أعراضه غير واضحة.. ماذا نعرف عن تشمع الكبد

تشمع الكبد
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

كثيرًا ما نسمع أن فلانًا من الناس مصاب بتشمع في الكبد، ومع أن هذه المشكلة هي إحدى أهم المضاعفات الخطيرة الناتجة عن أمراض الكبد المختلفة إلا أن أعراضها قد لا تظهر بشكل واضح، وهذا ما يؤخر تشخيصها، وعمومًا لا يمكن الشفاء من تشمع الكبد، ولذلك فإن العلاج يركز على منع تفاقم المرض وزيادة مضاعفاته.

ما هو تشمع الكبد

تشمُّع الكبد Cirrhosis أو تليف الكبد Liver Fibrosis هو اضطراب يتحول فيه نسيج الكبد الطبيعي إلى نسيج متليف (ندبة) غير قادر على القيام بوظائفه بالشكل الطبيعي، ما يقلل من نسبة وصول الدم إلى الكبد، وبالتالي خلل في وظائف الكبد التي يحتاجها الجسم، فقد يعجز الكبد عن إنتاج مواد مخثرة بالشكل الكافي، ما يصعب وقف النزيف عند حدوثه، كذلك قد يفشل الكبد في تصفية السموم التي قد تتراكم في الدورة الدموية، وقد يؤدي التندّب إلى ارتفاع ضغط الدم في الأوردة التي تنقل الدم من الأمعاء عن طريق الكبد (فرط ضغط الدم البابي) وتؤدي هذه الحالة إلى حدوث نزيف حاد وخطير في الجهاز الهضمي وإلى مشاكل خطيرة أخرى.

ويتطور مرض تشمع الكبد بشكل تدريجي، ففي بداية الأمر يستطيع الكبد مواصلة أداء وظائفه، وبتقدم المرض يبدأ التليف بالازدياد ليشمل جزءًا أكبر من الكبد، ويستمر المرض بالتقدم ببطءٍ حتى يشمل التليف كامل الكبد، وعادة لا يصل التشمع إلى مراحله النهائية إلا بمرور شهور، أو سنوات، أو حتى عقود.

ما أسباب تشمع الكبد؟

هناك العديد من الأسباب التي من الممكن أن تؤدي إلى الإصابة بتشمع الكبد، وأحيانًا قد يجتمع أكثر من سبب واحد في المريض نفسه، وأهم الأسباب:

  • شرب الكحول: يؤدي شرب الكحول إلى الإصابة بالتهاب الكبد الكحولي، وفي نحو 10-15% من هذه الحالات يصل الأمر إلى مرحلة تشمع الكبد، وتجدر الإشارة إلى أن هناك اختلافًا كبيرًا في كمية الكحول اللازمة للتسبب في تشمع الكبد.
  • التهاب الكبد: يمكن أن يسبب التهاب الكبد الوبائي المزمن من النوع B أو النوع C معاناة المصاب من تشمع الكبد، ويعتمد التهاب الكبد الوبائي D على وجود التهاب الكبد الوبائي B، ولكنه عند الإصابة بالاثنين معًا يحدث تشمع الكبد بسرعة.
  • التهاب الكبد غير الكحولي: تبدأ هذه الحالة بتراكم كميات كبيرة من الدهون على الكبد، ثم يتطور الأمر إلى مرحلة تكون النسيج الندبي، ثم تشمع الكبد.
  • التهاب الكبد المناعي الذاتي: تتمثل هذه الحالة بمهاجمة الجهاز المناعيّ لخلايا الكبد عن طريق الخطأ، ما يزيد فرصة الإصابة بتشمع الكبد.
  • داء ترسب الأصبغة الدموية: وتعرف هذه الحالة على أنها تراكم الحديد في الكبد وأجزاء أخرى من الجسم.
  • انسداد القناة الصفراوية: يمكن أن يتسبب انسداد القناة الصفراوية بمعاناة المصاب من تشمع الكبد، ومن الأسباب الكامنة وراء انسداد القناة الصفراوية: سرطان البنكرياس وسرطان القناة الصفراء ذاتها.
  • أسباب أخرى: إضافة إلى ما سبق، يمكن أن تتسبب بعض المشاكل الأخرى بتشمع الكبد، مثل: التليف الكيسي، وداء البلهارسيات الذي يظهر عادة في الدول النامية، والغلاكتوزيميا  التي تتمثل بعدم قدرة الجسم على هضم بعض أنواع السكريات كالموجودة في الحليب.

ما أعراض تشمع الكبد؟

قد لا تظهر على المصابين بتشمع الكبد أي أعراض أو علامات في المراحل المبكرة من المرض، ومع تدهور وظائف الكبد قد تظهر علامات وأعراض الإصابة بهذا المرض على النحو التالي:

في المراحل المبكرة: الشعور بالتعب الشديد والإعياء العام، فقدان شهية غير طبيعي، فقدان وزن، ضمور عضلات، توسع أوردة الجسم على شكل عنكبوت على الصدر أو الوجه أو الذراعين ، فقدان شهية، الشعور بالغثيان وأحيانًا الإقياء، الشعور بألم أو انزعاج في الجهة اليمنى من الجزء العلوي من البطن.

في المراحل المتقدمة: سهولة النزف والتعرض للكدمات والرعاف، الارتباك، صعوبة في التفكير، فقدان الذاكرة، اضطرابات النوم، انتفاخ الكاحلين والقدمين والجزء السفلي من الساقين (وذمات)، انتفاخ البطن نتيجة تراكم السوائل فيه (حبن Ascites)، حكة شديدة، اغمقاق لون البول، تغير لون البراز ليصبح أفتح، اصفرار لون العينين والجلد (يرقان)، تساقط الشعر، ظهور الدم في البراز، إقياء دموي أو كطحل القهوة، احمرار راحة اليد، ظهور خطوط أفقية على الأظافر (خطوط موهرك)، انثناء أصابع اليد نتيجة زيادة سمك لفافة راحة اليد وقصرها (تقلصات دوبويترن)، كبر حجم الثدي عند الرجال (التثدي)، ضعف جنسي (عنانة)، رائحة نفس عفنة، حركات لاإرادية غير متزامنة في اليدين وذلك عند بسطها وانثنائها للخلف (الارتعاش الخافق).

كيف يمكن تشخيص الإصابة بتشمع الكبد؟

غالبًا لا تظهر الأعراض على الأشخاص المصابين بتشمع الكبد في مراحله المبكرة، لذلك فإنه عادة ما يكتشف أول مرة من خلال اختبار الدم أو الفحص الدوري، و لتأكيد التشخيص تُجرى مجموعة من الفحوصات واختبارات التصوير الطبية التي تشمل:

  • التحاليل المخبرية: ارتفاع مستوى أنزيمات الكبد AST, ALT والفوسفاتاز القلوية وناقلات الغاما غلوتاميل، نقص الصفيحات الدموية وكريات الدم البيضاء والمعتدلات والألبومين وصوديوم الدم، تطاول زمن تخثر بلازما الدم (زمن البروثرومبين)، وقد يبقى مستوى البيليروبين طبيعيًا ويمكن أن ترتفع نسبته كلما زاد تشمع الكبد.
  • الأشعة: تستخدم أشعة الموجات فوق الصوتية (الإيكو) بشكل روتيني في تقييم مدى تشمع الكبد، إذ إنها قد تظهر الكبد المتشمع في مراحله المتقدمة في شكل كبد صغير وعقيدي الشكل، بالإضافة إلى زيادة ارتجاع الصدى في الأشعة وظهور أجزاء غير منتظمة الشكل، كما يمكن إجراء التصوير المقطعي المحوسب (CT scan).
  • الخزعة: إن المعيار الذهبي لتشخيص تشمع الكبد هو أخذ عينة من الكبد وذلك عن طريق تنظير البطن عبر الجلد أو باستخدام إبرة رفيعة، ومع ذلك، فإن عينة الكبد تصبح غير ضرورية للتشخيص إذا كانت نتائج الأشعة والفحص السريري والمخبري تشير إلى وجود تشمع بالكبد، لكن قد يستخدمها الطبيب في تحديد درجة تشمع الكبد وحِدَّته وسببه.

ما مضاعفات الإصابة بتشمع الكبد؟

  • ارتفاع ضغط الدم في الوريد البابي: عادة ما يتدفق الدم المنقول من الأمعاء والطحال عبر الوريد البابي الكبدي (الوريد الرئيسي للكبد) ببطء ويزيد معدل ضغط الدم فيه وهذا يؤدي بدوره إلى المضاعفات التالية:
  • الحبن: تسرب السوائل من خلال الجهاز الوعائي إلى التجويف البطني.
  • دوالي المريء: تدفق الدم البابي الجانبي عبر الأوعية الدموية في المعدة والمريء، وقد تتضخم هذه الأوعية الدموية ويحتمل أن تنفجر.
  • خلل في جهاز المناعة: ما يؤدي إلى زيادة احتمالات حدوث عدوى.
  • التهاب الغشاء البريتواني العفوي: نتيجة تلوث سائل الحبن في البطن بنوع من البكتيريا الموجودة بشكل طبيعي في الأمعاء.
  • الاعتلال الدماغي الكبدي: لا يقوم الكبد بتنقية الدم من الأمونيا والمواد النيتروجينية العالقة به، التي يتم نقلها إلى المخ وتؤثر على وظائف الدماغ للمريض مؤدية لإهمال المظهر الشخصي أو عدم الاستجابة للمؤثرات أو النسيان أو صعوبة التركيز أو تغيرات في عادات النوم وربما دخول المريض بالسبات Coma.
  • المتلازمة الكبدية الكلوية: حيث يحدث فشل كلوي حاد، وترتفع معدلات الوفيات بشكل كبير من جراء الإصابة بهذا المرض (أكثر من 50% من المرضى).
  • سرطان خلايا الكبد: هو سرطان الكبد الأولي، ويعتبر من المضاعفات الشائعة لتشمع الكبد، ويتسم بارتفاع معدلات الوفيات.

كيف يعالَج تشمع الكبد؟

بشكل عام، لا يمكن علاج الضرر الذي يلحق بالكبد من جراء تشمعه، ولكن يمكن للعلاج أن يوقف أو يؤخر المزيد من تطور المرض ويقلل من المضاعفات الناجمة عنه، وفيما يأتي بيان ذلك:

علاج مُسبّب تشمع الكبد:

الإقلاع عن تناول الكحول مباشرة، إنقاص الوزن للمصابين بتشمّع الكبد الناجم عن التهاب الكبد اللاكحولي، تناول الأدوية الخاصة بالتهاب الكبد B وC من شأنه أن يحد من الضرر اللاحق بالكبد عند وجود التهاب كبد وبائي، ومن هذه الأدوية أدوية مضادات الفيروسات ودواء إنترفيرون، تناول بعض الأدوية التي تحد من تقدم تشمع الكبد، كالأدوية المعطاة لعلاج حالات تشمع المرارة الأولي مثل دواء أورسوديول Ursodiol، والأدوية المعطاة لعلاج تشمع الكبد الناتج عن أمراض الجسم المناعية الذاتية كأدوية الستيرويدات.

علاج مضاعفات تشمّع الكبد:

قد يصف الطبيب المختص مدرات البول للتخلص من السوائل الزائدة، وقد يصرف المضادات الحيوية لمنع نمو في السائل المتجمع في البطن، وتجدر الإشارة إلى ضرورة الحد من تناول الأطعمة الغنية بالصوديوم، وتقليل تناول الأملاح عامة، وفي الحالات الشديدة قد يلجأ الطبيب لسحب السائل من البطن (بزل الحبن).

وقد يلجأ الطبيب إلى بعض الأدوية لعلاج ارتفاع توتر الوريد البابي مثل حاصرات المستقبل بيتا الودي β-Blockers.

ويمكن علاج العدوى باستخدام المضادات الحيوية.

وقد ينصح الطبيب بأخذ مطعوم الإنفلونزا، ومطعوم الالتهاب الرئوي، ومطعوم التهاب الكبد الوبائيّ.

الاعتلال الدماغي الكبدي:

إعطاء الأدوية المناسبة قد يحدّ من هذه المشكلة أو يعالجها عند ظهورها.

سرطان الكبد:

ترتفع احتمالية الإصابة بسرطان الكبد لدى الأشخاص المصابين بتشمع الكبد، ولذلك يجدر بالمصابين بتشمع الكبد إجراء فحص دوري كل 6-12 شهرًا باستخدام الموجات فوق الصوتية أو فحص الدم، وفي حال ظهور السرطان فإنه يعالج بالعلاج الكيماوي أو الجراحة أو الإشعاع.

وهناك بعض الأدوية التي تعطى لعلاج أعراض تشمع الكبد أيضًا، كمضادات الحساسية لعلاج الحكة، والملينات، مثل اللاكتولوز، لتقليل احتمالات الإصابة بالإمساك، في حين أن دوره في الوقاية من الاعتلال الدماغي محدود، ويمكن إعطاء المكملات الغذائية في حالات سوء التغذية التي قد ترافق تشمع الكبد، والأدوية الخاصة بالعظام لمنع إصابة المريض بهشاشة العظام.

زراعة الكبد:

يُلجأ لخيار زراعة الكبد في الحالات الأخيرة من تشمع الكبد عند حدوث الفشل الكبدي Liver Failure، وعادة ما تتم زراعة جزء من كبد شخص سليم لا يزال على قيد الحياة بعد إجراء الفحوصات اللازمة، ويمكن زراعة كبد كامل من جسد شخص متوفى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة