محاكمة ترامب وأثرها على الصراع السوري

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

أثار وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة في انتخابات الربع الأخير من عام 2016 شكوكًا كثيرة في الشارع السياسي الأمريكي، هذه الشكوك تمحورت حول تدخل روسي محتمل في هذه الانتخابات لمصلحة ترامب. وبموجب هذه الشكوك عُيّن القاضي روبرت مولر من قبل وزارة العدل الأمريكية محققًا في هذه المزاعم.

إن عدم إثبات تورط ترامب بالتواطؤ مع موسكو، بما يخص انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، لم يمنع خصومه الديمقراطيين من ترصده سياسيًا. ولعل لجوء مجلس النواب الأمريكي إلى فتح تحقيق رسمي بهدف عزل الرئيس على خلفية انتهاكه للدستور عبر سعيه للحصول على مساعدة دولة أجنبية هي أوكرانيا، لإلحاق الضرر السياسي بمنافسه المحتمل جو بايدن، في الجولة المقبلة من الانتخابات الرئاسية، يندرج تحت مسمى “ارتكاب أفعال مشينة للقسم الرئاسي وللأمن القومي للولايات المتحدة”.

إن الخطوة التالية لمحاكمة الرئيس ترامب وعزله تحتاج إلى موافقة 67 عضوًا من أعضاء مجلس الشيوخ الذي يبلغ عدد أعضائه 100 عضو، ولكن هل يمكن للديمقراطيين تحقيق هذه النصاب، مع العلم أن مجلس الشيوخ ذو أغلبية جمهورية؟

يبدو الجواب على هذا السؤال رهنًا للتحقيقات وما ينتج عنها، ولكن بات من المرجح أن صورة الرئيس ترامب ستهتز أمام الشعب الأمريكي، وهذا الاهتزاز قد يفوت عليه فرصة انتخابه مرة ثانية، وقد يكون هذا الأمر هو ما يريد تحقيقه الديمقراطيون.

إن إصرار الديمقراطيين على تهشيم صورة ترامب أمام الناخب الأمريكي، تخفي وراءها أسبابًا غير معلنة، من الصراع بين نموذجين من إدارة شؤون مصالح الولايات المتحدة، فسياسة ترامب خلال ولايته خرجت عن نمطية السياسة التقليدية للولايات المتحدة، فترامب لم يكن لديه استراتيجية محددة، تتسم بها سياسته الخارجية، وهذا ما جعله يزن الأمور بمبدأ التجارة، فالعالم برأيه مجموعة من الصفقات الرابحة أو الخاسرة، وهو يريد صفقات رابحة بأقل الجهود.

هذه الذهنية الترامبية هي ذهنية مرفوضة لدى خصومه الديمقراطيين، فبرأيهم هذا النهج الترامبي سيفقد الولايات المتحدة حلفاءها في العالم، وهو ما يرونه في ممارسات مادية، عمل بها ترامب حيال “قوات سوريا الديمقراطية”، إذ اعتبرها مجرد قوات مأجورة قبضت ثمن جهدها العسكري في مواجهتها وحربها مع داعش.

إن الصراع بين مؤسسات الإدارة الأمريكية (البيت الأبيض، الكونغرس، البنتاغون، وكالة الاستخبارات الأمريكية) هو صراع بين نهجين مختلفين، وبين استراتيجيتين متناقضتين، الأولى تعبر عن نفسها بحضور عسكري سياسي على مستوى العالم، بغية الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة وعلى نفوذها الدولي وتحالفاتها الرئيسة، والثانية تعمل على مفهوم رأسمالي جديد، يقول بالتدخل على مبدأ تحقيق صفقات رابحة.

إن الصراع بين مؤسسات الحكم في الإدارة الأمريكية، ينعكس بالضرورة على اتخاذ القرارات المهمة حيال بؤر الصراع الدولية، فالموقف من الصراع مع إيران حول ملفها النووي، وحول تدخلها في محيطها الإقليمي ومحاولتها الهيمنة عليه، وكذلك الموقف من الصراع في سوريا وعليها، هما موقفان لا يتسمان برؤية استراتيجية واضحة، فترامب الذي اتخذ قرار سحب قواته من سوريا أكثر من مرة، اضطر إلى التراجع عنه تحت ضغط البنتاغون وقوى الدولة الأمريكية العميقة.

هذه السياسة المتأرجحة بين حدين اثنين، يتسمان بالتناقض، تساعد على غير رغبة من الإدارة الأمريكية، في ازدياد الصراع في هذه البؤر المشتعلة، وهو يعني من الناحية السياسية انخراطًا أوسع من قبل القوى التي تنخرط فيه، ما يؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم اتضاح الرؤية للحل، وهو ما قد يقود إلى مواجهات عسكرية أو سياسية غير محسوبة في هذه المنطقة.

فردانية ترامب غيبت عمليًا دور المؤسسات الأمريكية في المشاركة بصنع القرار، هذا التغييب يصب في غير مصلحة الولايات المتحدة، كما أنها تخلق تشوشًا وإرباكًا على مستوى صناعة القرار، فليست هناك مقدمات لصناعته، وكذلك ليست هناك استراتيجية شاملة، وهذا ما يجعل الرؤية غائمة، تنتظر فردانية ترامب، الذي اعتاد أن يعلن عن كثير من قراراته عبر تغريداته على تويتر.

فردانية ترامب لعبت كذلك دورًا في إرباك حلفائه، فبعد أن قبل ترامب ووافق على انسحاب قواته من المنطقة الآمنة، الممتدة من الحدود السورية التركية بطول يقدر بـ 440 كم، وبعمق يصل إلى 32 كم، تجده قد تنصل من تنفيذ الاتفاق، وترك حليفته (قوات سوريا الديمقراطية) بمواجهة مصيرها أمام القوات التركية وقوات حلفائها من “الجيش الوطني”، هذه المواجهة قد تعني تصفية عسكرية لهذا الحليف الذي قال عنه ترامب إنه عمل مع الأمريكيين مقابل أجر مادي وليس لوعود سياسية.

ترامب تراجع عن بعض قراراته بسرعة، وسمح لقواته بالعودة إلى قواعد كانت قد انسحبت منها، ثم أعلن أنه سيبقى في سوريا لحماية آبار النفط من مطامع النظام والروس، وهذا القرار أزعج الروس كثيرًا، وبالتالي أعاد خلط أوراق الصراع السوري من جديد.

إذًا نستطيع القول إن سياسة ترامب حيال بؤر الصراع ليست سياسة واضحة الأدوات والأهداف، بل هي رهن صراع البيت الأبيض مع مؤسسات الدولة الأمريكية العميقة، وهو صراع يعرقل الحل السياسي للصراع السوري بموجب القرار الدولي رقم 2254. وهذا الوضع يزيد من الصعوبات التي تسبب مزيدًا من الألم للسوريين الذين يدفعون فواتير صراع مصالح الآخرين على أرضهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة