سارة الخياط.. ترسم ما لا تقوله النساء
برنامج “مارِس” التدريبي – صالح ملص
“لمَّا بنت تشوف رسمتي، وتقول هي أنا، هالشي بيعني لي”، تصف سارة الخيَّاط، شعورها تجاه أعمالها، التي تعتمد في أغلبها على شخصية فتاة، لتصوير الانتهاكات التي تتعرض لها النساء السوريات في الداخل والخارج، ولعكس أحاسيسهن في عدة قضايا منها التعنيف، والتحرش، وعلاقة الناجيات من الاعتقال بمحيطهن الاجتماعي.
لم تكن سارة ذات الـ 30 عامًا، بحاجة لاختيار اسم للشخصية التي ابتكرتها في رسوماتها، أو بيان تعريفي عنها، كـ “حنظلة” الذي ابتكره رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، لأن تلك الفتاة ذات الشعر الأحمر، هي سارة، بتجارب حياتها المتراكمة التي عاشتها، “حين أرسم عن التحرش فهذه أنا، حين أرسم عن التعنيف فهذه أنا، حين أرسم عن أي شيء، أشعر أنني أنا أو شخص أعرفه في اللوحة”.
تخرجت سارة في قسم الاتصالات البصرية بكلية الفنون الجميلة في دمشق عام 2014، وبعدها بعام واحدة انتقلت للعيش في تركيا. تقول سارة لعنب بلدي، إنها لم تستطع البقاء في البلد “بعدما انتهى كل شيء، خاصة سلمية الثورة”.
وتضيف أنها من الأشخاص الذين خرجوا في مظاهرات دمشق، وبعد خروجها من سوريا شعرت بالحزن “لعدم حصول أي تغيير”، فعملت على رسم “Infographics” (مخطط معلومات بياني)، تُترجم فيها معاناة المرأة السورية وتناصر قضاياها.
تشارك سارة في تصميم بعض لوحات أغلفة الكتب والأبحاث، والمقاطع الصوتية، التي تعنى بتوثيق الانتهاكات بحق السوريات، وتصدر عن المنظمات والمدونات السورية.
كما تشارك في تصميم لوحات تعبيرية لحملة “ناجيات أم ليس بعد”، التي أطلقتها مدونة “عيني عينك” لتمكين دور المرأة في المجتمع السوري عام 2018.
ترتكز الحملة على التاريخ الشفوي، من خلال جمع المعلومات التاريخية للأفراد وعرضها ضمن تسجيلات صوتية، لتوثيق ذاكرة الناجيات من الاعتقال في سوريا، ومعاناتهن من رفض المجتمع لهن بعد هذه التجربة، ما يؤدي إلى عدم تجاوزهن قساوتها، حتى يجدن أنفسهن وحيدات، وتدعم ذلك التوثيق برسومات سارة.
كما شاركت سارة في تصميم أغلفة بحثٍ صدر عن منظمة “اليوم التالي” لدعم الانتقال الديمقراطي في سوريا، بعنوان “كي لا أكون على الهامش”.
فكرة البحث هي الاعتماد على ذاكرة 11 امرأة ناجية من الاعتقال، لتسليط الضوء على التعنيف الاجتماعي الذي تعرضن له بعد الاعتقال، ما نتج عنه احتجازهن في الظل، ويتقاطع هذا مع تعرضهن للتعنيف المنزلي والقانوني، وذلك لحماية روايتهن من الضياع والنسيان، وفهم دورهن وتجربتهن، وسط احتكار النظام للرواية التاريخية لما حدث منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011.
لدى سارة قناعة بأنها تعيش في مجتمعٍ عاطفي، لذا فالأمور البصرية تلعب دورًا أساسيًا في شد انتباه الجمهور لمثل هذه القضايا أكثر من الكتابة عنها، فلن تضطر لقراءة صفحة كاملة عن تعنيف امرأة ما، لأن كل شيء موجود باللوحة، بحسب سارة.
تنبع أهمية أعمال سارة من كونها تبسط نتائج الأبحاث، وتقربها من فهم الناس، وتزيد أثرها بما يشجع مزيدًا من الأفراد على الحديث عن معاناة النساء اللواتي يتعرضن للعنف في محيطهن.
وبحسب بحث لمنظمة “اليوم التالي”، فإن أغلب النساء المشاركات يعرفن امرأة تعرضت للعنف من قبل أحد أفراد عائلتها ويصرحن عن ذلك، بينما ينفي أغلب المشاركين من الرجال معرفتهم بحالات مشابهة.
وتريد 67.5% من النساء مساءلة المعتدي قانونيًا في كل الحالات، وإن كن يردن التساهل في حالتي الاعتداء والتهديد اللفظيين، وتتراجع نسبة التأييد لهذه المساءلة عند الرجال إلى حدود النصف، أي ما يعادل 54.3% منهم.
أعمال سارة المتعددة فتحت لها باب المشاركة في معرض للفنون البصرية على هامش “الملتقى الأول للاجئين العالمي”، بقصر المؤتمرات في جنيف، في 17 و18 من كانون الأول الحالي.
“بسيطة كالماء، واضحة كطلقة مسدس”، تقتبس سارة عبارة الشاعر السوري رياض صالح الحسين، لتصف شعورها تجاه أعمالها، وتجرب الابتعاد عن التعقيد في طرح قضايا يجتمع حولها النساء كلهن بمختلف أطيافهن العرقية والدينية والاجتماعية.
تلك البساطة، تشبه أيضًا “ثورتها الأولى”، التي تسترجع ذكرياتها. تقول سارة “كل ما يحدث معي الآن بسبب الثورة، الثورة هي أنا وأنت، وأينما كنا نستطيع أن نصنع ثورة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :