غسان القلاع.. شهبندر التجار وحارس الدولة السورية القديم

camera iconرئيس غرفة تجار دمشق محمد غسان القلاع- 28 من أيلول 2019 (وائل الدغلي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

في صدر القاعة الكبيرة في فندق الشيراتون في العاصمة السورية (دمشق) وخلفه تتصدر صورة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، جلس رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، محمد غسان القلاع، الذي يلقب بـ “شهبندر تجار دمشق”، إلى جانب حاكم مصرف سوريا المركزي، حازم قرفول، خلال اجتماع مع رجال أعمال سوريين من أجل إطلاق مبادرة لدعم الليرة السورية بعد تراجعها القياسي خلال الشهر الماضي ووصول سعر الصرف إلى عتبة 700 ليرة سورية للدولار الواحد.

محمد غسان القلاع، حجر أساس في تشكيل خريطة سوريا الاقتصادية، لكنه تعدى عالم الاقتصاد إلى السياسة، من بوابة مدينة سوتشي في روسيا، عندما قاد ما أطلقت عليه روسيا آنذاك مؤتمر “الحوار الوطني السوري”، مطلع 2018، قبل أن يضاف اسمه إلى قائمة المجتمع المدني، التي شكلتها الأمم المتحدة إلى جانب قائمتي النظام والمعارضة السورية لتشكيل اللجنة الدستورية الشهر الماضي، وهو ما يعيد الكهل السبعيني إلى واجهة الأحداث في سوريا مجددًا.

ورث تجارة أبيه

بدأ القلاع، ابن مدينة دمشق، البالغ من العمر 78 عامًا (مواليد 1941)، حياته التجارية من محل والده في سوق الحميدية وسط دمشق في 1961، قبل أن يرث تركة والده بعد وفاته، ليبدأ حياته الصناعية والتجارية، ويؤسس مجموعة “القلاع التجارية” المخصصة في استيراد وتصدير المواد الأولية والمنتجات الجاهزة، إلى جانب العمل في عدة مجالات كحياكة الأقمشة وصناعة الألبسة الداخلية والألبسة النسائية وصباغة وتحضير الأقمشة، مع امتلاكه معملاً للأدوات المعدنية اللازمة للصناعة.

وبسبب مكانته في السوق، ترأس عدة مناصب، كان في أولها خازنًا في غرفة تجارة دمشق بين عامي 1977 و1989، ونائبًا لرئيس غرفة التجارة العربية- الإيطالية، ونائبًا لرئيس جمعية “دار الحديث الشريف”، ونائبًا لرئيس جمعية “العلوم الاقتصادية السورية”، وأخيرًا تولى رئاسة غرفة تجارة دمشق منذ عام 2009 حتى اليوم، كما صار رئيس مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية منذ عام 2013.

لم يستند القلاع، الحاصل على شهادة بكالوريوس في التجارة من جامعة حلب عام 1964، إلى ممول أو داعم للبروز إلى الساحة الاقتصادية في سوريا واحتلال مكانة بين التجار، كغيره من رجال الأعمال الذين برزوا بسبب قربهم من الدائرة الاقتصادية الضيقة لعائلة الأسد الحاكمة في سوريا، وإنما عمل بمبدأ أن “التاجر والصناعي يأخذ المبادرة شخصيًا، ولا يكون متواكلًا أو منتظرًا لما يقدمه له الآخرون”، بحسب ما قال في مقابلة مع موقع “مدونة وطن” في 2009.

وأحب “شهبندر التجار” الاستقلالية وحرية العمل والكسب المشروع، ودافع عن مبدئه في التجارة في كل مناسبة تجارية، عبر دعوته الشباب إلى الابتعاد عن العمل الوظيفي الاعتيادي والتوجه نحو أعمال تحمل طابع الاعتماد على النفس، بحسب ما ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، في نيسان 2018.

الشهبندر والسياسة

برز اسم القلاع مجددًا في قائمة المجتمع المدني التي شكلتها الأمم المتحدة في اللجنة الدستورية، والتي تحظى بدعم أممي يحاول إبقاءها غير منحازة لأي طرف من الطرفين، بل تعمل على دعم عملية تشكيل دستور جديد لسوريا، وفق مصلحة الدولة السورية وليس وفق مصلحة النظام أو المعارضة، وهو ما يفتح تساؤلات عن تاريخ القلاع في السياسة والدور الذي يمكن أن يلعبه في اللجنة.

يعتبر القلاع، إلى جانب التجار الدمشقيين الكبار، مثل راتب الشلاح، من الحرس القديم للدولة السورية، الذين يحاولون منع انهيار مؤسسات وعملة الدولة، وهو ما يفسر دعمهم للحكومات السورية عند مواجهتها أي أزمة اقتصادية، سواء في زمن الأسد الأب أو بعد اندلاع الثورة السورية في 2011 في زمن الأسد الابن، بحسب ما قاله المحلل الاقتصادي يونس الكريم.

وقال الكريم لعنب بلدي إن هناك تيارًا في الدولة السورية، القلاع محسوب منه، يرى أن الدولة أكبر من النظام أو المعارضة ويجب الحفاظ عليها وعلى هيكليتها وعلى عملتها، ويقف هذا التيار مع الطرف الأكثر تنظيمًا وليس الأقوى، وهو ما يفسر وقوف القلاع إلى جانب النظام.

واختار التيار الذي ينتمي إليه القلاع صف النظام، كونه أكثر تنظيمًا ويسيطر على المؤسسات السيادية، على حساب المعارضة التي افتقدت لجسم منظم، بحسب الكريم، الذي اعتبر أن القلاع يحاسب على هذا الموقف كونه عمل على تقوية الظالم على المظلوم غير المنظم.

كما يرى تيار القلاع أن النظام في سوريا يجب أن يكون منحازًا لنفسه لا للدول الحليفة مثل روسيا أو إيران، ويعتبر هذه الدول حلفاء فقط لها مصالحها لكن ليس على حساب الدولة السورية، على عكس الواقع الاقتصادي في البلاد في الوقت الحالي بعد امتلاك إيران وروسيا المفاصل الاقتصادية عبر توقيع عقود طويلة الأمد مع النظام السوري، في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية.

وأضاف الكريم أنه يمكن القول إن القلاع ومن بجانبه قادوا خلال الثورة الفئة الرمادية، التي ليست لديها مواقف سياسية واضحة وإنما يهمها مصلحتها، مشيرًا إلى أن الرؤية الوطنية لتجار دمشق لا تتقاطع بالضرورة مع النظرة الوطنية للثورة السورية، لأن اختلاف المصطلحات تقود لاختلاف الأهداف، وكلا الطرفين (النظام والمعارضة) لهما أهداف مختلفة.

وتجسدت “الرؤية الوطنية” للقلاع خلال كلمته التي ألقاها في مؤتمر سوتشي في روسيا، بحضور وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عندما طلب “إطلاق صرخة مدوية إلى كل من يعنيه الأمر: ارفعوا أيديكم عن سوريا وكفاكم تدخلًا في شؤونها، فقد ذاق شعبنا الكثير من المرارة ومختلف العذابات، جراء التدخلات السافرة، بعد أن كان نموذجًا للعيش المشترك، وعنوانًا للاستقرار والأمان”.

وختم القلاع كلمته بالقول، “سوريا لن تكون إلا للسوريين للوطنين المخلصين من أبنائها، ولهم، ووحدهم فقط، الحق في تقرير مستقبلها”.

أثرياء الحرب “يزعجونه”

كان المبدأ التجاري للقلاع سببًا في إظهار امتعاضه تكرارًا من بروز رجال أعمال على الساحة السورية، وجدوا في سنوات الحرب الماضية بيئة خصبة لزيادة رؤوس أموالهم على حساب معاناة الشعب السوري، وغياب الأسماء السابقة، أمثال راتب الشلاح.

في حين برزت أسماء جديدة لرجال أعمال من أبرزهم: سامر فوز ووسيم القطان وآل القاطرجي (حسام ومحمد براء)، الذين وصفهم القلاع بشكل مبطن دون الإشارة إليهم بشكل مباشر بأنهم “أثرياء الحرب” خلال مقابلة مع صحيفة “تشرين” الحكومية، في نيسان 2017، بالقول إن “بعض التجار الحقيقيين خرجوا من السوق، وحل محلهم تجار لا علاقة لهم بالمهنة، جنوا أموالهم من رحم الحرب”، مؤكدًا أن “دور هؤلاء سينتهي بعد انتهاء الحرب”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة