النظام التعليمي “المزدوج” في الحسكة يُرهق الطلاب والأهالي
مع بداية العام الدراسي الجديد 2019ـ 2020 لا تزال المشاكل التي تواجه التعليم في محافظة الحسكة تراوح مكانها، مع ما يرافقها من قلق ومخاوف تنتاب الطلاب والأهالي.
فالنظام التعليمي المزدوج المتّبع في المحافظة، والمتجلي بوجود نظامين دراسيين، أحدهما يعود للنظام السوري، والآخر لـ “الإدارة الذاتية” (الكردية) يُرخي بظلاله على الطلاب بجميع مراحلهم الدراسية، خاصة في ظل فرض “الإدارة الذاتية” لمناهجها بالقوة مع عدم وجود اعتراف رسمي بالشهادات التي تصدرها، وصعوبة الوصول إلى المدارس الحكومية والتي باتت قليلة ومكتظة، وهو ما نتج عنه تسرب آلاف الطلاب من التعليم، وتفشي الأمية بنسب عالية.
التدرج في فرض منهاج “الإدارة الذاتية”
ويشهد هذا العام إدخال منهاج “الإدارة الذاتية” إلى الصف الحادي عشر بعد أن كان مفروضًا حتى الصف التاسع العام الماضي، مع ما رافقه من إغلاق للعديد من المدارس الثانوية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وعلى مدى السنوات الماضية عمدت “الإدارة” إلى فرض مناهجها بشكل تدريجي، ففي عام 2013 طبقت منهاجها الخاص منذ الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الخامس، وفي عام 2015 تم تدريس المنهاج حتى الصف الثامن، ليتم فرضه حتى الصف التاسع العام الماضي.
وتُدير “الإدارة الذاتية” حاليًا نحو 1950 مدرسة في الحسكة، يدرس فيها أكثر من 170 ألف طالب وطالبة، وفق الإحصائيات التي تعلنها.
وتدنى عدد المدارس التي تديرها “مديرية التربية” التابعة للنظام إلى 407 مدارس فقط، من أصل 2423 يدرس فيها نحو 108 آلاف و362 طالبًا وطالبة، وفق إحصائيات حكومية أشارت أيضًا إلى أن عدد المتسربين من التعليم وصل إلى 161 ألفًا و600 طالب وطالبة.
وقد لاقى تدريس منهاج “الإدارة الذاتية” استحسانًا لدى بعض سكان المحافظة الذين حرموا لسنوات طويلة من تعلم لغتهم الكردية، فيما لقي استنكارًا ورفضًا من قبل شريحة أخرى من الأهالي، سواء الذين ينتمون للمكون الكردي أو للمكونات الأخرى، بسبب تخوفهم على مستقبل أولادهم في ظل عدم وجود اعتراف رسمي بهذه المناهج من قبل أي جهة، إلى جانب فرضها تحت سياسة الأمر الواقع.
صعوبات ومقترحات للحل
الدكتور فريد سعدون، أستاذ النقد الأدبي بجامعة دمشق والمعهد العالي للفنون المسرحية سابقًا، ورئيس قسم اللغة العربية ونائب عميد كلية الآداب بجامعة الفرات سابقًا، أوجز لعنب بلدي الصعوبات التي يعاني منها قطاع التعليم في محافظة الحسكة مقترحًا عددًا من الحلول لها.
ويعتبر الدكتور سعدون أن أهم هذه الصعوبات هو إغلاق المدارس وعدم توفر البناء المدرسي، إذ لم يعد يوجد في المحافظة مدارس حكومية باستثناء عدد قليل يوجد في المربعين الأمنيين لمدينتي القامشلي والحسكة إلى جانب مدارس أخرى خاصة بالسريان والأرمن.
أما الصعوبة الثانية فهي عدم توافر الكوادر التعليمية خاصة في المناطق الواقعة خارج مراكز المدن، فالقرى الواقعة جنوب مدينة القامشلي والواقعة تحت سيطرة النظام على سبيل المثال، تكاد تخلو من الكوادر المتخصصة نتيجة وجود حواجز كثيرة تابعة لـ “الإدارة الذاتية” على الطريق.
وإلى جانب تلك الصعوبات يعاني الطلاب من صعوبة الوصول إلى المدارس الحكومية، بسبب الحواجز التابعة لـ “الإدارة الذاتية” المنتشرة في محيط المربعين الأمنيين بمدينتي القامشلي والحسكة، والتي تعيق مرور حافلات الطلاب، خاصة مع إصدار “الإدارة” قرارًا العام الماضي، يقضي باعتقال سائق أي حافلة تقل طلابًا إلى المدارس الحكومية أو تغريمه ماليًا بالإضافة لحجز سيارته، ونتيجة لذلك يلجأ الكثير من أولياء أمور الطلاب إلى نقل أبنائهم إلى هذه المدارس عبر الدراجات النارية والسيارات الشاحنة، كما يرتدي الطلاب ملابس مدنية من أجل تلافي مضايقات هذه الحواجز.
وكانت “مديرية المرور التابعة للإدارة الذاتية” نشرت في شهر تشرين الأول من عام 2018، تعميمًا حذرت بموجبه أصحاب الحافلات العامة من نقل الطلاب إلى المدارس الحكومية، وذلك بناء على المرسوم الصادر من رئاسة المجلس التنفيذي المتضمن الالتزام والتقيد التام بالسياسة التربوية والتعليمية ومناهج “الإدارة الذاتية” في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
طرفا المشكلة غير جادين في إيجاد حلول
ويرى الدكتور سعدون أن النظام السوري غير مهتم بموضوع التعليم في هذه المناطق ولا يرغب في إيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها، مشيرًا إلى أنه اقترح في وقت سابق أن يتم تحويل “المشفى الوطني” والذي استولى عليه “الدفاع الوطني” التابع للنظام إلى مدرسة، مع ما يتمتع به من موقع استراتيجي، إذ إنه يوجد في المربع الأمني بمركز مدينة القامشلي وبالقرب من ثانوية “العروبة”، إضافة إلى وجود الكثير من الغرف في هذا المشفى والتي تصلح أن تكون صفوفًا للطلاب، فضلًا عن كونه مشفى ضخم المساحة مع ما يحيط به من حدائق يمكن أن يوضع فيها غرف مسبقة الصنع، ولكن رد المحافظ على هذا المقترح كان بالتغاضي وعدم الاهتمام، ولذلك فالنظام يتحمل جزء من هذه المشاكل أيضًا، وفقًا لـ د. سعدون.
ويعتبر الدكتور سعدون أن الحل للمشاكل التعليمية القائمة في المحافظة بسيط جدًا ويتجلى بإيجاد توافقات على فتح المدارس بين النظام و”الإدارة الذاتية”، تتم بموجب اتفاق رسمي بين “الإدارة” و”مديرية التربية” التابعة للنظام أو مع المحافظ.
كأن يتم تقاسم المدارس في المحافظة بين النظام و”الإدارة الذاتية”، أو أن يتواجد في نفس المدرسة دوامين صباحي ومسائي يكون أحدها لـ “الإدارة الذاتية” والثاني للنظام أو العكس، أو أن تكون الحصص، والتي يقدر عددها بـ 22 حصة دراسية في الأسبوع موزعة بين 11 حصة للمنهاج الكردي و11 حصة أخرى للمنهاج الحكومي.
ويلفت الدكتور سعدون إلى أنه رغم طرح هذه المقترحات، إلا أن الطرفين غير جديين في إيجاد حل للموضوع، فالنظام غير مهتم، و”الإدارة” تعمل بحسب مزاجيتها الخاصة وأجنداتها وإيديولوجيتها، بحسب تعبيره.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :