلى أوروبا، ككثير من المشاريع السورية التعليمية والتنموية التي نشأت في مخيمات اللجوء، وانتهت بحصول القائمين عليها على لجوء في أوروبا أو سواها.

تُظهر علا في حديثها من حيث لا تدري، السر الذي يدفعها دائمًا إلى الإقبال لا الإدبار، وإلى الصمود لا الاستسلام، هو الحلم الذي تحدثت عنه في البداية، حين قالت “عندما بدأت الثورة شعرنا بأنه لأول مرة يكون لدينا حلم”. ما إن تراءى هذا الحلم في مخيلتها، حتى بدأت تفتح أبواب بيتها للحياة المختلفة. فلم تدر ظهرها وتقفل النافذة والتلفاز، وتنتظر ما سيحدث، إنما خرجت لتشارك بالمظاهرات، وما إن بدأ العمل الإغاثي والإنساني، حتى وجدت نفسها في غمار هذا العمل الذي كلفها اعتقالين، يبدو أن ثانيهما كان قاسيًا موجعًا لم تتحدث علا عن تفاصيله، لكنها بعده قررت مغادرة البلاد نحو لبنان، مع عائلتها التي تشتّتت بسفر الأب إلى السويد للحصول على اللجوء ومن ثم لم شمل عائلته هناك، هذا المشروع الذي استهلك ثلاث سنوات ونصف، لا أشهرًا كما كانت تظن العائلة قبل سفر الزوج.

في لبنان أيضًا، كان حلم علا مستمرًا، ويدفعها نحو المزيد من المشاركة والعمل، فأسست مع مجموعة من اللاجئات السوريات مركز “غرسة” التعليمي في منطقة البقاع، وهي مدرسة تجمع أطفالًا سوريين لاجئين، تظهر تفاصيلها ونشاطاتها بشكل جلي من خلال المشاهد التي نقلها الفيلم من داخل المدرسة، حيث تجالس علا الأطفال، وتناقشهم فيما يبدو أنه جلسة استماع لمشكلاتهم وطموحاتهم. بسيطة تلك المدرسة وتظهر عليها علامات جهود فردية كما قالت علا، حيث جاء دعمها من تبرعات جُمعت بجهود متطوعين.

في ذروة عملها في المدرسة، جاءت أوراق إقامتها وإقامة ابنها في السويد، فشعرت علا بفرح لابنها، إلا أنه كان من الصعب عليها تخيل سفرها بعيدًا عن المدرسة.. وبدأت تسمع أصوات اللوم من الأطفال في المدرسة في داخلها إن سافرت، حيث سيقولون “كلكم مثل بعضكم، كلكم تبقون معنا وتحبوننا وتحلمون معنا لأنكم لا تستطيعون السفر، وعندما يمكنكم السفر تسافرون وتتركوننا”. أمام هذ المقولة رفضت علا ترك المدرسة، فسافرت إلى السويد والتقت رئيسة البلدية في المنطقة التي حصلت أسرتها على اللجوء فيها، وحكت حكايتها لها، مستنتجة منها أن الإقامة الأوروبية تعني الحصول على الحد الأدنى من الأمان مقابل أن نترك بلادنا، وهي نجاة فردية، بعيدًا عن النجاة الجماعية. ثم عادت علا إلى غرستها في لبنان، عارفة تمامًا أن هذا قد يؤدي إلى نتائج سلبية ستنعكس على إقامتها السويدية.. لكن ارتباطًا ما بات أكبر من أوراق السفر والإقامات، ارتباط بقضية تستحق المغامرة، بكل شيء ربما، لا بأوراق الإقامة فحسب.

فيلم “غرسة” أنتح من قبل  مشروع “They Are Syria” بدعم من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية، إلى جانب عدة أفلام سورية قصيرة، تتناول قضايا في صلب الواقع السوري بعد سنوات الحرب.

https://www.youtube.com/watch?v=bDo9g7DJEAg&t=39s   




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة